اعتقد الاحتلال الاسرائيلى أن اعتقاله للفلسطينيين خلف القضبان سيمنع أهل القضية من إيصال صوت مقاومتهم للعالم، ولكن كالعادة خاب مسعاه، ووقف عاجزا عن إبداعات أدباء فلسطينيين، التى تصل إلى العالم كله، وتحقق نجاحات استثنائية.. مؤخرا تمكنت رواية الأسير الفلسطينى باسم خندقجى «قناع بلون السماء» فى الفوز بجائزة البوكر العربية، بعد ان نجح فى تهريبها داخل سجون الاحتلال، وقبته الحديدية، ليؤكد أن صوت الحق يحطم الأسوار.. «الأخبار» تكشف فى السطور القادمة عن الأساليب التى يتبعها الاسرى فى تهريب ابداعاتهم، أو ما يعرف بأدب السجون. «رواية كان أثرها أقوى، وأسرع من الطلقات، استطاعت أن تخترق تحصينات الاحتلال وتبلغ عنان السماء» بهذه الكلمات بدأ الكاتب الفلسطينى وليد الهودلى حديثه بعد فوز الأديب باسم خندقجى بجائزة البوكر لهذا العام. اقرأ أيضًا| بعد دعوات ذبح الأضاحي خارج مصر| الإفتاء تحذر من عمليات نصب.. وكريمة: تعطيل للشعائر وأضاف: القبة الحديدية خيمت تحتها دولة الاحتلال من أجل تشكيل حماية من أى اختراق جوى أو صاروخى أو طائرات، و لكن هذه المرة أتاها الاختراق من داخل السجون ووصل إلى العالم كله، لم يكن صاروخا ولا طائرة بل أشد وأذكى، رواية نجحت فى ضرب السردية الإسرائلية فى مقتلها. وتابع وليد: لقد استطاع باسم أن يهرب أوراقه ويضرب الرقابة الأمنية المشددة داخل زنزانته بعيدا عن كل العيون المتربصة، بعد أن ظل لشهور عاكفا على كتابتها حتى انتهى منها. ويستكمل: بعدما انتهى باسم من كتابتها «كبسل» ما كتبه و»الكبسلة» واحدة من الطرق المعروفة فى تهريب الروايات من داخل السجون، ومعناها تحويل ما يتم كتابته إلى كتابة صغيرة على ورق شفاف يطوى ويتم «تسييح» البلاستيك عليه ليتحول إلى كبسولة يغامر بها مفرج عنه او أحد الأقارب فيبلعها، ثم يتم فتحها بعد ذلك تحت الضوء وتحرر الرواية لتخرج إلى النور. وبحماس شديد يؤكد وليد الهودلى أن فوز باسم بالجائزة لا يقتصر على هذا المعنى فقط، بل هناك معنى أكبر وأعم وأشمل، يتمثل فى انتصار فلسطينى ساحق وإصابة الاحتلال فى مقتل، فهذه الرواية وما خرج قبلها من (أدب السجون)، تعتبر شكلا من أشكال المقاومة، وبمثابة رسالة للعالم بأكمله بأن النصر قريب والانتصار قادم وهذا أمر يقوى من عزائم الصمود ويمدنا بالروح، كما تصدر خطابا ناجحا مبدعا للإنسانية التى من شأنها أن تؤثر فى الثقافة، ومن ثم تحريك الرأى العام العالمى للتضامن مع القضية الفلسطينية. ثورة وطن «ما ينجزه الروائى فى شهر واحد، يحتاج إلى عام وأكثر من الأسير داخل سجون الاحتلال ليفرغ كتاباته» يؤكد الكاتب والروائى الفلسطينى عبد الناصر فروانة فى حديثه «للأخبار» قائلا: التوقيت الذى فاز به ابن وطنى الغالى باسم خندجقى يمثل رسالة قوية وواضحة للعالم بأكمله مختصرها أننا «سنفعلها وننتصر». وأضاف: على الرغم من الظروف القاسية والمضايقات المريرة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلى فإن الأسرى نجحوا بإصرارهم ونضالهم وتضحياتهم فى تحويل السجون من محنة إلى منحة ومن مدافن للرجال والطاقات إلى قلاع ثورية مشرقة، فالعديد من الأسرى حولوا السجون إلى أماكن للتعلم والتثقيف الذاتى والجماعى الذى خرجت منه أجيال متعاقبة من المثقفين والمبدعين والأدباء، بعد أن شكلت السجون بداخلنا رافدا مهما واساسيا للثورة وبناء الوطن. ويستكمل حديثه ليقول إن قوات الاحتلال حتى هذه اللحظة تقف مكتوفة الأيدى لا تعرف كيف يتم تهريب الروايات والكتب خارج أسوارها الحديدية رغم الرقابة الأمنية المشددة. وأوضح: «الكبسولة» واحدة من بعض الطرق القليلة التى تم الإفصاح