أحمد جمال كثفّت مصر جهودها على عدة مستويات دبلوماسية وحكومية وشعبية لتهدئة الأوضاع فى قطاع غزة إثر التصعيد الإسرائيلى الأخير، والتعامل مع الأوضاع الإنسانية والصحية الصعبة التى خلّفها الاحتلال جراء استمرار ضرباته على مدار الأسبوع الماضي، التى ألحقت دماراً واسعاً وتسببت فى سقوط أكثر من مئة شهيد و1100 مصاب، فيما اضطر أكثر من 10 آلاف آخرين للفرار من منازلهم التى استهدفها القصف الإسرائيلي. منذ أن بدأ التصعيد فى مدينة القدس خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان، تحركت الخارجية المصرية ودانت بأشد العبارات اقتحام القوات الإسرائيلية حرم المسجد الأقصى المبارك، وشدّدت على ضرورة وقف العنف ضد المصلين بالقدس، وحمَلت إسرائيل مسئوليتها إزاء هذه التطورات المتسارعة والخطيرة، وتنبأت بأنها ستقود إلى مزيد من الاحتقان والتصعيد الذى لا يُحمد عُقباه. الموقف الدبلوماسى المصرى القوى أخذ فى التصاعد تزامناً مع انتقال الاشتباكات اليومية داخل القدس إلى الضربات الجوية المتبادلة بين المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة وإسرائيل، وأرسلت مصر وفداً أمنياً للتدخل لدى الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، فى محاولة للوصول إلى مخرج للأزمة المتصاعدة، وأجرت اتصالات ومباحثات مع الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلى والأمم المتحدة ومجلس الأمن. وبحث وزير الخارجية سامح شكرى، خلال اتصال هاتفي، مع وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان، التطورات المتسارعة للأوضاع فى الأراضى الفلسطينية، وما يشهده قطاع غزة من تصعيد، وبحسب السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، فإن الاتصال شهد تبادلاً للرؤى بين الوزيرين حول كيفية العمل على سرعة معالجة الأمر لاستعادة الهدوء، وهو أمر تكرّر أيضاً مع وزراء خارجية الأردن وألمانيا وكذلك الممثل الأعلى للشئون الخارجية للاتحاد الأوروبى جوزيف بوريل. جميع المواقف والمشاورات والاتصالات المصرية أكدت أن الأحداث الجارية تتطلب ضرورة التحرُّك الجدى نحو استئناف مسار عملية السلام، بما يمنح أفقاً سياسياً حقيقياً بغية إنهاء الصراع عبر الحل العادل والدائم الذى يؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، باعتبار أن ذلك يحقق استقرار الأوضاع فى مُجمل المنطقة. من جانبه، أكد اللواء محمد عبدالمقصود، الخبير الاستراتيجى المتخصص فى الشئون الفلسطينية والإسرائيلية، أن مصر لديها حرص كامل على أن تتدخل فى كل أزمات قطاع غزة، ويشكل ذلك واجباً لا يمكن التخلى عنه، مشيراً إلى أن التحركات تستهدف إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، غير أن التوصل إلى اتفاق تهدئة يرتبط بمواقف أطراف متعددة وقوى إقليمية ودولية تشارك فى شحن الأطراف المختلفة نحو استمرار الضربات الحالية بما يحقق مصالحها، وأن الجهود المصرية تستهدف الحد من الخسائر المتتالية فى الأراضى المحتلة. وأضاف أن إسرائيل استخدمت العنف المفرط فى استهدافها غزة وهو ما يفسر حجم الخسائر الكبيرة ما يُعرِّض الشعب الفلسطينى لخطر داهم، وأن الوساطة المصرية تتضمن وقف العنف والامتناع عن سياسة الاغتيالات ضد قيادات فصائل المقاومة ووقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وهو أمر تتجاوب معه الفصائل الفلسطينية، غير أن إسرائيل ترى أن قبولها بالهدنة فى الوقت الحالى يعنى انتصار الطرف الآخر عليها بعد أن تمكنت صواريخ المقاومة من الوصول إلى العمق الإسرائيلي. وسلّط اللواء محمد عبدالمقصود الضوء على بعد آخر فى تأخر الوصول إلى هدنة، يتمثل فى سعى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى تحقيق أهدافه السياسية من قصف غزة بعد أن نجح فى إجهاض فكرة تشكيل ائتلاف حكومى موسع، وبدا أن اليمين الإسرائيلى المتطرف أكثر دعماً لنتنياهو فى تلك الأثناء بعد أن شعروا بعدم الأمان جراء ضربات المقاومة. ولفت إلى أن إسرائيل تأخذ من صواريخ المقاومة حجة لتكثيف عملياتها فى غزة واستهداف قادة المقاومة وتدمير جزء كبير من قدراتها العسكرية بخاصة الصواريخ وورش صناعة الأسلحة، وهو ما يعطى قابلية لإمكانية استمرار القصف الممنهج لأيام أخرى، كما أن نتيناهو استطاع أن يقنع الولاياتالمتحدة بأهمية الضربات الموجهة لغزة دفاعاً عن النفس، وبالتالى