في تاريخ الأوطان قضاة يسطرون مجدا لأوطانهم , ويصنعون مقياسا للخير ومفاخر الأمم ، وتضم الدفاتر القضائية أسماء قضاة دخلوا التاريخ، وارتبطت أسمائهم بأحداث تاريخية، ومن بينهم القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة الذي أصدر وثيقة قضائية سابقة عن حق العرب في القدس وحظر نقل رفات حاخام يهودي مدفون في مصر إليها، ورفض نقله إلى إسرائيل لأن مصر بلد التسامح الديني وألغى الاحتفالية السنوية التي كان يأتي إليها الإسرائيليون واليهود في ديسمبر من كل عام لتعارضها مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها، وهو الحكم الذي ارتبط بوجدان الشعب العربي والمصري على السواء أثبت فيه أن السلام لا يتحقق بغياب الحرب وإنما بوجود العدل، ففي عمر الزمان الحق دولة والباطل جولة. وأصدر القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي وثيقة قضائية بإلغاء قرار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى عام 2001 باعتبار ضريح الحاخام اليهودي يعقوب أبو حصيرة والمقابر اليهودية حوله بقرية دميتوه بدمنهور محافظة البحيرة ضمن الآثار الإسلامية والقبطية، لانطوائه على خطأ تاريخي جسيم يمس كيان تراث الشعب المصري. ورفض القاضي المصري طلب إلزام الحكومة المصرية بنقل هذا الضريح إلى إسرائيل استناداً إلى أن مصر بلد التسامح الديني وأن الإسلام يحترم الأديان السماوية وينبذ نبش قبور موتاهم، ودون الاستجابة للطلب الإسرائيلي المبدي لمنظمة اليونسكو بنقل الضريح إلى القدس إعمالا لقواعد القانون الدولي باعتبار أن القدس أرض محتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة وتخرج عن سيادتها , وتلافياً لإضفاء شرعية يهودية الدولة بتكريس سلطة الاحتلال الإسرائيلي بتواجد هذا الضريح على أرض فلسطين العربية، رغم ما تبذله مصر في صبر وأناة كدعاة أمن وسلام. وألزم القاضي المصري الوزير المختص بشئون الآثار بشطب ضريح الحاخام اليهودي لفقدانه الخصائص الأثرية، وبنشر قرار الشطب بالوقائع المصرية، وألزمه كذلك بإبلاغ اللجنة الدولية الحكومية «لجنة التراث العالمي» بمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» بشطب الضريح من سجلات الآثار الإسلامية والقبطية، تطبيقاً للاتفاقية الدولية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، وإعمالا لمبدأ السيادة على الإقليم المصري الكائن به هذا الضريح. كما ألغى القاضي إقامة الاحتفالية السنوية لمولد الحاخام اليهودي بصفة نهائية لمخالفته للنظام العام والآداب العامة وتعارضه مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها. أولاً: لماذا تم إلغاء قرار وزير الثقافة الصادر في بداية الألفية الجديدة باعتبار قبر حاخام يهودي ضمن الآثار الإسلامية والقبطية ؟ قال القاضي المصري في حكمه أن الآثار المصرية قد خلت من ذكر اليهود وخلت جدران المعابد من ثمة دليل على أن اليهود كان لهم شأن يذكر في مصر القديمة، وخلال مدة إقامتهم في مصر الفرعونية لم يثبت التاريخ أن اليهود كانوا قوم حضارة قط، بل كانوا متنقلين يعيشون في الخيام ويرعون الأغنام وكانت مصر درة الأكوان، وهو ما يفسر خلو آثار الفراعنة من ذكرهم ولم يتركوا أثناء إقامتهم في مصر القديمة ثمة أثر يذكر في العصر الفرعوني، ولم يساهموا في الحضارة المصرية القديمة، ولا يمكن عقلاً ومنطقاً اعتبار ضريح حاخام يهودي من قبيل الآثار الإسلامية والقبطية، وإسباغ وصف الأثر الإسلامي والقبطي على مقابر يهودية يمكن أن يثير فتنة بين من ينتمون لهذه الديانات السماوية الثلاث، إذ كيف يكون الأثر إسلامياً وقبطياً حال كون ديانة صاحبه يهودية ! ثانياً : لماذا رفض القاضي المصري طلب نقل رفات حاخام يهودي من مصر إلى إسرائيل ؟ قال القاضي المصري فى حكمه أن مصر بلد التسامح الدينى والإسلام يتخذ موقفاً متسامحاً تجاه الأديان الأخرى ليرسخ مبادئ العدل والمساواة ويحترم موتاهم وينبذ نبش قبورهم بما يحمله ذلك من سماحة وسلام، وبالتالى فإن نقل رفات حاخام يهودى من مصر إلى إسرائيل يتعارض مع سماحة الإسلام ونظرته الكريمة لأهل الكتاب واحترام قبور موتاهم بحسبانها مأوى المرء أياً كانت ديانته بعد مماته، وداره التى يوارى فيها بعد خلاص حياته الدنيوية. ثالثا: لما رفض القاضى المصرى طلب إسرائيل بنقل رفات الحاخام اليهودى من مصر إلى القدس ؟ وقال القاضي في حكمه أن ما صدر عن أجهزة منظمة الأممالمتحدة ووفقا لأحكام القانون الدولي، فإن القدس أرض فلسطين العربية وأن سلطة إسرائيل عليها سلطة احتلال، ويكون القصد من طلب الجانب الإسرائيلي استخدام نقل الرفات لرجل دين يهودى لتهويد القدس العربية، وإضفاء شرعية دولية على القدس بالمخالفة لقواعد القانون الدولي، وبهذه المثابة فإن الأرض – القدس - محل الطلب الإسرائيلي لنقل رفات الحاخام اليهودي إليها، هي أرض مغتصبة من سلطة الاحتلال الإسرائيلي، والأرض المحتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة ولا تدخل فى سيادتها، ولا يكسبها ذلك حقا مهما طال الزمان، ولا يجوز نقل الرفات إليها. رابعا : لماذا تم إلغاء الاحتفالية السنوية لمولد حاخام يهودى ؟ قال القاضي فى حكمه أن الطوائف غير الإسلامية من أهل الكتاب تتمتع بحرية ممارسة شعائرها الدينية طبقاً للدستور المصرى, تفهما واعيا لحرية العقيدة التى حرصت مصر على تقريرها وإعلانها فى كل مناسبة ، وإقامة الاحتفالية يلزم أن يتم فى بيئة تتفق ووقار الشعائر الدينية وطهارتها ولا تكون سبباً فى الاحتكاك بين الطوائف الدينية المختلفة وإثارة الفتن بينها , والثابت أنه يصاحب مظاهر الاحتفال ممارسات تتمثل فى قيام اليهود المحتفلين الزائرين لضريح الحاخام اليهودى باحتساء الخمر وارتكاب الموبقات بما يتعارض مع التقاليد الإسلامية الأصيلة , وخروجاً على ما تتمتع به الشعائر الدينية من وقار وطهارة ، منطويا على إيذاء بالشعور الإنسانى للمسلمين والأقباط على السواء , خاصة وأنهم يرون مقدساتهم الإسلامية والمسيحية تنتهك فى القدس , دون مراعاة لما احتوته الأديان السماوية من قيم واحترام , على الرغم أن القدس أرض محتلة وغير معترف وفقاً لقواعد القانون الدولى بشرعية أى تصرف إسرائيلى فيها ، وهذا ما يثير مشاعر المسلمين بالمساس بأقدس المقدسات الإسلامية بالحرم القدسى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم , كما يثير مشاعر المسيحيين فى بيوت لحم وجالا وجحود ، رغم ما تبذله مصر فى صبر وأناة كدعاة أمن وسلام ، لا حرب ودمار ، وتكون إقامة تلك الاحتفالية فى هذه الظروف مما يمس الأمن العام والسكينة العامة . ولأول مرة في تاريخ المحاكم في العالم يقف الحاضرون بالتصفيق للقاضى الذى دخل التاريخ مثالاً نادراً للوطنية والنزاهة والشرف والبعد القومى فيما يقوم به مرددين تحيا مصر.