دينا توفيق مع إعلان أسماء الفائزين بجائزة نوبل لتحقيقهم انجازاً علمياً ضخماً للبشرية جمعاء.. ومع التطور التكنولوجى السريع والثورة التقنية التى نشهدها منذ عقود، والذكاء الاصطناعى الذى سيكون قادراً على تجاوز البشر قريبًا، إن لم يكن قد تجاوزهم بالفعل؛ لما صنعه فى حاضرنا ولمستقبلنا، وطفراته التى يمكن أن تغيّر وجه الحياة إلى الأبد.. ماذا لو فاز الذكاء الاصطناعى بجائزة نوبل وشارك البشر فيها أو أزاحهم من الساحة نهائيًا.. هل يمكن أن يحصد الجوائز كبديل للعنصر البشرى، كما هو الوضع فى مجالات عدة؟ فى القرن السابع عشر، قدم عالم الفيزياء اإسحاق نيوتنب المشكلة المعقدة المسماة االأجسام الثلاثة، كيف تدور ثلاثة أجسام حول بعضها البعض تحت تأثير جاذبيتها؟ ولقرون، ظلت هذه المشكلة دون حل حتى عامين مضيا، عندما حلها الذكاء الاصطناعي؛ تلك التقنية التى تعمل على جعل كل ما يحيط بنا يحاكى القدرات الذهنية البشرية وأنماط عمله؛ ومن أهم خصائصها القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج فى الآلة من قبل. ويعود تاريخ الذكاء الاصطناعى إلى نصف قرن من الزمان وله تاريخ مليء بالازدهار والانهيار، وفقًا لمجلة االإيكونوميستب البريطانية. ربما كانت الطفرة الأخيرة فى الثمانينيات، التى أرست الأساس لتأثير التكنولوجيا الناشئة وتطورها السريع. وسيصبح الذكاء الاصطناعى قريبًا قادرًا على العمل خارج نطاق البشر والتفوق عليهم بسبب منفعته الوحيدة التى لا يتمتع بها البشر، وهى العمل بلا هوادة. سيؤدى ذلك إلى سلسلة من التغييرات فى أساليب الحياة العامة حيث ستصبح العديد من المجالات معتمدة كليًا عليه. ويوضح العالم البريطانى اروس كينجب من معهد اآلان تورينجب بالمملكة المتحدة، وواحد من أكثر الباحثين خبرة فى مجال الذكاء الاصطناعى فى أوروبا، قائلًا إن الشيء المختلف فى طفرة اليوم هو أن بعض أكبر الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعى كتقنيتها الأساسية لبيع الإعلانات. ولطالما كان الاكتشاف العلمى أحد القوى الأساسية المحركة فى حضارتنا، لإرسائه مبادئ العالم الذى نعيش فيه، وابتكار تقنيات جديدة تعيد تشكيل مجتمعنا، وعلاج الأمراض، واستكشاف آفاق جديدة غير معروفة من قبل، نأمل أن تقودنا إلى بناء مجتمع مستدام. وعندما يتعلق الأمر بطبيعة الاكتشاف العلمي، توجد بعض الأسئلة المثيرة حول كيف يمكن أن يكون ذكاء الآلة مبدعًا بدون خصائص تشبه الإنسان مثل الضعف أو الطموح أو الدافع. وفى مواجهة مثل هذه الأسئلة، أعلن الرئيس التنفيذى لشركة اسونيب الدكتور اهيرواكى كيتانوب، عن خطة الشركة لإنشاء ذكاء اصطناعى يتمتع بقدرات مماثلة لأفضل العقول العلمية، وذلك عبر إطلاق ما يسمى ببتحدى نوبلب، لتطوير ذكاء اصطناعى متميز بما يكفى للفوز بجائزة انوبلب بحلول عام 2050. واعترف بأن تطور الذكاء الاصطناعى بما يكفى للتعامل مع الظواهر العلمية المعقدة، سيفتح المجال لاكتشاف أشياء لا يفهمها العلماء البشريون على الفور، كما يمكنه تحقيق اكتشافات علمية كبرى فى العلوم الطبية الحيوية ويستحق جائزة نوبل. يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعى تحويل الاكتشافات العلمية إلى ممارسات عالية الكفاءة. ووفقًا لأحد أشهر المستقبليين اراى كورزويلب، سيتمتع الحاسب الآلى بمستوى الذكاء نفسه الذى يتمتع به البشر بحلول عام 2029، عندما يجتاز