عنها أما باقى الطرق فهى تعد سلاح الأسير السرى الذى يتم يتواصل من خلاله مع العالم الخارجى. وتابع: فوز باسم خندخقى يعنى لنا الكثير ليس مجرد فوز عادي، فهو شكل من أشكال النضال والانتصار رغم ما نمر به من ظروف قاسية وتحديات صعبة داخل سجون الاحتلال أو خارجها، بل رسالة قوية للعالم أننا مستمرون فى مقاومتنا وفى حربنا ضد هذا الكيان المحتل وما هذه الجائزة إلا شكل من أشكال انتصار للفكر وللعقل الفلسطينى ضد قوات الاحتلال. ويؤكد فروانة أن هذا الفوز بالبوكر أثار تفاعلا كبيرا فى العالم، ليدفع بقضية الاسرى إلى الواجهة ويسلط عليها الضوء مجددا، وليظهر الوجه الآخر للأسير الفلسطينى من إرادة وإصرار وتحد على مواصلة الحياه وتوصيل صوته ورسالته إلى العلم الخارجى ليس كشخصه ولكن بصورة فلسطين، وللتأكيد على أن السجن لن يقيد سوى الجسد فقط ولكن العقل والفكر يبقى حرا، وكل إنجاز فى هذا السياق يثير غضب الإسرائيليين لذلك تجدهم يلاحقون الأدباء والمثقفين ويصادرون المادة المكتوبة كلما وجدوها فى كل تفتيش للغرف والأقسام. ويضيف أن المسيرة مستمرة، فهناك نماذج كثيرة مثل باسم ممن سبقوه فى التجربة وشكلوا نماذج يحتذى بها وحفروا أسماءهم ضمن المسيرة الثقافية وشكلوا أساسا نتفاخر به كأسرى بشكل خاص وكفلسطينيين بشكل عام. قلم حر يوافقه الرأى د. شفيق التلولى الروائى الفلسطينى قائلا: الاحتلال على إلى سياسة التصفية الممنهجة لكل الأقلام المبدعة التى حملت ووثقت السردية الفلسطينية بهدف طمس الهوية والذات والوجود عن طريق ضرب الرواية منذ اغتصاب فلسطين وأعمال النكبة لمحاولة إحلال ما يسمى بالرواية الصهيونية وخلق ثقافة بديلة عن ثقافة الشعب الفلسطينى وحضارته. وأضاف: هذا ما تجلى فى استهداف الكتّاب والمبدعين من قبل الاحتلال إما بالقتل عبر الاغتيالات التى نفذت بحق كبار الكتّاب والفنانين الفلسطينيين الذين قدموا أعمالا تقاوم وتكشف زيف الرواية الصهيونية الذين ثبتوا الذاكرة الفلسطينية وحرضوا على الثورة والنضال مثل غسان كنفانى ملهم الاجيال للوعى والثورة عبر كتاباتهم ماجد شرارة، كمال ناصر، ناجى العلى وغيرهم من المبدعين الذين فرض عليهم سياسة النفى او الإقامة الجبرية أو السجن. وأوضح: الثقافة الفلسطينية زخرت بأسماء لمعت فى فضاء أدب المقاومة ليصبح أدب السجون رائدا أصيلا من روافد المقاومة وليشكل علامة فارقة فى منظومة الفعل الإبداعى وحاملا للقضية الفلسطينية، ليتنبه الاحتلال لخطورة الكلمة ومهمتها بإعتبارها من مفاعيل الثورة ورسالتها، مشيرا إلى أن السجن لم يكن أبدا مكانا لكسر إرادة الأسير الفلسطينى بأى شكل من الأشكال، فلك ان تتخيله وهو يحمل بين الجدران قلما ويكتب عن وطن حر فى مخيلته متجاوزا جدران الزنزانة وكل ممارسات القمع والتنكيل ليصر على دوره فى حفظ الكلمة عبر جلب الكتب من الخارج بأشكال عدة وكتابة الادبيات الوطنية منهم من كتب على ورق الزبدة وعلب السجائر وعلى الجدران وهربوا من وإلى السجن مسودات أعمالهم الأدبية والفنية ليكسروا كل الحواجز والجدران وليتحول السجن إلى مدرسة ثورية ومنهل للتعلم والإبداع. وتابع: الكثير من الادباء الذين تفتقت موهبتهم الادبية بداخله كالأسير وليد الدقة الذى لم يكن مجرد كاتب بل مفكرا وباعثا للوعى وقدم رؤية مغايرة لعلاقة السجن بالسجين واستطاع ان يهرب اعماله الادبية والفكرية كغيره من الاسرى الذين عوقبوا على إبداعهم الادبى بالعزل فى حبس انفرادى، ما حدث مع وليد الدقة الذى فازت روايته حكاية سر الزيت بعدة جوائز وأخيرا رواية باسم خندقجى التى فازت بجائزة البوكر وعوقب أيضا بالعزل الانفرادى بسبب خروج روايته للنور.