تسير أوجاع الغزيين على درب مضاعف، وتتضارب مشاعرهم بين خوف يعصف بقلوبهم من عودة الحرب مرة أخرى وفرحة الهدنة المؤقتة التي عقدتها حركة "حماس" مع إسرائيل لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد، تعددت وسائل النقل للرجوع لشمال القطاع والوجهة واحدة وهي الوصول للمنزل، حيث انطلق بعضهم مشيًا على الأقدام، وآخرون ركبوا عربات الكارو أو السيارات إن وجدت، حاملين في قلوبهم آمالًا تتقاطع مع ألم الماضي وتوقعات لمستقبل قد يبقى غامضًا ومحفوفًا بالتحديات. الأهالي يتفقدون أنقاض منازلهم وينتشلون جثامين أحبائهم بعد مرور 50 يومًا من الدمار والخراب الذي خلفه القصف الإسرائيلي الهائل على أرض غزة، انطلق السكان في رحلة عوادهم إلى بيوتهم المدمرة ليتفقدوا أنقاضها، حاملين معهم أحزان الفقد وآمال البقاء، يتجولون بين أنقاض بيوتهم، يتأملون الذكريات التي تلتصق بكل حجر وكل ركام، بعضهم ينتشل جثامين أحبائهم من تحت الركام، وآخرين يجمعون قطع الأثاث والمقتنيات الشخصية الباقية بمنازلهم، ويحملون معهم القليل مما تبقى من أمتعتهم، سواء كانت سلعًا غذائية أم ملابسًا، في لحظة يعلوها الحنين والألم. مزيج من صدمة حجم الدمار وحزن الفقدان وفرح غياب القصف فعندما نزح السكان للمرة الأولى من بيوتهم نحو جنوب القطاع، لم يكن لديهم الفرصة الكافية لجمع متعلقاتهم أو لأخذ غطاء أو حتى السلع الغذائية الجافة التي اعتادوا عليها في منازلهم، وكانوا يجدون أنفسهم بدون ملابس كافية وبطاطين ليتحملوا برودة الشتاء القارس وكذلك لم يكن لديهم مواد غذائية كافية يأكلونها هم وأطفالهم الصغار بسبب نقص الإمدادات التي تذهب لمراكز الإيواء نتيجة الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع في السابع من أكتوبر الماضي، فكان من ضمن مخططهم للعودة لمنازلهم في الشمال بعد سريان الهدنة أن يأخذوا بعض أمتعتهم لحين يحتاجون إليها مرة أخرى. وبعد مرور يوم واحد من بداية الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ أمس الجمعة في الصباح الباكر، عاد السكان لغزة وهم بين مزيج من الصدمة الناتجة عن حجم الدمار الذي شهدته مدنهم، والحزن العميق على فقدان الأرواح والفرح الناجم عن غياب القصف، حتى ولو كان هذا الغياب لفترة قصيرة. كيف كان طريق العودة لشمال القطاع؟ أما وفيما يتعلق بطريق العودة، فإنه لم يكن أفضل من حالة النزوح جنوبًا أبدًا، فعندما غادر السكان منازلهم في الأسابيع الأخيرة، تعرض الكثيرون منهم للقصف والتحقيق والاعتقال، وعندما قرر البعض العودة بعد إقرار الهدنة، واجهوا إطلاق النار بين مفترق الطرقات من قِبل جيش الاحتلال إذ لا تزال المعدات العسكرية الإسرائيلية متمركزة في مناطق توغلها، وسط مشهد يظهر فيه حجم الدمار الواسع الدال على غشم الغارات الإسرائيلية، حيث باتت رائحة الموت تلوح في أرجاء غزة حال توقف إطلاق النار. وعلى الجانب الآخر، استمرت معاناة مئات الآلاف من الغزيين الذين بقوا في شمال القطاع، سواء كانوا قد قرروا عدم مغادرة منازلهم أو نزحوا إلى مدارس أو بيوت قريبة من منازلهم، ويقف اليوم أيضًا هؤلاء السكان بين أنقاض منازلهم المتبقية، يتفقدون آثار الدمار والخراب الذي حل بديارهم. الهدنة المؤقتة.. نافذة للأمل في عودة السلام إلى حياة الغزيين فالدمار الذي خلفته الحرب غيّر ملامح أحيائهم، لكن مع تأثير الهدنة المؤقتة، يتسلل إلى قلوب الغزيين قليلاً من الأمل، راجين أن يتوقف إطلاق النار وخسائرهم ومعاناتهم، وكأن هذه الهدنة المؤقتة أصبحت نافذة صغيرة للأمل في عودة السلام والاستقرار إلى حياتهم المضطربة.