تتجلى فى يوم حصاده فيوضات ربانية تؤكد أن نهر الخير لا ينضب فى مصر على مر العصور والأزمان. حصاد القمح فى طفولتنا لم يكن يومًا واحدًا، بل هناك يوم الضم: وهو قطع قش القمح بالمناجل والمحشات، ويبدأ مع طلوع الفجر حتى تكون العيدان ندية ولا تقع السنبلة، ويوم نقل القش للجرن الذى يتم به الدريس، وأيام الدريس نظرًا لبدائية الآلة التى تسمى النورج: وهو عبارة عن دكة صغيرة بعجل حديد صلب مدبب يسحبها بقرتان وتدور فوق القش بحركة دائرية، ويفضل قائد النورج استدعاء الصغار مثلنا لمجاورته لإثقال العربة على القش وليضمن تمكن العجل من كل القش، وهناك حامل المدرة الذى يقلب القش أمام النورج، ويفضل أن يكون العمل وقت القيلولة فى شدة الحر كى يكون القش حامصا، وليس به أى أثر للندى، وقد يمتد الدريس والدراوة بالمدرة لفصل الحب عن التبن لأكثر من أسبوع فى الوقت الذى يحتمى فيه الكثيرون غيرهم بظل الشجر لتناول الغداء الذى تحضره المرأة الريفية مشاركة الرجال فى أيام الفرحة. ويختتم حصاد سنابل الخير بيوم المكيال، وينتظره كل بيت، حيث يعرف كل فلاح ماذا أنتجت أرضه من الذهب الأصفر، ولسان حاله يقول: «القمح الليلة ليلة عيده، يا رب تبارك وتزيده». ولأن الجرن ملىء بالفقراء ليأخذ كل واحد منهم نصيبه من زكاة الزروع سواء كانت 10أو 5% حسب طريقة الرى، وينال حقه يوم حصاده قبل أن يذهب المحصول لبيت صاحبه. توشكى والعوينات وعندما انتقلنا من عصر النورج والمدرة دخلت آلة الدريس بمشاكلها، حيث ابتلعت فى أحد المواسم ذراع أحد السواعد المعقود فى نواصيها الخير، فحزنت القرية كلها رغم غزارة المحصول أيامًا عجافا معدودات، واليوم مع أحدث الآلات تتم كل هذه العملية الشاقة بيوم واحد فى توشكى وشرق العوينات.