10 صور ترصد انطلاق العام الدراسي الجديد بكليات جامعة الإسكندرية    وزيرا خارجية مصر والكونغو يتفقان على مواصلة التعاون في كافة المجالات    آداب عين شمس كاملة العدد في أول يوم دراسي (فيديو وصور)    حفيد عبد الناصر: الزعيم يعيش فى قلب كل مصرى    تعرف على موعد حفلات تخرج دفعات جديدة من كلية الشرطة والأكاديمية العسكرية    سعر الذهب اليوم السبت في مصر يهبط مع بداية التعاملات    أسعار الدواجن ترتفع اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    4 نوفمبر المقبل آخر مهلة، خطوات التصالح في مخالفات البناء بالمدن الجديدة    سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 28-9-2024 في البنوك    تداول 47 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    وزير الخارجية يشارك في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن    إيران تتعهد بملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية    إسقاط صاروخ "أرض-أرض" فوق شمال إسرائيل    الهند تحذر:استمرار باكستان في الإرهاب سيؤدي إلى عواقب وخيمة    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة الخلود بالدوري السعودي    جمهور الزمالك يهاجم إمام عاشور واللاعب يرد (صور)    تشكيل أرسنال المتوقع أمام ليستر سيتي.. تروسارد يقود الهجوم    تجديد حبس عاطلين متهمين ب سرقة سيارة في الشروق    30 يومًا.. خريطة التحويلات المرورية والمسارات البديلة بعد غلق الطريق الدائري    بأوتبيس نهري.. تحرك عاجل من محافظ أسيوط بعد فيديوهات تلاميذ المراكب    تكثيف أمني لكشف غموض العثور على جثة سيدة مقطوعة الرأس بقنا    3 أفلام سورية بمهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة    بسبب طليقته.. سعد الصغير أمام القضاء اليوم    بمشاركة فريق مسار إجباري.. حكيم يشعل المنيا الجديدة بإحتفالية ضخمة وكلمة مؤثرة عن سعادته الحقيقية    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: رعاية كبار السن واجب ديني واجتماعي يجب الالتزام به    الرقابة الصحية تبحث التعاون في مجال السياحة العلاجية بين مصر وتركيا    أفضل الطرق الطبيعية للتخلص من دهون البطن    وزير الصحة: مصر مصنفة من أكثر البلاد استهلاكا للأدوية في العالم    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل دولة مارقة لا تكترث للقرارات الدولية    وزارة العمل تستعرض أهم الملفات أمام رئيس مجلس الوزراء.. وتعاون مع "التعليم" في مجالات التدريب المهني    الباذنجان 3.5 جنيه، ننشر أسعار الخضراوات اليوم السبت بسوق العبور    مجسمات لأحصنة جامحة.. محافظ الشرقية يكرم الفائزين في مسابقة أدب الخيل    التفاصيل الكاملة لحفل أحمد سعد بمهرجان الموسيقى العربية    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة تستهدف بعلبك والمناطق الجنوبية اللبنانية    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا 29 سبتمبر    مقتل شخص في مشاجرة بسبب خلافات سابقة بالغربية    بسبب خلاف حول الأجرة، حبس سائق توك بتهمة قتل شاب في السلام    4 شهداء في قصف للاحتلال وسط قطاع غزة    عقوبات الخطيب على لاعبي الأهلي بعد خسارة السوبر؟.. عادل عبدالرحمن يجيب    عودة