واصل مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة أ. د. عبد الوهاب عبدالحافظ (رئيس المجمع) انعقاد جلساته تحت عنوان "اللغة العربية وتحديات العصر: تصورات، واقتراحات، وحلول"؛ حيث ناقش أعضاء المؤتمر في جلسته المغلقة أعمال لجنة الألفاظ والأساليب، والمصطلحات المقدمة من لجنتي الجيولوجيا والحاسبات. مؤتمر مجمع الخالدين للغة العربية يواصل انعقاد جلساته لليوم الرابع على التوالي وفي جلسته العلنية التي رأسها وأدارها أ.د.محمد العبد (عضو المجمع) ألقى أ.د.عائض الردادي (عضو المجمع المراسل من السعودية) بحثًا بعنوان "الواقع الحضاري وتأثيره على اللغة العربية" وهذا موجز لأهم ما ورد فيه: تناول البحث النظرة المجتمعية الانهزامية من بعض العرب أمام زحف اللغات الأخرى على لغتهم، وهوانُ اللغة في نظر فئة من المجتمع العربي ليس بالجديد الذي أعاد أسبابه العلماء القدماء إلى اعتقاد النفوس الكمال في الغالب وأعاده العلماء المعاصرون إلى الاستعمار الذي فرض لغته أو زرع تبعية ثقافية للمهيمن ثقافياً، وفي كل الأحوال هو يعود إلى هزيمة في النفوس وهي تسبق هزيمة الجيوش وتكون أكثر توغلاً منها. وقد عرض البحث بعض ما قاله السابقون وبعض دراسات المعاصرين للواقع العربي في مشرقه ومغربه، مورداً أمثلة لذلك من الواقع في اللغة العربية المنطوقة والمكتوبة التي تجلت فيها الصدمة الحضارية، ضارباً أمثلة أيضاً بت0جارب دول غير عربية في مواجهة هيمنة اللغات الأخرى. وأشار إلى أن بعض الدارسين المعاصرين نظر إلى انتشار اللغات الأجنبية في المجتمعات العربية بأنه استعمار لغوي إن كان حضوره يضر باللغة العربية على مستوى الاستعمال الشفوي والكتابي ويفقد المواطن الشعور النفسي القوي بعلاقة حميمة مع لغته العربية، موضحاً الباحث أن المرحلة الراهنة من أخطر المراحل التي تمر بها اللغة العربية في النظرة المجتمعية ؛ لما تشهده الساحة من انهزامية حضارية يستوي فيها المثقف والعامي، وبخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث طغى الهجين اللغوي الكتابي المشتهر بالعربيزي، والهجين الآخر النطقي المعروف بالعربتيني، وهو الخلط في الكلام أثناء الحديث بين العربية واللغة الأجنبية بحيث يظن صاحبه بأنه من أهل الحداثة والمعاصرة، وربما للإيحاء بأنه يتحدث لغة أجنبية، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال مقابلات المثقفين في البودكاست. وأشار الباحث إلى أن أخطر أنواع الانهزام الحضاري لغوياً تعجيم التعليم في العالم العربي أي أن تكون لغة التدريس لغة أجنبية، وتجلي الصدمة الحضارية في المؤتمرات والندوات في مخالفة ما تنص عليه الدساتير الوطنية من أن اللغة الرسمية هي العربية، ومثله الانكسار في لغة المتحدثين في المجالس أو مع فرد عربي آخر حيث يردف المتحدث الكلمة العربية بكلمة أجنبية. وتتوغل الهزيمة اللغوية إلى البيوت حين تلقن الأسر أطفالها اللغة الأجنبية وتهوّن عندهم اللغة العربية. ومما تناوله الباحث جناية ما يعرف بالمشاهير الذين يزهدون الشباب في اللغة وتقديم وسائل التواصل لهم بأنهم قدوة للأجيال، معرجاً على تعجيم التجارة بحرص التجار على البحث عن اسم أجنبي لشركاتهم ومصانعهم ومتاجرهم، مشيراً إلى انتشار اختصار الأسماء للأماكن والمنظمات والشركات بحروف أجنبية. وتطرق الباحث إلى أن هذه النظرة الدونية للغة لا تختص بالعرب بل وجدت عند كثير من المجتمعات المعاصرة لولع المغلوب بالغالب أو بالثقافة المهيمنة لكن كثيراً من الدول واجهت ذلك بالتشريعات الملزمة باستخدام اللغة الوطنية مثل كوريا وفيتنام واليابان، وعرض تجارب دول أخرى منها الاتحاد الأوربي الذي بقيت كل دولة متمسكة بلغتها حتى لو كان عدد سكانها لا يتجاوز بضعة آلاف. وفي الجانب الإيجابي قال الباحث: إن المدافعين عن العربية تصدوا لهذا التحدي اللغوي بإنشاء المجامع اللغوية وعقد مؤتمرات التعريب، وتأسيس الجمعيات في عدد من الدول العربية وإن كان بعض المثقفين قد ضعفوا أمام لغة الغالب في انهزام ثقافي في مواجهة لغة المسيطر، وأشار إلى تصدي غير المختصين في اللغة العربية لهذا التحدي ممثلاً بجهود رجل الأعمال الكويتي محمد الشارخ، ود. زياد الدريس الذي استطاع من خلال عمله في اليونسكو في تأسيس احتفالية باليوم العالمي للغة العربية منذ عام 2012م، ومثل بتغريدات لبعض الأطباء حول الموضوع. وخلص البحث إلى أن الهزيمة الحضارية في النظرة المجتمعية للغة العربية عند بعض العرب تحتاج إلى معالجة وطنية عميقة، وإلى خطة حماية للغة ترقى إلى درجة الخطر المهدد للأمن الوطني كما فعلت دول كثيرة في العالم المتقدم وغير المتقدم، وإلى أن مزاحمة اللغات الأجنبية للغة العربية أضحت على ألسنة الخاصة والعامة وأن الأمر بحاجة إلى الانتقال بالقرارات الرسمية من التنظير إلى التفعيل كما فعلت الأمم الأخرى، وقدم توصيات أهمها: تكريس ثقافة الاعتزاز والانتماء والثقة في نفوس الشعب العربي لكي تسود العربية مخاطباتهم وكتاباتهم، وأن يكون المثقفون أسوة حسنة للعامة في تحدثهم بالعربية، وإقناع الجمهور أن التفاعل الثقافي بين الأمم يكون بالحفاظ على الخصوصية اللغوية وليس بالذوبان في الآخر.