من دون مقدمات، استقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوم الأحد الماضي، وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس في مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله، في اجتماعٍ فتح المجال الحديث حول فحوى هذا اللقاء في هذا التوقيت بالتحديد، في لقاءٍ هو الأول من نوعه منذ نحو عقد من الزمن. وجاء الاجتماع بالتزامن مع انتهاء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لواشنطن، حيث التقى هناك الرئيس الأمريكي جو بايدن، بهدف إزالة غبارٍ شاب علاقة واشنطن بتل أبيب مع قدوم الديمقراطي بايدن للحكم، مع تواجد بنيامين نتنياهو في السلطة بإسرائيل، وهو الذي كان معروفًا بتأييده العلني للحزب الجمهوري الأمريكي. ودأبت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب على الدعم المطلق لإسرائيل، كما أقدمت على خطواتٍ معادية للفلسطينيين، كان أبرزها الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل، ووقف المساعدات الأمريكيةلفلسطين، إلى جانب إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. أما الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة بايدن، فحاولت إصلاح بعض مما أفسده ترامب، فأعادت قنوات الاتصال مع السلطة الفلسطينية، وأعادت المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، والتي كان قد اوقفها ترامب. ومؤخرًا أرسلت الولاياتالمتحدة منحة مساعدات ب500 ألف جرعة من لقاح موديرنا، المضاد لفيروس كورونا، تسلمتها السلطة الفلسطينية. ضغوط أمريكية وفي غضون ذلك، يقول المحلل السياسي الفلسطيني عبد المهدي مطاوع أن لقاء جانتس مع الرئيس أبو مازن يعتبر مؤشرًا على الضغوط الأمريكية، التي مورست أثناء لقاء بايدن وبينيت مؤخرًا خصوصًا أن هذا اللقاء رفضه بينيت قبل شهر تقريبًا. وأضاف مطاوع، في تصريحاتٍ ل"بوابة أخبار اليوم"، أنه مؤشرٌ أيضًا على التعاطي الأمريكي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية عبر تقديم تسهيلات اقتصادية وأمنية بهدف التمهيد لمسار سياسي مستقبلًا عبر إعادة العلاقات التي توقفت منذ فترة كبيرة أثناء وجود نتنياهو رئيسًا للوزراء في إسرائيل. وأشار مطاوع إلى أن جميع التسهيلات، التي قُدمت والاجتماع الذي استمر أكثر من ساعتين يؤكد أن هناك مسارًا يتم التمهيد له، وذلك على الرغم من تصريحات بينيت والموجهة للداخل الإسرائيلي اليميني، الخاصة برفض هذا اللقاء، مستطردًا: "إلا أن نتائج اللقاء تؤكد أن هناك مسارًا تم تحديده من الإدارة الأمريكية". ومع ذلك، فإن مسؤولٌ في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قلل يوم الاثنين الماضي من أهمية اللقاء الذي جرى بين محمود عباس وبيني جانتس، قائلًا إنه لن تكون هناك أي مفاوضات سلام مع الفلسطينيين، وذلك نقلًا عن موقع "تايمز أوف إسرائيل". وقال المسؤول إن "هذا اجتماع يتناول القضايا الأمنية. لا توجد هناك ولن تكون هناك عملية دبلوماسية مع الفلسطينيين". لكن مطاوع، في تصريحاته ل"بوابة أخبار اليوم" يرى الواقع عكس ذلك، فيقول: "بينيت في «ورطة» لأنه يعلم أن أي صدام مع الإدارة الأمريكية ليس في صالحه وسيضعف ائتلافه خصوصًا أن مثل هذه التشكيلة لم تكن لتتم لولا النفوذ الأمريكي". ويكمل قائلًا: "هذا الاجتماع عُقد أثناء عودة بينيت من واشنطن وهو تطبيق مباشر لرؤية الإدارة الأمريكية وإرادتها، ولم يكن ليتم لو لم يكن هناك ضوءٌ أخضرٌ من بينيت". موقف الشارع الفلسطيني وحول مدى رضاء الشارع الفلسطيني عن هذا اللقاء، خاصةً مع رفض عدد من الفصائل السياسية، وعلى رأسها حركة "حماس" إجراء هذا اللقاء، يقول مطاوع: "على مستوى الشارع هناك رضاء كبير خصوصًا في الإقبال الكبير للتسجيل لموضوع لم الشمل خصوصًا أن حماس التي عارضت ورفضت الاجتماع لم تقدم أي شيء يحسن من حياة الناس". ويضيف: "كما أن الشارع يدرك تمامًا أن أي الرئيس أبومازن لا يتنازل في الحقوق والقضايا المصيرية وكل لقاءاته واجتماعاته معلنة وأي إنجازات تخفف من معاناة المواطنين مقدرة لدى الشعب". ومن جهته، لا يبدو وليد العوض، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، مرحبًا بهذا اللقاء، قائلًا: "إن الاجتماع أمس بين الرئيس أبو مازن وزير الحرب الإسرائيلي بيني جانتس وعلى هذا المستوى لبحث التسهيلات الاقتصادية وما يسمى إجراءات بناء الثقة وقضايا أمنية كما ذكر، يمثل في هذا التوقيت انزلاقًا نحو الحل الاقتصادي على حساب السياسي، كما