في عام 61 هجريًا وصل أول فوج من آل البيت.. السيدة زينب بصُحبة أبناء شقيقها الحسين، وتم استقبالها بحفاوةٍ كبيرة ما جعلها تدعو لمصر.. منذ أكثر من عشر سنوات ونحن نسير فى مسار الاستقرار بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، بعد محاولاتٍ مستميتة للحلول السلمية التى لجأت إليها الدولة للسلامة والأمان لمن خارج معسكر رابعة وداخله، لكن كان هناك مَنْ لا يُريد الحلول السلمية، ويحتمى بالمتعاطفين والمخدوعين. ساعة الصفر كانت جاهزة قُبيل صباح يوم 14 أغسطس 2013، ولكن تم تأجيلها من أجل سلامة الجميع، وذلك بإيجاد ممر آمن، مَنْ سار فيه يرجع من حيث أتى، وبعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، بدأت خطوات بناء الجمهورية الجديدة التى تستحقها مصر، بعد شهور من الفوضى، وخلال العام الأول تم تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية، قال الشعب فيها كلمته بوضوحٍ، تلاها خطوات استكمال خارطة الطريق من خلال برلمان سنَّ مئات القوانين لتنظيم العمل بالجمهورية الجديدة. سنوات صعبة وبفضل الله تم عبورها بأقل الخسائر، بعدما وجَّه لنا أهل الشر العمليات الإرهابية من أجل زعزعة الاستقرار الذى نُريده، وقد تم دحر كل مُخططات جماعة الشر.. تفاصيل المواجهة بين الخير والشر، الغلبة دائمًا لمَنْ يحمل قلبه الخير، نعم تجاوزنا مرحلة الإرهاب، كانت الشائعات المُدمِّرة، ارتبطت بخطوات البناء، تم تجاوزها بفضل وعى الشعب الذى يعى من يعمل لصالحة ومن يُريد تدميره. ورغم الظروف الاقتصادية التى يئن منها سكان الكون، ونحن من بينهم بالطبع لكن حالنا أفضل، مَنحت لنا السماء مزايا عديدة؛ نيلًا عذبًا، أراضى خِصبة، مساحات واسعة؛ لإعمارها بالمشروعات والمصانع، وخلال 10 سنوات كانت مرحلة البناء فى شتَّى المناحى، طرق وكبارى، مصانع، زراعة آلاف المساحات.. حتى جائحة كورونا لم نشعر بآثارها المُدمِّرة التى قضت على كيانات كُبرى ميزانيتها تُعادل ميزانية دول، تجاوزنا الأزمة لامتلاكنا لغذائنا، فبعد دعم الدولة لم نشعر بالضرر الكبير الذى أصاب دولًا مجاورة لنا، رغم نُدرة السياحة التى كانت قبل الجائحة فى مرحلة التعافى. كما تأثَّر العالم أجمع من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وكنا من بين المُتأثِّرين أيضًا، ومع ذلك لا نُريد أن ننظر للخلف، بل علينا السير فى نفس الاتجاه؛ طريق البناء والإعمار، نعم المواطن يُعانى، ولكن مَنْ يُريد الشفاء من آلامه يتحمَّل الآثار الجانبية للدواء الشافى. آل البيت ومصر كانت مُضايقات «يزيد بن معاوية» سببًا فى أن تكون مصر حاضنةً لآل البيت، فبعد استشهاد الحسين بن على فى كربلاء، سِيق مَنْ بقى حيًا من أهله لدمشق لمُقابلة حاكم بنى أمية؛ فى مقدمتهم شقيقته زنيب وأبناؤه على زين العابدين وفاطمة، عَرض «يزيد» عليهم أن يختاروا مكانًا للإقامة فيه، فاختارت زنيب المدينة، ووجودهم هناك كان سيتسبَّب فى فتنةٍ؛ فأهل المدينة كانوا يسبُّون بنى أمية على ما فعلوا مع الحسين، وعَلم «اليزيد»؛ فطلب من والى المدينة أن تختار شقيقة الحسين منفى لها، والذى عَرض الأمر على