الذكاء الاصطناعى اختبار اتورينجب أو اختبار االمحاكاةب وهو طريقة لتحديد ما إذا كان الحاسب الآلى أو برنامج قادر على إظهار الذكاء البشري. وترى مجلة افوربسب الأمريكية، أنه مهما كانت هذه التكنولوجيا رائعة، فإنها لا تأتى بدون بعض المخاوف للبشرية. وتُظهر لنا أفلام مثل اإكس ماكيناب البريطانى وبالتساميب وبهيب الأمريكيان، الجانب المظلم من الذكاء الاصطناعى الذى يصل إلى مستوى الوعى البشري. كانت هناك أيضًا بعض المخاوف من العلماء والسياسيين والتقنيين التى لا ينبغى الاستخفاف بها. سيجعل الذكاء الاصطناعى معظم الناس أفضل حالًا، لكن إنجازاته ستؤثر أيضًا على ما يعنيه أن تكون إنسانًا فى القرن الحادى والعشرين. ويتم استخدام الذكاء الاصطناعى حاليًا لفهم كيف يمكن لعلم الوراثة والبيئة ونمط حياة الإنسان أن يساعد فى تحديد أفضل نهج للوقاية من مرض أو علاجه مثل الشلل والعمى والقلق والإدمان. وعلى الجانب الآخر، ومثل كل التقنيات التى يمكن أن تستخدم سلاحًا ذا حدين، بدأت تنتشر فى السنوات الأخيرة، الكثير من التطبيقات التى يمكن أن تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعى فى فناء البشرية. فقد أدى الاستخدام الواسع النطاق للذكاء الاصطناعى من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تدمير الخصوصية وانتهاكها. ويوسع نظام الائتمان الاجتماعى فى الصين تلك المراقبة ليس فقط للعالم الرقمى ولكن لجميع جوانب الحياة، والحكم على سلوك المواطنين وفرض سيطرة صارمة على سكانهم. ومع ظهور جوازات سفر كوفيد-19، يخشى الكثير من هذه الخطوة لنشر السيطرة فى جميع أنحاء العالم الغربي. هذا بالإضافة إلى فقدان الوظائف البشرية؛ كلما أصبح الذكاء الاصطناعى أكثر تقدمًا، سيتولى الوظائف التى كان يؤديها البشر فى السابق. وقال الرئيس التنفيذى لشركة ايوداسيتيب للتحليل البيانات اجابى دالبورتوب فى تصريحاته لمجلة اتايمب الأمريكية، إن ما يقرب من 800 مليون إلى مليار شخص سيفقدون وظائفهم بسبب الذكاء الاصطناعى بحلول عام 2030 وأن جائحة كوفيد-19 قد أدت إلى تسريع هذا الاتجاه، الذى لا مفر منه، ومن المرجح أنه سيزيد من عدم المساواة ويضع السلطة فى أيدى قلة. ووفقًا لتقرير صادر عن معهد اماكينزيب العالمي، لا تحتاج الروبوتات إلى الدفع، لذا فإن أصحاب الشركات التى يقودها الذكاء الاصطناعى سيحققون كل الأرباح، مما يزيد الفجوة بين حتى الأغنياء والفقراء. وتقدم الذكاء الاصطناعى بسرعة، والمستقبل يأتى أسرع من التوقعات التى ظهرت فى فيلم اتقرير الأقليةب الذى تم إعداده عام 2054. وستكون هذه التقنية أفضل من البشر فى ترجمة اللغات بحلول عام 2024، وبيع السلع بحلول عام 2031 وإجراء العمليات الجراحية بحلول عام 2053، وجزءا لا يتجزأ من حياتنا وقد حان الوقت للاستعداد لعصر الذكاء الاصطناعى من خلال الاستثمار فى التعليم والتدريب. قد يكون النجاح فى إنشاء ذكاء اصطناعى فعّال أكبر حدث فى تاريخ حضارتنا، أو الأسوأ. لذلك لا يمكننا معرفة ما إذا كانت البشرية ستحصل على فوائد لا نهائية من قبل الذكاء الاصطناعي، أو سيتم تجاهلها أو تدميرها بواسطته. يمكن أن يهدد الذكاء الاصطناعى وجود البشرية ذاتها، وحتى إذا لم يحدث ذلك، فلا تزال هناك مشكلات كبيرة تحتاج إلى حل، ويبقى الخيار هو تطوير مهاراتنا وأن نكون جزءًا من الثورة الصناعية الرابعة حتى تظل البشرية منافسة على نوبل.