ندى البدوى فى الوقت الذى تجتاح الكوارث الطبيعية عدداً من دول المنطقة والعالم مُخلّفة عشرات الضحايا وخسائر مادية تتجاوز مليارات الدولارات، أطلقت الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) فى أحدث تقاريرها تحذيرًا انطوى على رصد حقائق "مروّعة" بشأن آثار التغيرات المناخية غير المسبوقة على كوكب الأرض، حيث سيؤدى ارتفاع درجة حرارة الأرض لاختلال النظم البيئية مع تزايد وتيرة الأحداث المناخية العنيفة ونوبات الطقس الجامح، من الموجات الحرارية الجافة وحرائق الغابات والأمطار الغزيرة المُسببة للفيضانات، فضلاً عن تفاقم ذوبان الجليد والارتفاع المستمر فى مستوى سطح البحر. ورغم هذه التقديرات يؤكد علماء المناخ أن العالم ما زال لديه فرصة أخيرة للحد من درجة الاحترار العالمي، باتخاذ تدابير عاجلة للخفض السريع واسع النطاق لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويحسم التقرير الأممى الذى أعده ما يزيد على 200 عالِم والمُستند على 14 ألف دراسة علمية، أن الأنشطة البشرية هى المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.1 درجة مئوية، ما يؤكد تفاقم خطورة التأثير البشرى على النظام المناخي. ويوضح الدكتور سمير طنطاوي، الخبير الدولى فى التغيرات المناخية والتنمية المستدامة، أن هذا التقرير اشتمل على عدد من الحقائق والتوقعات المبنية على مُشاهدات وقياسات ونماذج رياضية للآثار المحتملة لتغير المناخ، حيث رصد التقرير أن التغيرات التى حدثت غير مسبوقة على مدى مئات الآلاف من السنوات، ورغم أن بعض هذه التغيرات غير قابل للعودة إلى الوضع الطبيعي، ما زالت لدينا الفرصة لإنقاذ الكوكب من الآثار الكارثية التى تطال كافة النظم ذات الصلة بالمُناخ، بخفض متوسط درجة حرارة الغلاف الجوى لما دون 1.5 أو درجتين مئويتين. ويُشير طنطاوى إلى أن آثار استمرار الاحترار العالمى التى أوردها التقرير تؤثر على النظم الزراعية والحيوية على مستوى العالم، وتوقع التقرير زيادة فى درجات الحرارة بشكل متسارع عن المألوف فى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مُتابعًا: الذى يتحمل كلفة التغيرات المناخية دائما هى الدول الفقيرة والنامية والأقل نموًا، فمعظم الآثار السلبية لتغير المناخ تكون من نصيب تلك الدول سواء بسبب موقعها الجغرافى أو حجم اقتصاداتها التى لا تتحمل هزات عنيفة وتؤدى إلى انهيار هذه الاقتصاديات. حيث أوضح التقرير أن منطقتنا تواجه مخاطر موجات الجفاف والقحولة وحرائق الغابات، فضلاً عن ارتفاع مستوى سطح البحر الذى يزيد من خطورة فقد مساحات من الأراضى الخصبة والبنية التحتية والمشروعات الصناعية وخلافها. ويرى أن الاستجابة الفورية من أمين عام الأممالمتحدة أنطونيو جوتيريش، تؤكد على أهمية المعلومات والحقائق العلمية الواردة بالتقرير، حيث اعتبر أن هذه المعلومات تدق ناقوس خطر لمستقبل البشرية، ودعى كافة الدول وخاصة دول مجموعة العشرين الصناعية G20 إلى الانضمام لمبادرة الانبعاثات الصفرية، والالتزام بشكل قاطع وواضح بخفض الانبعاثات من خلال خطط وطنية طموحة تحقق أهداف الخفض. يضيف: يجب أن تشتمل خطط التنمية لكل دولة على محور أساسي، هو الحفاظ على البيئة والتوجه نحو المصادر غير الملوثة لتوليد الطاقة والحد من استهلاك الوقود الأحفوري، مع منح ميزة تنافسية للاقتصاد القائم على معايير استدامة بيئية واضحة، من خلال حوافز مالية وإعفاءات ضريبية وجمركية لتشجيع الاستثمار فى مجالات تؤدى للحفاظ على البيئة والحد من الانبعاثات.. ويوضح طنطاوى أن النتائج التى توصل إليها التقرير تعكس الواقع الذى أدى إليه السباق المحموم بين الدول الصناعية، خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وما أعقب الحروب العالمية من عمليات تنمية سريعة بدون تخطيط أو التزام بمعايير الحافظ على البيئة، وما تقوم به الدول سريعة النمو حاليًا من أنشطة صناعية وتنموية تتطلب توليد كميات كبيرة من الطاقة من مصادر رخيصة منها الفحم والبترول، مع القطع الجائر للغابات فى بعض المناطق أو خسارة مساحات كبيرة من الغابات نتيجة الحرائق طبيعية أو المُفتعلة، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى زيادة سريعة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى وبالتالى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي. ويتابع: المجتمع الدولى وبدعم من منظمات الأممالمتحدة أولى اهتمامًا بقضايا البيئة وخاصة التغيرات المناخية منذ أوائل القرن الماضي، وصدرت العديد من الاتفاقيات المنظمة للتعامل فى قضايا التغيرات المناخية، من أهمها اتفاق باريس للمناخ عام 2015، إلا أن التزام العديد من الدول بهذا الاتفاق يتعارض مع معدلات التنمية المستهدفة لها. وعلى الرغم من أن أزمة جائحة كورونا قد ساهمت فى خفض الانبعاثات بشكل ملحوظ، إلا أن أفضل السيناريوهات تؤكد العودة لسباق محموم لتعويض فترة التوقف خلال الجائحة مما ينذر بزيادة غير مسبوقة فى الانبعاثات، وذلك على الرغم من المطالب الدولية بالتوجه نحو الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدوار وخلافه.