أسياد أفريقيا.. بهذه الطريقة أشرف ذكي يهنئ الزمالك بالسوبر الأفريقي    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» 28 سبتمبر 2024    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    طعنة نافذة تُنهي حياة شاب وإصابة شقيقه بسبب خلافات الجيرة بالغربية    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    مع تغيرات الفصول.. إجراءات تجنب الصغار «نزلات البرد»    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    عبد المجيد: التتويج بالسوبر سيمنحنا دفعة معنوية لتحقيق الدوري والكونفدرالية    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    ألسنة لهيب الحرب «الروسية - الأوكرانية» تحاصر أمريكا    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لازلت أبحث عن قصيدتى
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 16 - 12 - 2020


هشام محمود
آثر منذ أن أطلق زفرته الشعرية الأولى أن يغنى خارج السرب، وأن يصوغ لحنه من مقام شعرى خاص، ويبدع نصا متجاوزا لا ينحاز إلا إلى وعيه الجمالى، فى رؤية تصله بأسلافه من المتمردين والآبقين الكبار فى التراث الإنسانى، لم يحاول أن يشبه أحدا، ولم يشغل نفسه بعد أن حاول الكثيرون أن يتمثلوا تجربته، بل ظل مشتغلا على مشروع إبداعى وثقافى يخصه، بحيث أصبح علامة فارقة على تيار بدأ يتنامى منذ سنوات،
كيف أمسكت لأول مرة بجمرة الكتابة؟
ربما تكون بدايتى بداية تقليدية عادية، لأنها بدأت أثناء المرحلة الدراسية الثانوية، كنت قبلها قد حاولت كتابة القصة، كما حاولت الرسم، ولكنهما معا لم يستجيبا لى بالشكل الذى يشجعنى على المضى فى أحدهما، وعندما حاولت مع الشعر، فوجئت أنه يستجيب لى على غير توقع أو انتظار، وخاصة أن الذى كان سائدا فى تلك المرحلة فى وعى هذا الطالب فى مرحلته الثانوية، أن الشعر هو هذا الكلام الموزون المقفى، فأن تبدأ محاولاتك الشعرية فى الموزون المقفى، فهذا يعتبر أصعب من الأشكال التالية له، وكانت هذه البداية تسعى إلى السيطرة على الشكل، أكثر مما تسعى إلى خلق نمط شعرى أو صورة شعرية خاصة، كنت أحاول الإمساك بالأداة أولا، لأرى ما إذا كانت القصيدة ستستجيب وستنفتح لى، أم أنها ستنغلق علىَّ، شأن محاولاتى السابقة مع القصة والرسم.
لأية درجة تحرص على ألا يبذل نصك الشعرى نفسه لقارئه من أول وهلة؟
فى الحقيقة أنا لا أطالب القارئ سوى بأن يترك نفسه للقراءة، دون البحث فيما إذا كان هذا شعرا أم لا، وبعيدا عن هذا الحرص على تصنيف التجربة، سيكون عليه أن يترك هذه المحاولة للتصنيف خارج النص، إذا ما نجح فى ذلك مع نفسه أولا، فسوف يتلقى نصى الشعرى بشكل معقول جدا، فالمشكلة أننا ندخل أحيانا إلى بعض النصوص وفى رؤوسنا بعض القواعد الصارمة، التى نطالب النص بأن يستجيب لها، فإن لم يستجب لها يصبح الخطأ هو خطأ النص وليس خطأنا نحن، والإبداع عموما قيمته تكمن فى الجدة، وفيما أضافه على ما سبق، لا فى تكراره لما سبق، وبالتالى فإذا نسخت عملا سابقا فإننى لا آتى بجديد، وعلى الشاعر دائما، وهذا ما أقوله لنفسى، ألا يكرر نفسه، ومن باب أولى ألا يكرر الآخرين ممن سبقوه، فالإبداع لا يحتمل التكرار، ولا يحتمل النسخ ولا إعادة الإنتاج، وإنما يريد صوتا منفردا ومتفردا.