فإن موقف إدارة بايدن لم يعد ضاغطاً لإنهاء الضربات فى أسرع وقت ممكن. فى السياق، أشار السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يصور لمواطنيه أنه لديه القدرة على إنهاء خطر حماس وأنه المدافع الأول عن أمن إسرائيل ويستغل الأوضاع الحالية للتهرب من إمكانية إجراء انتخابات جديدة وقد يقترح تشكيل حكومة يمينية يقودها، وبالتالى فإن استمرار تصعيده يستهدف التعامل مع حالة القلق داخل إسرائيل والتى قد تفقده مستقبله السياسي. وأوضح فى المقابل أن الفلسطينيين عملوا على توحيد أنفسهم وأضحى هناك تنسيق بين فلسطينيى الداخل والشتات وهذه ظاهرة أخرى تهز الأمن الإسرائيلي، وبالرغم من الخسائر الفادحة فى قطاع غزة ووحشية الهجوم الإسرائيلى وقتل الأطفال والأبرياء فإن الأحداث الأخيرة نجحت فى إعادة القضية الفلسطينية لمقدمة الأحداث العالمية. وبحسب السفير رخا، فإن مصر تضع فى حسبانها كل هذه المعطيات فى تعاملها مع الأزمة الحالية وترى أن وقف إطلاق النار لابد أن يتحقق فى أقرب فرصة والعودة لمفاوضات السلام مجدداً، كما أن ما يجرى حالياً يؤكد أنه لا سلام بدون حل الدولتين، وأنه كلما اشتدت الضربات على قطاع غزة ازدادت حركة حماس قوة لأن هناك شعبا يقاوم ويدافع عن حقوقه. ولم تقتصر الجهود المصرية على التحركات الدبلوماسية بل امتدت إلى المستوى الحكومى أيضاً، حيث فتحت وزارة الصحة المستشفيات المصرية أمام الجرحى الفلسطينيين من أجل تلقى العلاج، وهو ما أكده دياب اللوح، سفير فلسطين بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، مثمناً الموقف المصرى إزاء التصعيد فى غزة. وأعلن تشكيل لجنة لاستقبال جرحى غزة الذين أصيبوا خلال الأيام الماضية، مؤكداً حرص السفارة على خدمتهم ومرافقيهم، وسعيها لتذليل العقبات أمامهم حتى عودتهم. وأعلنت الهيئة العامة للرعاية الصحية، رفع درجة الاستعداد القصوى بعدد من مستشفياتها، ضمن خطة الدولة المصرية لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة، حال الاحتياج لهم بدخول الأراضى المصرية للعلاج على أن يتم ذلك بالتنسيق الكامل مع وزارة الصحة والسكان. وأوضحت الهيئة أنه تم رفع درجة الاستعداد ب 3 منشآت صحية تابعة للهيئة، هي: "المجمع الطبى بالإسماعيلية، مستشفى أبوخليفة، مستشفى 30 يونيو"، فيما تم تعليق إجازات عيد الفطر المبارك لبعض الأطباء والأطقم الطبية والتمريض بهذه المنشآت الطبية استعدادا لاستقبال القادمين من قطاع غزة للعلاج. وعلى مستوى التحركات الشعبية والنقابية، أعلن الدكتور أسامة عبدالحي، أمين عام نقابة الأطباء، أن 1200 طبيب سجلوا بياناتهم على موقع النقابة، للعمل كمتطوعين فى علاج مصابى غزة، مشيرا إلى أنه سيتم تجهيز قائمة بأسماء الأطباء الذين أبدوا رغبتهم فى التطوع بالسفر إلى غزة، لافتًا إلى التنسيق مع وزارة الخارجية المصرية بإرسال قائمة بأسماء المتطوعين حسب الاحتياج والتخصص المطلوب مرفق بها كافة بياناتهم وصور جوازات السفر. ومن جانبه، ثمّن المحلل السياسى الفلسطيني، عماد عمر، الجهود المصرية الحثيثة لدعم قطاع غزة، مشيراً إلى أن الوفد المصرى لا يزال يضغط بشأن إبرام تهدئة، وأن مساعد وزير الخارجية الأمريكى فى إسرائيل يمارس أيضا ضغطا على حكومة الاحتلال، غير أن معالم هذه التهدئة غير واضحة تحديداً وأن هناك تعنتا إسرائيليا يرفض قبولها. وأوضح أن إسرائيل تريد أن تخرج منتصرة من تلك المعركة، ولا تريد أن تتنازل أو تتراجع عن خطواتها فى المدينة المقدسة، لأن مستقبل نتنياهو السياسى فى خطر ومرتبط بهذا العدوان، فإما أن يمنح الثقة لقيادة حكومة حرب تخرجه من أزمته مع القضاء الإسرائيلى على قضايا الفساد وإما أن يتوجه للقضاء وتطوى معه حقبة نتنياهو. وتوّقع أن تكون الأيام المقبلة فارقة لحسم مصير التصعيد وقد تكون صعبة على الوسطاء لأن إسرائيل تسعى لتكريس قصفها للمبانى بالقطاع، وربما تبحث عن صيد ثمين تختتم به هذا العدوان وتخرج منه فى صورة الطرف المنتصر أمام جمهورها الداخلي، وتحفظ ماء وجهها. وأوضح أن الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية لعائلات فلسطينية بأكملها فى قطاع غزة باستخدام أقوى أسلحة وعتاد لا تستخدم إلا فى الحروب بين الدول المتقدمة عسكرياً، عبر قصف وتدمير منازل المواطنين التى تؤوى الأطفال والنساء فوق ساكنيها من دون سابق إنذار وبأطنان من المتفجرات.