وآخرون ينادون بتنحية تلك المعايير(الظالمة)جانبا والتى وضعت خصيصا لتأصيل التبعية الأجنبية،وتستلزم النزعة الوطنية عندما تخرج «أينشتاين» عام 1900 فى جامعة «زيوريخ» «صاحبة العراقة السويسرية والصفوة العالمية» لم يدر بخلده أن جامعته-بعد هذه العقود الطويلة-سترفع راية العصيان أمام «التصنيفات العالمية» وتعلن انسحابها الفورى منها لاسيما الإنجليزية «التايمز» ،كما أنها تفكر مليا فى الخروج من أشهرها التى تمنح التراتيبية للعوالم الأكاديمية طبقا لمؤشرات وتقييمات أصبحت فى قفص الاتهام على أنها تدور حول «الكم» و العدد «دون» «الكيف» و«الجودة»، وتسعى إلى تساوى التخصصات الجامعية «الكل فى واحد» وكذلك إغفال نقاط القوة وعدم إبراز التنوع.وقد سبقتها جامعات النخبة من هولندا «أوتريخت» ومن الصين «رنمين» ومن الهند«الأكاديميات التكنولوجية». تحولت»شئون»الجامعات إلى «شجون».. وعاد بطل مسرحية»لطفى الخولي» «القضية» مستصرخا «نفتح الشباك أم نقفله؟!»..أتبحث جامعاتنا عن موقع لها تحت الشمس بين قرنائها أم لا؟..أتحصل على ترتيب «متقدم-متأخر» أم لا؟فى تلك القوائم «المعلبة-المجهزة» التى تعدها ئظم التصنيف ومن بينها «شنغهاي»-الذى يحتفل بمرور 20 عاما على إنشائه-فهو الأقدم والأفضل والأكثر رصانة حتى الآن. ومن لحظتها تلبست الجامعات بهاجس «التصنيف» و«الجودة» و«الاعتماد»على أنواعه: مؤسسى -أكاديمي-برامجي.وتنخلع القلوب إن تراجع تصنيفها،وتتهلل الوجوه عندما تكون ضمن الخمسمائة «الأوائل» وليس «العشرة»أو«المائة» أو حتى «المائتين»!!.. هل فشل منهج «سلعنة»العلم والتعليم؟وعادا معا إلى مربع الهدف الجليل،وأنهما مازالا»رسالة»رفيعة القيمة وليسا بضاعة فى سوق «عكاظ»..أرقام..بيانات..معلومات..ملفات..مستندات..أو كما يقال بين الأروقة وخلف الجدران«تستيف أوراق»!!..مما تسبب فى ضياع الوقت والجهد والمال فى فحصها وتمحيصها وتطبيقها فور إعداد مايسمى «الدراسة الذاتية» للكيان الأكاديمى أو المؤسسة الجامعية. لقد راود اعتلاء «سدة التصنيف» أحلامنا جميعا إلا أن السماء قد تلبدت بغيوم تلك المقاطعة العالمية التى انطلق سهم قوسها صوب ساحة «الدومينو» وراحت القوالب تتلاحق وستأخذ فى طريقها حتما جامعات المستوى الثانى والثالث. ربما يعكس هذا الأمر إحدى جولات الصراع بين الشرق والغرب «الجامعات الروسية محجوبة» أو شوطا فى لعبة السيطرة والهيمنة والاحتواء «طبقا لنظرية «كنان» أكاديميا،وأيضا التحيزات السياسية وتدخلات الحكومات ومجتمع الأعمال،مما يدفع المرء لتفكيك «الإشكاليات» التى شابت «قيم» التصنيف فى صناعة السمعة العلمية وتشكيل الهالة الأكاديمية وإظهار البصمة الجامعية وبناء قوة التأثير. إنه حديث مبكر عن»خريف التصنيف»وبداية نهاية حقبة من الاجتهاد والإجهاد الأكاديمي،فبين أفول نظام وميلاد آخر سنوات صعبة.لقد ارتفع منسوب طموحاتنا إلى عنان السماء حتى لامس «هارفارد» و«أكسفورد» و«السربون» فى عروش تصنيفاتها.تلك جامعات نالت الرقى العالمى واحتلت ومازالت واجهة الصفوف وصنعت مجدا تليدا وتاريخا مديدا.. فقط ننظر إليها دون الاقتراب «أوحتى التصوير»..فقد باعدت بيننا وبينها الشقة «بعد المشرقين». هناك من يرى أنه «ضجيج بلاطحين»،فلنستمر«كما كنا» دون قلق على مستقبل التصنيف الجامعي. وآخرون ينادون بتنحية تلك المعايير«الظالمة» جانبا والتى وضعت خصيصا لتأصيل التبعية الأجنبية،وتستلزم النزعة الوطنية صياغة «مؤشرات محلية». وفى هذا السياق، تتطلع الجامعات دائما لامتلاك أدوات العصر واستبصار مدركاته وارتياد فضاءاته الواسعة فى التنافس والارتقاء.. ولها أيضا أن تشتبك مع الواقع بمقومات تستحوذ عليها،تنبع من الهوية الحضارية والشخصية الثقافية.إنها استهدافات غير ملموسة تستعصى على القياس ولاتلبيها معايير التصنيف الكمية السائدة،وبالتالى تفقد جامعات لها تاريخها ومكانتها الترتيب المستحق.فهل نمتطى صهوة الخيال ونجد أنفسنا مشاركين فى وضع تلك «المعايير» و «التقييمات»و «القياسات»؟مما يشكل لجامعاتنا ملاذا آمنا يحقق لها قفزات تطورية متتابعة،بدلا من الوقوف طويلا فى طابور الانتظار عما تسفر عنه شجاعة «ريوريخ» وجرأة انسحابها وإلقاؤها «القفاز» فى وجه الجميع!!. استاذ بعلوم القاهرة المستشار الثقافى السابق لمصر فى المغرب