كيف ترى دور الشكل الشعرى فى تجربتك، خصوصا مع هذا الرهان الواضح على أنه ليس بالحدود التى تضم هذا الشكل، إن كان تفعيليا أو نثريا، تتحدد ماهية التجربة؟
منذ ديوانى الأول كنت معنيا ببنية القصيدة، وقد تأملت فى الشعر العربى كثيرا، فرأيت أنه يقوم على الصوت الواحد، ذلك الصوت الذى يبدأ القصيدة، وهو أيضًا الذى ينتهى بها، ويحتلها منذ سطرها الأول حتى سطرها الأخير، دون مساحة أو احتمال لصوت آخر، فقلت لنفسى: إن العالم يتسع للكثير من الأصوات، فلماذا لا تتسع القصيدة أيضا للكثير من الأصوات؟ ولا بد أن يكون لدى الشاعر كرم استضافة أصوات مختلفة، دون أن يطغى على حضورها بحضوره هو، فرأيت أن فكرة تعدد الأصوات داخل النص الشعرى لا بد من تجربتها ومحاولتها، لأن الإبداع لا يتم خارج النص، إنما لا بد من اختباره وتجربته داخل النص، ولهذا قدمت فى ديوانى الأول (وردة الفوضى الجميلة) تجربة فى تعدد الأصوات، باستخدام اختلاف حجم البنط فى الكتابة، للتمييز ما بين الأصوات المختلفة، لأننى فى الوقت نفسه أرى أن هذه الأصوات بقدر ما هى متمايزة، شأنها شأن أصوات العالم، هى أيضا متشابهة فى الوقت نفسه ومتداخلة، بحيث لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، إلا بصعوبة شديدة، فإذا ما خرجت إلى الشارع يمكن أن تسمع نداءات أحد الباعة، وأصوات بعض الجالسين على المقهى، وصوت الراديو يأتى لك بأغنية أو حوار أو حديث أو خطبة أو نشرة أخبار، كل هذا فى تداخل، وكل هذه الأصوات متزامنة فى نفس الوقت، ومشكلة الكتابة أنها لا تقبل التزامن، لأنك تقرأ من أعلى لأسفل، وهذا يعنى التتالى، والكتابة تتحقق بهذا التتالى، فكيف تحقق التزامن الموجود فى أصوات العالم داخل نص لا يحقق التزامن، بل يعتمد على التتالى؟ تقرأ السطر الأول من أعلى، ثم يليه السطر الثانى ثم الثالث، إلى أن تنتهى القصيدة، إذن كان لا بد من الاشتغال والعمل على إعادة صياغة الكتابة على الصفحة.
هل نستطيع أن نعد ديوان (إشراقات) تطويرا وإلحاحا على هذه الفكرة، بالاشتغال على فكرة المتن والهامش، وربما أكثر من متن وأكثر من هامش؟
بالفعل كان هذا نتاجا لهذه الفكرة، وهناك بعض النقاد اعترضوا، ولم يستطيعوا التعامل مع المتن والهامش، ومنهم من اعتبر الهامش متنا آخر، ولكن فى موقع الهامش، ويأتى موازيا للمتن الأصلى ومرتبطا به، فى هذه التجربة هناك تعدد أصوات، وكذا تعدد طبقات لنفس الصوت الواحد، بمعنى أن هناك طبقات صوت متعددة، فضلا عن تعدد الأصوات داخل هذا النص، وإذا فكرت فى مسألة تعدد الأصوات، ستجد بالتالى مسألة تعدد الإيقاعات، لأن كل صوت يحتفظ بإيقاع يخصه، وبالتالى سيكون عليك أن تمنح كل صوت الإيقاع الخاص به، والذى يميزه، وكذا أن تمنحه لغته ومعجمه الشعرى، ورؤيته للعالم، فيصبح النص بهذا الشكل غابة من الأصوات المتداخلة والمتمايزة فى نفس الوقت.
لأية درجة يفضى تعدد الأصوات والإيقاعات على هذا النحو، إلى ما يسمى فى الدراسات النقدية الحديثة بتعدد مستويات الدلالة فى النص الادبى؟
بالفعل يأتى تعدد مستويات الدلالة نتيجة لذلك، لأن الصوت الواحد لدىَّ هو أيضا ليس حالة ساكنة منتهية، ولا حالة مكتملة بلا تناقضات داخلية، فأى شخص منا فى العالم تكمن داخله تناقضات معينة وطبقات مختلفة، وليس كتلة واحدة منسجمة مع ذاتها، وبالتالى داخل هذا الصوت الواحد تكمن تعددية تشكله، وتصنع منه صوتا إنسانيا من هذا العالم.
