دينا توفيق معارك وصراع دائر بلا هوادة من أجل الهيمنة والسيطرة على العالم.. نيران الحرب الباردة تشتعل وتتصاعد ولن تخمد حتى تحقق الولاياتالمتحدة أهدافها.. لن تسمح واشنطن بتعددية الأقطاب ولا لأى قوى منافستها - روسياوالصين - على القيادة والزعامة العالمية، لن تترك أى فرصة للحفاظ على هيمنتها على الدول الأخرى، خاصة التى تتصارع معها وبسط سيطرتها عليها، وإن لم تبق فى الصدارة، ستهدم المعبد على من فيه.. أزمات صنيعة أمريكية؛ فقر ونقص بالطاقة وهندسة الغذاء، تعصف بالكوكب والبشرية لضمان استمرار هيمنة الولاياتالمتحدة. الحرب فى أوكرانيا هى تجارة جيوسياسية وصراع على الطاقة. يتعلق الأمر إلى حد كبير بانخراط الولاياتالمتحدة فى حرب بالوكالة ضد روسيا وأوروبا من خلال خلق تباعد بينهما ومن ثم فصل أوروبا عن روسيا مع فرض عقوبات على الأخيرة لإلحاق الضرر بالقارة العجوز وجعلها أكثر اعتمادًا على واشنطن. أدت السياسات النيوليبرالية منذ الثمانينيات إلى إفراغ الاقتصاد الأمريكى. ومع ضعف قاعدتها الإنتاجية بشدة، فإن السبيل الوحيد أمام واشنطن للحفاظ على هيمنتها هو تقويض الصينوروسيا وإضعاف أوروبا. يرى أستاذ الاقتصاد الأمريكى امايكل هدسونب أنه منذ عام مضى، حاول الرئيس الأمريكى اجو بايدنب منع خطط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 وجميع التعاملات للطاقة الروسية حتى تتمكن بلاده من احتكارها. وعلى الرغم من االأجندة الخضراءب التى يتم دفعها حاليًا، لا تزال الولاياتالمتحدة تعتمد على الطاقة القائمة على الوقود الأحفورى لإبراز قوتها فى الخارج. حتى مع ابتعاد روسياوالصين عن الدولار، تظل السيطرة على النفط والغاز وتسعيرهما والديون الناتجة بالدولار مفتاحًا لمحاولات الولاياتالمتحدة للاحتفاظ بالهيمنة. أدرك صانعو السياسة الأمريكية أن أوروبا ستدمر بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وأن البلدان المستوردة للغذاء، ستعانى بسبب ارتفاع التكاليف. ليست هذه هى المرة الأولى التى تقوم فيها الولاياتالمتحدة بهندسة أزمة كبيرة للحفاظ على الهيمنة العالمية وارتفاع أسعار السلع الأساسية والديون التى تحاصر البلدان. اليوم، تشن واشنطن مرة أخرى حربًا على قطاعات شاسعة من البشر، تهدف إفقارهم وضمان بقائهم معتمدين عليها والمؤسسات المالية الدولية التى تستخدمها لخلق التبعية والمديونية. كما يشير هدسون إلى أن أسعار الطاقة آخذة فى الازدياد، مما يعود بالنفع على شركات النفط الأمريكية وميزان المدفوعات الأمريكى. وبمعاقبة روسيا، ستتقلص صادراتها من القمح والغاز المستخدم فى إنتاج الأسمدة وبالتالى زيادة أسعار السلع الزراعية، ما سيفيد الولاياتالمتحدة كمصدر زراعى. قد تثبت أزمة الطاقة التى أثارتها الحرب فى أوكرانيا أنها مدمرة اقتصاديًا لكلٍ من روسيا والاتحاد الأوروبى بحيث يمكن أن تقلل فى النهاية كلاً من القوى العظمى على المسرح العالمى. بعد أن تنجح خطط واشنطن فى عزل موسكو وتحجيم أوروبا وعودتها مرة أخرى لاتباعها دون أى تردد. وبالتخريب الذى وقع الأسبوع الماضى فى خطى أنابيب غاز نورد ستريم بين روسيا وأوروبا الذى كان السبب الأكثر ترجيحًا للتسريبات، كما وصفته رئيسة المفوضية الأوروبية اأورسولا فون دير لاينب، بعد أن أبلغ علماء الزلازل عن انفجارات حول خطوط الغاز، التى أدت إلى خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات فى البنية التحتية الحيوية لتمويل الاقتصاد الروسى، وتزويد وتدفئة الاقتصاد الألمانى والأوروبى. وقالت رئيسة الوزراء الدنماركية اميت فريدريكسنب إن الانفجارات كانت نتيجة اعمل متعمدب من قبل أطراف مجهولة.. ما أثار التساؤلات حول من المستفيد من هذه العملية ومن لديه الدافع للقيام بذلك؟ ووفقًا لما أذاعته قناة ABC الإخبارية الأمريكية، صعدت واشنطن التهديدات الاقتصادية والعسكرية ضد الكرملين قبل الغزو الروسى لأوكرانيا، حيث دعا الرئيس الأمريكى بايدن المستشار الألمانى اأولاف شولتزب إلى واشنطن لإجراء محادثات، وخلال المؤتمر الصحفى المشترك، تعهد بايدن بتدمير خط أنابيب نورد ستريم، قائلًا اإذا غزت روسياأوكرانيا، فلن يكون هناك نورد ستريم 2، سننهى ذلكب. ووفقًا لأستاذ الاقتصاد الكندى اميشيل شوسودوفسكىب لم يكن هذا هجومًا إرهابيًا ضد روسيا، بل كان حربا أمريكية ضد الاتحاد الأوروبى. حيث يشير هذا الحدث إلى التصعيد العسكرى المتهور الجارى فى أوروبا. لقد دمر هذا التخريب أى فرصة لتقارب روسى ألمانى مدفوع بالطاقة، ودفع بولندا على الفور إلى موقع كونها واحدة من مراكز الطاقة الأكثر أهمية فى القارة، وبالتالى نقل خطط المحور الأنجلو أمريكى لتقسيم أوروبا وحكمها إلى المستوى التالى. ألقت وسائل الإعلام الأوروبية وكييف باللوم على روسيا لتدمير خطوط الغاز فى إعادة خلط لنظرية المؤامرة السابقة التى زعمت أن روسيا تقصف بانتظام محطة زابوروجيا للطاقة النووية التى تخضع أيضًا لسيطرتها، إلا أن هذه الاتهامات تتداعى بسرعة، خاصة أن موسكو يمكنها فقط إغلاق الصنبور لأسباب فنية دون المخاطرة لتخريب خطوط الأنابيب الخاصة بها فى المياه التى يسيطر عليها الناتو. حتى صحيفة انيويورك تايمزب، امتنعت عن إلقاء اللوم على موسكو فى التفجير، واعترفت بأنه ايبدو من غير المنطقى أن الكرملين سيضر بأصوله التى تقدر بمليارات الدولارات.ب ولكن بالنسبة لواشنطن، قدم الانفجار فائدتين. أولاً، فى خضم التصعيد العسكرى للناتو ضد روسيا فى أوكرانيا، سيساعد ذلك فى تأجيج المزيد من الدعاية الحربية المناهضة لروسيا. ثانيًا، من خلال جعل أوروبا أكثر اعتمادًا على واردات الولاياتالمتحدة من الغاز الطبيعى لتحل محل الغاز الروسى، فإنها تتوافق مع هدف أمريكى رئيسى فى حرب أوكرانيا منذ البداية، بوضع أوروبا تحت سيطرة الولاياتالمتحدة بقوة أكبر. وفقًا للكاتبين الأمريكيين األيكس لانتييرب وبيوهانس ستيرب كان الانفجار بمثابة إشارة أرسلتها واشنطن إلى احلفائهاب فى الاتحاد الأوروبى: انعم، يمكنك إعادة التسلح، ولكن سيتم تحديد سياستك للطاقة والسياسة العسكرية وفقًا لشروطناب. وتزامنًا مع تخريب خط نورد ستريم، افتتحت بولندا خط أنابيب جديداً سينقل الغاز من النرويج عبر الدنمارك وبحر البلطيق، وفقًا لموقع ايورونيوزب. كان لبولندا عداء طويل الأمد تجاه نورد ستريم، حيث أعلن المسئولون البولنديون أن المشروع سيستخدم من قبل الكرملين كسلاح جيوسياسى، ويزيد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسى ويهدد أمن الطاقة فى النصف الشرقى من القارة، ما يزيد من التعامل بين واشنطنووارسو؛ نظرًا لموقع وارسو المهم ودورها فى ضمان تسليم الإمدادات العسكرية للولايات المتحدة والناتو إلى أوكرانيا، فإن البولنديين لديهم بعض النفوذ لدفع واشنطن لإخراج خطوط الأنابيب أو لمساعدتها فى تحقيق ذلك. كانت رسالة بولندا إلى الولاياتالمتحدة بسيطة - مسار عكسى على نورد ستريم وتمزيق خطوط الأنابيب أو يمكنك إيجاد طريقة أخرى لنقل الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا. مع هذا الإمداد الجديد من الغاز الطبيعى الخاضع للسيطرة البولندية، فإن ألمانيا فى وضع صعب؛ اشترِ من بولندا أو اشترِ من الولاياتالمتحدة، سيدفع الألمان فى كلتا الحالتين. تعمل الولاياتالمتحدة على إنشاء نظام عالمى جديد وتحتاج إلى ضمان بقاء جزء كبير من الكرة الأرضية فى مدار نفوذها بدلاً من أن ينتهى بها المطاف فى المعسكر الروسى والصينى ومبادرة طريق الحزام لتحقيق الازدهار الاقتصادي. أقرأ أيضأ : مسئول صيني: «الحرب الباردة» لا تزال أكبر تهديد للاستقرار في العالم