السيدة زنيب، وبعد صمتٍ قالت: أشد الرحال إلى مصر. فى عام 61 هجريًا وصل أول فوج من آل البيت.. السيدة زنيب بصُحبة أبناء شقيقها الحسين، وتم استقبالها بحفاوةٍ كبيرة ما جعلها تدعو لمصر؛ قائلةً: «نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله»، ومنحها والى مصر قصرًا لتُقيم فيه، ولكنها اكتفت بغرفة واحدة، فارتبط سكان البلاد بها، وكانت أبواب قصرها مفتوحةً لكل مَنْ جاءت عليه الدنيا، تمنح الأمل، وتدعو بالشفاء، وقد نالت ألقابًا عديدة؛ من بينها «نصيرة الضعفاء، أم العواجز، رئيسة الديوان»، ولقب الطاهرة أطلقه عليها زوجها عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، الذى استحى من النطق باسمها أمام رسول الله؛ فقال له جئت طالبًا يد ستنا الطاهرة. لم تزد فترة حياة السيدة زنيب بمصر طويلًا، كما لم يُدوِّن المؤرخون تاريخ وفاتها، أما فاطمة النبوية التى تعلَّق سكان البلاد بها واشتهرت بلقب راعية الأيتام، فاستقرت فى منزلها بالدرب الأحمر، الذى تحوَّل فيما بعد لمسجدها الحالى، وقال عنها والدها الحسين بن على: «هى أقرب نساء بيت النبى إلى والدته فاطمة الزهراء» . أما على زين العابدين؛ فهو الوحيد من أبناء الحسين الذى بقى حيًا بعد كربلاء، حيث لم يُشارك لمرضه رغم وجوده فى ساحة المعركة، وقد استشهد أخوه الأكبر «على»، وله حكاية تُعدُّ من أغرب القصص.. فى عهد «عمر بن الخطاب» فُتحت فارس وكان من بين الأسرى بنات الملك كسرى، وقد بِيع كل سبايا الحرب طبقًا للأعراف التى كانت سائدةً فى ذلك الوقت، ولم يتبق من الأسيرات سوى بنات الملك كسرى، وقد أودع سيدنا عمر أموال سبايا الحرب ببيت مال المسلمين. طلب ابن الخطاب من بنات كسرى كشف حجابهن تمهيدًا لبيعهن، فرفضن، فقال على بن طالب يا أمير المومنين إن بنات الملوك لا يُعاملن مثل غيرهن، واقترح المغالاة فى سعرهن، ثم تزويجهن لشباب المسلمين، وتختار كل واحدة عريسها. الابنة الكبرى اختارت عبدالله بن عمر، والثانية اختارت محمد بن أبى بكر الصديق، وأصغرهن نظرت لكل شباب المدينة وغضَّت بصرها، ثم سارت بينهم حتى وضعت يدها على رأس الحسين بن على الذى تزوَّج من «شاه زنان»، ومعنى الاسم بالفارسية «ملكة النساء». ويوم زواجه أخبره والده على بن أبى طالب بأنها ستلد له خير رجال الأرض؛ وهو على زين العابدين بن الحسين، الذى وُلد فى عهد خلافته، وماتت أمه دون أن يراها وتولت تربيته خادمة أمه، وشارك مع والده فى موقعة كربلاء، وكان عمرو بن زياد يرغب فى قتله؛ منعه فقط بكاء عمته زينب. وبعد أسره دخل على «يزيد بن معاوية» وكان المُؤذن ينطق بالأذان، فكان يُكرِّر الأذان و«يزيد بن معاوية» يفعل مثله، وعندما قال المؤذن أشهد أن محمدًا رسول الله، نظر إلى «يزيد» وقال: أتعرف من محمد رسول الله؟ فرد «يزيد» بسرعة: هو جدك، فقال له إن كنت تعرف أنه جدى فكيف تقتل أحفاده؟ فاصفر لون وجه يزيد بن معاوية، وكان تقيًا، كثير البكاء والصلاة، كان يشترى الرقيق ويعتقه، يُحضره ويقول له أتعرف قبر رسول الله؟ يقول «نعم»، فيقول له: اذهب وتوضأ وصلِّ ركعتين، وقل اللهم اغفر ل»على بن الحسين»، إن فعلت ذلك فأنت حر طليق. توالى حضور آل البيت لمصر بعد الروايات عن حُسن الحياة فيها ودماثة أخلاق سكانها، ففى منتصف القرن الثانى الهجرى جاءت السيدة عائشة، وبعدها بنصف قرن وصلت نفيسة العِلم، حفيدة الحسن بن على، فتعلَّق بها سكان البلاد، بعد أن ضاقت من الأمر الذى صرفها عن العبادة، وعَلم والى مصر ومنحها دارًا واسعة وخصَّص يومين لزيارات المُحبين، وكان الإمام الشافعى كثير الزيارة لها، وأوصى أن تكون بين المصلين عليه، ونفَّذت وصيته. محبة آل البيت كانت سببًا لقيام حاكم الفاطميين بنقل رأس الحسين من عسقلان للقاهرة، والذى أسعد سكان البلاد، بعد خمسة قرون من استشهاده، وأمر الحاكم بأن تُوضع فى سردابٍ بقصره لحين بناء المسجد. نعمة الأمن والأمان، ومحبة سكان البلاد لآل بيت النبى، كانتا سببًا فى وصول عددٍ كبير منهم لمصر، فتحت ثرى مصر دُفن أربعون، بينهم السيدة سكينة، والسيدة رقية، وعلى الجعفرى، وفى حى الجمالية شارع عامرٌ بالأشراف آل البيت، وتحوَّلت مساجدهم لمزارات سياحية بعد تطويرها من قبل الدولة، نقوش أحجارها تكشف عظمة المهندس المصرى فى العمارة الإسلامية. الدراما وقضايا الجنوب غُصة تسكن قلوب أبناء الجنوب بسبب ما تم عرضه، خلال السنوات الماضية، فى الأعمال الدرامية التى لم تُقدِّم صورة مخزن الأصالة والعادات والتقاليد بالصورة التى يجب أن تُرى من قِبل المُشاهد أينما كان، فالنماذج التى تم تقديمها لا صلة لها بالواقع الفعلى الذى يعيشه الجنوب اليوم أو عاشه بالأمس القريب أو البعيد. اليوم- بفضل الله وجُهد المُصلحين، جرائم الثأر اختفت بنسبة كبيرة جدًا فى معظم محافظات الصعيد؛ لوجود العقول التى أنارتها علوم الدين والدنيا، فصار لديهم وعىٌّ بأن البناء يحتاج وقتًا طويلًا للقيام به، والهدم لا يستغرق ثوانى قليلة، بالإضافة لقوة القانون وسيطرة الأجهزة الأمنية التى باتت على درايةٍ تامة بالمشاكل وتتحرَّك قبل اندلاعها، وجهود لجان المصالحات التى تعمل تحت راية الدولة، فتكلَّل الجهد بإنهاء خصومات ثأرية بعضها كان منذ ربع قرن. قلوب أبناء الجنوب محفورٌ داخلها مزايا الجمال ومُتعة الحياة التى تُحيط بهم، يرون أن ما قدَّمته الدراما غير موجودٍ بالواقع، وأن المجتمع الصعيدي أبسط وأجمل من الصورة التى قدَّمتها الأعمال الدرامية، وللأسف لم تُظهر الدراما المشروعات الكبرى، وحركة البناء والعُمران التى تشهدها المحافظات، خلال السنوات العشر الأخيرة. هناك أُمنيات بإظهار المشاكل الفعلية التى يُعانى منها المجتمع الجنوبى، وهناك مشاكل فعلية مطلوبٌ إيجاد حلول لها؛ مثل قضية توريث الإناث، التى للأسف ما زالت قائمةً بصورةٍ واضحة فى عددٍ كبير من قرى مصر جنوبًا وشمالًا، ولا بد من إظهار جمال الحياة، وقصص الكفاح التى غيَّرت لون الصحراء وجعلتها تخضر بالزراعات المطلوبة،. منذ سنوات عَرضت الدراما «شيخ العرب همَّام»،الذى أبهج أبناء الصعيد من الجنوب للشمال، وعندما قدَّم نور الشريف «الرحايا»، كان ذلك من واقع الحياة، حتى الشخصيات غير السَّوية بالعمل موجودة فعليًا، لا نقول إن جنة الرحمن موجودة بالصعيد، ولكن نُريد أعمالًا تُغيِّر من سلوكنا.