وكيف يبدو الأمر جماليا؟ وهل يشير هذا إلى تصور مستقبلى يمكن أن نتوقعه للقصيدة العربية، فى ضوء ما يطرح من تجارب راهنة؟
أعتقد أن هذه الاستمرارية للشعر العربى تمنحه قدرا كبيرا من الثراء الدلالى أيضا، فنحن نقرأ معلقة امرئ القيس كما كتبها امرؤ القيس، ولأن أجيال الشعراء تُرَاكِمُ على بعضها البعض، فيأتى المتنبى وأبو العلاء المعرى وأبو تمام وغيرهم، ونصبح قادرين على التعامل مع هذه القصائد، وهذه الأصوات الكبرى فى تاريخ الشعر العربى، كما كتبت نصوصها، ولكن للأمر وجها آخر، ففى الشعر كما فى كل الإبداعات الإنسانية بشكل عام، لا يمكن التنبؤ بما سيأتى، فإذا كنا نكتب الآن وفقا لمفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة، فلا يمكننا أن نتنبأ بما ستؤول إليه القصيدة، وخاصة أن هناك فجوة يمكن أن نشير إليها ارتباطا بما طرح، ما بين الشعر والمجتمع، وما بين الثقافة بشكل عام والمجتمع، الثقافة يمكن الحديث عنها بوصفها حداثية، أما المجتمع فليس حداثيا، فمجتمعنا المصرى مثلا تسود فيه أفكار ليست حداثية، والعلاقات بين البشر ليست حداثية، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هى أوضاع ما قبل حداثية، لكن المفارقة أن أعمالنا الأدبية أكثر تطورا، وأصبحت تنحو نحوا ما بعد حداثى، وهى أكثر تطورا من الأوضاع القائمة فى المجتمع المصرى، ولهذا لن نستطيع أن نتنبأ الآن بماهية القصيدة القادمة، وهناك تيار يكتب قصيدة النثر، أنا أتوقع أن هذا التيار سيعدل فى مساره الداخلى ذاتيا، فى هذه القصيدة التى كتبها منذ التسعينيات حتى الأن، وسوف يعدل من اختياراته، لكننى أيضا لا أستطيع أن أتوقع إلى أين، ولا أستطيع أن أتوقع شكل القصيدة القادمة، لأنه لا يوجد توقع فى الفن.
هناك تصور مفاده أن الحداثة وما بعدها تغيرات مرحلية تركت تأثيرها فى الفن، باعتبار أن ما هو حداثى اليوم سيكون بالضرورة كلاسيكيا بالنسبة للأجيال التالية، هل يبدو الأمر قاطعا على هذا النحو؟
هذا صحيح من ناحية الأفكار العامة، لكن فى الفكر الثقافى الأمر يختلف، فعلى سبيل المثال فى أوروبا يحددون مرحلة الحداثة الشعرية ببودلير، ويبدؤون به، وهو أول من أطلق كلمة (الحداثة) فى الشعر الفرنسى، لأن المجتمع فى ذلك الحين كان قد انتقل من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة الصناعية ومرحلة المدن الحديثة، والحداثة تتعامل مع إنسان المدن الحديثة، هذا الإنسان الذى يلهث أو تدفعه ظروف الحياة إلى اللهاث دائما، فى انفصال عن الطبيعة، فيما كانت الرومانتيكية مثلا شديدة الصلة بالطبيعة، بل وتعتبر أى تصنيع هو عداء للإنسان، لأن هذا التصنيع سيجور على المناطق الزراعية والقرى، وسيجور على سكون الريف الذى يحلمون به.