أنه يخفض سقف الموقف الفلسطيني خاصة قبيل التوجه للأمم المتحدة أواخر أيلول (سبتمبر) ويحمل رسالة للعالم أن العملية السياسية قد استؤنفت". ويضيف العوض، في تصريحاتٍ ل"بوابة أخبار اليوم"، "لذلك ندعو لاعتماد الالتزام بقرارات المجلس الوطني والمركزي وقرارات اجتماع الأمناء العامين لاعتماد الإستراتيجية الفلسطينية الموحدة وأساسها إنهاء الاحتلال". وحول مغزى اللقاء في هذا التوقيت، يرجع العوض ذلك ضغط واشنطن، مشيرًا إلى أن هذا المسار (لقاء عباس وجانتس) حدده لقاء بينيت مع بايدن. مشهد الكنيست ويوم أمس الثلاثاء، أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بمنع وزير الدفاع بيني جانتس من إلقاء خطابه في الكنيست حول إيران، بحسب ما أفادت به القناة ال13 الإسرائيلية. ووفقًا للقناة ذاتها، جاء قرار بينت بعد وعد جانتس محمود عباس، خلال لقائهما في رام الله، مساء الأحد، بسلسلة تسهيلات إسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية. هذا الأمر مثّل نوعًا من التراجع من الموقف الإسرائيلي، الذي كان يهيمن عليه اليمين الإسرائيلي، المتشدد تجاه حقوق الفلسطينيين، والذي ظهر بقوة إبان تولي بنيامين نتنياهو الحكم، خلال حقبة زمنية دامت بين مارس 2009 ويونيو الماضي. وحول موقف بينيت الأخير، يؤكد الباحث الفلسطيني أيمن الرقب، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن بينيت يحاول التخفيف من الهجوم عليه من اليمين الإسرائيلي جراء اللقاء. ويقول الرقب، في تصريحاتٍ ل"بوابة أخبار اليوم"، "لقد كان هناك محاولات عديدة من قبل جانتس بلقاء رئيس السلطة أبو مازن، ومن كان يعارض ذلك رئيس وزراء حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، الذي أعلن أنه لا يريد أي اتصال سياسي مع السلطة، ولكن خلال زيارة بينيت للولايات المتحدة تم مناقشة الموضوع مع الإدارة الأمريكية، والتي أوصت بالتواصل ودعم السلطة وبذلك منح نفتالي بينيت جانتس الضوء الأخضر للتواصل مع السلطة ولقاء الرئيس أبو مازن". ويضيف الرقب أن "ما دار في اللقاء حسب المصادر هو تحسين ظروف سكان الأراضي الفلسطينية وتخفيف الحصار وزيادة عدد العمالة الفلسطينية في دولة الاحتلال خاصة من الضفة الغربية. وحسب المعلومات، أنه لم يتم التطرق للملف السياسي وفقط تم التطرق لدعم السلطة وضمان عدم انهيارها". ويشير الخبير في الشؤون الإسرائيلية إلى أن هناك رغبة لدى الحلفاء في حكومة بينيت بعدم التعرض للملف السياسي قبل اعتماد الموازنة العامة والمتوقع اعتمادها خلال شهر سبتمبر. قضية احتجاز جثامين الشهداء ووفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن محمود عباس طلب من جانتس منع قوات الجيش من دخول المدن الفلسطينية في المنطقة (أ)، والعمل ضد عنف المستوطنين في الضفة الغربية. كما أشارت قناة "كان" الإسرائيلية إلى أن محمود عباس طلب أيضًا من جانتس التحرك لإعادة جثامين الشهداء المحتجزة لدى السلطات الإسرائيلية. وذكرت القناة أنه "بحسب مصدر فلسطيني، قال جانتس إن إسرائيل ستدرس الطلب". وتحتجز إسرائيل نحو 335 جثمان شهيد فلسطين فيما يُعرف ب"مقابر الأرقام" أو في ثلاجات الموتى في سجون الاحتلال، وترفض إلى الآن الإفصاح عن هوية هؤلاء الشهداء لذويهم. وفي هذا الصدد، يقول عبد الناصر فروانة، خبير بشؤون الأسرى الفلسطينيين، إنها "ليست المرة الأولى التي تطلب فيها السلطة الفلسطينية الإفراج عن جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال، فخلال السنوات الماضية تقدمت السلطة بطلبات عديدة وبذلت جهودًا كبيرة، سياسية وقانونية، ونجحت عامي 2005 و2012 في استعادة أكثر من 100 جثمان لشهداء فلسطينيين كانوا محتجزين لدى الاحتلال". ويتابع فروانة، ل"بوابة أخبار اليوم"، قائلًا: "هذه المرة كما المرات السابقة، كان الرئيس (محمود عباس) جادًا في طلبه، وهناك جهود فلسطينية لمتابعة الأمر مع الجانب الإسرائيلي، وأعتقد أنه بالإمكان تحقيق انفراجة ونجاح الجهود في استعادة بعض الجثامين". ويستدرك قائلًا: "لكن وفي السياق ذاته، علينا أن ندرك أن القضية قديمة جديدة، ونحن نتحدث اليوم عن احتجاز الاحتلال نحو 335 جثمانًا لشهداء فلسطينيين وعرب، وهذا يتطلب تحركًا جماعيًا وجهودًا متواصلة من قبل الجهات السياسية كافة والفصائل الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والقانونية وعلى كافة الصعد كي نستعيد كل الجثامين، ونتمكن من دفنهم في مقابر مؤهلة ونغلق هذا الملف بشكل نهائي".