كان الإيقاع فى الشعر القديم هو الذى يجتذب إليه المتلقى، ولكنه أصبح يلعب دورا عكسيا بدرجة أو أخرى فى بعض النصوص التى تكتب الآن، لأية درجة تتفق مع هذا الطرح؟
هذه الملاحظة المرهفة ذكرتنى ببيت شعرى للمتنبى يقول فيه:
أرق على أرق ومثلى يأرق
وجوى يزيد وعبرة تترقرق
هنا نتبين دقة انتقاء الكلمات والألفاظ وتجاورها، بما يصنع إيقاعا، بصرف النظر عن وحدة الوزن والقافية التى تحكم القصيدة، لكن على مستوى البيت الواحد صنع المتنبى فى هذا البيت وفى غيره من النماذج الأخرى الكثيرة، باعتباره من كبار الشعراء، كما صنع غيره موسيقا خاصه به هو، ولم يعتمد فحسب على ذلك الإيقاع العام، الذى يحكم القصيدة العربية، ووحدة الوزن والقافية والتفعيلات وغيرها، ولكن داخل هذا النمط خلق موسيقا أخرى كما لو كانت هناك آلة تعزف بصوت عال، فى نفس التوقيت الذى تعزف فيه آلة أخرى بصوت رهيف وخافت، فتستمع إلى لحنين مختلفين فى الاتجاه، ولكن فى الوقت نفسه، الإيقاع مسألة جوهرية فى شعرنا وفى كل شعر العالم بشكل عام، ولكن الإيقاع بمعناه العام، وليس بشكل معين، ذلك أن النص السردى له إيقاعه، وكذلك اللوحة التشكيلية والمشهد السينمائى والمسرحية، فى كل شكل من هذه الأشكال وغيرها هناك إيقاع، ولكننا أحيانا نخلط بين الإيقاع والوزن بالنسبه للشعر، الوزن هو أحد أشكال وأحد عناصر الإيقاع، والإيقاع أشمل من الوزن، ويمكن أن نضيف أنه أحد عناصر الإيقاع التقليدية، باعتباره أمرا تعارفنا عليه منذ قرون طويلة، وأتصور أن مصطلح الإيقاع كما نعرفه الآن لم يكن مطروحا فيما قبل، حيث كانوا يعتمدون الموسيقا والوزن، أو يعتمدون الموسيقا التى تشير فى فهمهم إلى الوزن، أو هى الوزن والقافية، وكان الوزن والقافية بالنسبة إلى القدماء هما ما ينتج الموسيقا، أما بالنسبة لنا اليوم، فإن للإيقاع مفهوما أوسع وأشمل، حيث يضم فى إهابه كافة الأشكال الوزنية وغير الوزنية، هذا ما استفادت منه على سبيل المثال حركة التجديد الشعرى التى تمت فى الخمسينيات من القرن الماضى، على يد صلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتى وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة، لأنهم أخذوا الوحدة الصغرى فى الوزن، وهى التفعيلة، وجعلوها أساسا للوزن فى القصيدة، ولم يأخذوا البحر بكامله، بل اعتمدوا فقط هذه الوحدة وكرروها، وتحرروا من مسألة انضباط عدد التفعيلات.
قبل أن نغادر هذه المنطقة، كيف ترى إعمال أدوات نقدية جديدة فى شعرنا العربى القديم؟
هذه ليست مشكلة، وأتصور أن هذا ما حدث أيضا فى النقد الأوروبى، فالمدارس النقدية الأوروبية الحديثة اختبرت أدواتها على نصوص ليست حديثة، هذه المدارس النقدية قدمت نظرة حداثية فى العمل الإبداعى، فلم لا؟ هذه النظرة الحداثية فى عمل إبداعى قديم، قد تكشف لنا ما لم تكشفه المناهج القديمة.
ما أهم مصادر المعرفة التى تتمثلها فى وعيك عن الشعر؟ وخصوصا أنك مترجم معنى بتقديم أسماء كبيرة فى الشعر العالمى، إلى جانب كونك شاعرا؟
أنا فى الحقيقة ممن يعتبرون تراثنا الشعرى والأدبى والفلسفى ملكا حقيقيا لنا نحن الأدباء، وهذا يعنى أننى أمتلك امرأ القيس وما قبله، كالشعر المصرى القديم، فلدينا نصوص بديعة فى الأدب الفرعونى، كثيرا ما يتجاهلها الشعراء، ولا يعرفون كيف يتعاملون معها، إلا من باب المعرفة، لكنها تكتنز طاقة على الإيحاء، إذا ما تأملنا فيها، وأنا ليس لدى فصل داخلى ما بين الشعر العربى والإسلامى والفرعونى والروسى والأمريكى، ولدى بابلو نيرودا وناظم حكمت ومايا كوفسكى وكفافيس، كل هؤلاء وغيرهم أستمتع بهم، وبأننى وريث لهم، ولا تقتصر نظرتى على ما تحت أقدامى، بل تمتد إلى الأبعد، بقدر ما أستطيع، الأبعد فى الزمن إلى الوراء، بما يصلنى بالأدب الفرعونى وشكاوى الفلاح الفصيح مثلا، والأبعد فى الجغرافيا فأقرأ الشعر اليابانى والشعر الأمريكى والروسى وغير هذا.
وما الذى استفاده المترجم من الشاعر؟ وكذا ما الذى استفاده الشاعر من المترجم؟
المترجم أفاد الشاعر كثيرا، حيث أثبت له أنه ليست هناك قصيدة واحدة أو شكل واحد للكتابة، وقد اكتشفت ذلك من خلال ترجمتى لعدد من كبار شعراء العالم فى العصر الحديث، فلا بوشكين كتب كما كتب ليكمنتوف، ولا ليكمنتوف كتب كما كتبت مايا كوفسكى، هذا فى إطار الأدب الروسى، وكذلك لم يكتب ريتسوس كما كتب كفافيس، فى إطار الأدب اليونانى، وقس على هذا، وذلك يعنى لى أنه ليس هناك نمط واحد ثابت ومعين لكتابة القصيدة، بل هناك آفاق مفتوحة، وعلى الشاعر الجديد أن يكتشف هذه الآفاق، ويقدم ما لم يقدمه الآخرون من قبل، هذا ما استفاده الشاعر من المترجم، أما ما استفاده المترجم من الشاعر، فقد استفاد حساسية الشعر فى الصياغة، وفى استيعاب خيال الشاعر الأجنبى، استفاد ما يمكن أن نسميه بالخيال اللغوى فى ترجمة قصيدة من لغة أجنبية إلى اللغة العربية، فهناك الكثير من الترجمات الشعرية التى نتجرعها (بالمعنى الحرفى)، حيث تفسد النص الأصلى، وبدلا من أن يكون نصا ساحر تقدمه إلى قارئك العربى، تكون قد أفسدت النص، وشوهت هذا الشاعر الكبير فى لغته، حين قدمته لقارئك العربى بشكل مشوه، فلربما اعتبر القارئ أن المشكلة لا تكمن فى المترجم، ولكن تكمن فى الشعر ذاته.
فى كلمات..كيف ترى هؤلاء:
المتنبى؟ ثروة العربية التى لا تنفد.
محيى الدين بن عربى: بحر آخر، لا يستطيع أن يصل إلى ضفافه، إلا كل ذى علم عليم.
السهروردى: حلم الشعراء الذى لا يستطيعونه.
صلاح الدين الأيوبى: أنت بالتأكيد تلمح إلى كونه محاربا حقق نصرا كبيرا من جانب، وعلى الجانب الآخر قتل المفكر والشاعر السهروردى، ويقينى أن هذه هى مأساتنا العربية عبر ثقافتنا وتاريخنا، ما أكثر ما طورد الشعراء وانتهكت حقوقهم على طول التاريخ العربى، وما أكثر ما انتهك مثقفو هذه الأمة ومفكروها.
أبو نواس: حالة وشاهد على الإمكانية الكامنة فى تراثنا ووجودنا الإنسانى، إمكانية أن نقفز إلى أفق لم يخطر ببال.
أدونيس: اكتشف آفاقا ومساحات مجهولة فى الشعر العربى، لم يطأها قلم من قبل.
محمود درويش: آخر شعراء القبيلة فى شعرنا العربى الحديث.
هذا على سبيل المدح أم على سبيل الهجاء؟
ضاحكا، لك أن تتلقاها كما تحب.
محمد الماغوط: خطوة سبقت الخطوات، وسنعرف قيمتها فيما بعد.
إدوار الخراط: حالة فريدة من حالات الأدب المصرى والعربى.
محمد عفيفى مطر: شاعر برى فى زمن حديث مدينى.
رفعت سلام: شاعر ما زال يبحث عن قصيدته إلى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.