انطلقت اليوم الثلاثاء في دبي أعمال منتدى الإعلام العربي في دورته الخامسة عشر بمشاركة حشد من القيادات الإعلامية العربية والمحلية، وكبار الكتّاب والمفكرين في المنطقة العربية ورموز العمل الإعلامي العربي والعالمي، لمناقشة مجموعة من الموضوعات المهمة المتعلقة برسالة المنتدى هذا العام " الإعلام... أبعاد إنسانية". وخلال الجلسة الافتتاحية ألقت الأميرة هيا بنت الحسين، سفيرة الأممالمتحدة للسلام رئيسة مجلس إدارة المدينة العالمية للخدمات الإنسانية الكلمة الرئيسة للمنتدى والتي أكدت فيها على أهمية دور الإعلام في خدمة الإنسانية،مشيرة إلى أثر الاضطرابات السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة العربية في تهميش الجانب الإنساني، ووضع تلك الأزمات الإنسانية ضمن قائمة طويلة من الاهتمامات الإعلامية. وتطرقت كذلك إلى التأثيرات السلبية التي خلفتها التغييرات السياسية والاجتماعية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وقالت ها إن تلك التغييرات شوّهت صورة ديننا الحنيف، وزادت من حجم الفجوة في فهم الغرب لحقيقة الإنسان العربي، الأمر الذي وضعنا كعرب ضمن صورة نمطية خاطئة ومسيئة. وتحدثت الأميرة عن وجود محاولات جادة لدحض تلك الصورة المشوهة، وإظهار الروح السمحة للإسلام، وقالت: "لاحظت وجود العديد من المحاولات والجهود المبذولة في الإعلام العربي للتفريق بين الفكر الظلامي لفئة ضالة لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد وبين فكر التسامح واحترام الإنسان وحقوقه بصرف النظر عن دينه، أو عرقه أو جنسه". ونوهت أن دولة الإمارات تضع ذلك النهج موضع التطبيق العملي والذي تجسد في مبادرة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم باستحداث حقيبتين وزاريتين ضمن تشكيلة حكومة دولة الإمارات إحداهما للتسامح والأخرى للسعادة، بما كان لتلك الخطوة التاريخية من أثر كبير على الصعيد العالمي إذ قوبلت تلك المبادرة بردود فعل شعبية واسعة على مستوى العالم، وخصوصاً في أوساط الشباب الذين طالبوا حكوماتهم بالسير على نهج دولة الإمارات. وأكدت الأميرة هيا بنت الحسين أن الشيخ محمد بن راشد يحرص دائما على أن يكون قدوة للآخرين في التواضع والتسامح ومساعدة الناس، على الرغم من حجم مسؤولياته كنائب لرئيس الدولة ورئيس لمجلس الوزراء وحاكم لإمارة دبي، سيراً على نهج الآباء المؤسسين، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما. وخلال الكلمة الرئيسة للمنتدى، تناولت الأميرة هيا بنت الحسين أثر الإعلام المجتمعي الجديد وانتشار منصات التواصل الاجتماعي التي ساهمت بصورة كبيرة في جعل الأفراد أكثر قدرة على تناقل المعلومات والأخبار. وتطرقت الأميرة هيا إلى مسألة المهنية الإعلامية وقالت إن في ذات الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات الصادرة عن الحكومات للإعلاميين بإتباع أرقى المعايير المهنية مع كون المصداقية والمعرفة والمهنية تشكل صلب العمل الإعلامي، فلابد أيضا من التأكيد على حق الإعلامي والإعلامية في أي مكان في عالمنا العربي في العيش بكرامة. مشيرة إلى أن 110 من الإعلاميين قضوا في العام 2015 كضحايا للنزاعات المسلحة والحروب، وداعية إلى منح الإعلاميين الحقوق المناسبة التي تؤمن لهم العيش الكريم. في الوقت نفسه، دعت الأميرة هيا بنت الحسين إلى رفع القيود عن الإعلام لكي يقوم بدوره في نقل الصورة الحقيقية إلى المجتمع، مع التأكيد على ضرورة احترام القوانين التي تحافظ على حقوق الجميع، حيث يبقى الجميع سواسية أمام القانون. كما دعت ها إلى العمل تحت مظلة منتدى الإعلام العربي لوضع ميثاق شرف جديد للمهنة، يضمن أكبر نسبة من التوافق بين جميع الأطراف دون استثناء. ونوهت بأهمية الموضوع الرئيسي لمنتدى الإعلام العربي هذا العام، والذي وصفته بأنه "قريب جداً" إلى نفسها وهو الجانب الإنساني، الذي يشكل عنوان المنتدى في دورته الخامسة عشرة، وقالت ها: "نحن نسمع عن صناعة الإعلام، ولكن هل يمكن لنا ان نهتم بالكوارث الإنسانية في عالمنا العربي، من جانب البُعد الحضاري والقيم الإنسانية وليس الصناعة، وبالتالي إعطاء المساحة المناسبة والمعلومات الصحيحة في الإعلام؟" وتساءلت عن مدى الاهتمام الذي يمنحه الإعلام للجهود الإنسانية في المنطقة بما فيها الدور الكبير الذي تلعبه دولة الإمارات بتوجيهات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ومتابعة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وضربت مثالا بمبادرة ه في الوقوف إلى جانب الأطفال والشيوخ والنساء الأبرياء في غزة عام 2014 جراء الهجوم الغاشم الذي قصفت فيه قوات الاحتلال المستشفى الذي لجأوا إليه كمكان آمن، حيث بادرت دولة الإمارات على الفور بإرسال مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية لغوثهم. وتحدثت الأميرة هيا بنت الحسين عن أثر منصات التواصل الاجتماعي في بناء جسور تواصل فعالة بين القادة وشعوبهم، وضربت مثال بالاهتمام الذي يوليه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتوظيف الأمثل لتلك المنصات كوسيلة للوصول ليس فقط إلى المواطن الإماراتي والمقيم بل أيضاً للتواصل مع الإنسان أينما كان . وعن علاقة المنطقة بالإعلام الغربي، قالت الأميرة هيا بنت الحسين إن البعض يصف الإعلام الغربي بالمزاجية في اختيار الأخبار من منطقتنا، وتساءلت ها قائلة: "كم وسيلة إعلام عالمية سلطت الضوء على البُعد الإنساني لمبادرة دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وشقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مد يد الأخوّة للشقيقة الكبرى مصر ومساعدتها في إعادة البناء ودعم الاقتصاد وتوفير فرص العمل للملايين؟ مصر، التي قادتها رائدة عالم التواصل والعلاقات الإستراتيجية في التاريخ، الملكة كليوباترا، بحسب العديد من الدراسات ومصر ذاتها التي يشكل الشباب النسبة الأعلى من سكانها، والشباب هم مصدر أملنا بالمستقبل". وخلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى الإعلام العربي، ألقى ناصر جودة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين بالمملكة الأردنية الهاشمية كلمة تناول فيها مجمل الأوضاع الإنسانية التي تواجهها المنطقة جراء القضايا السياسية والنزاعات في المنطقة خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في سورياوالعراق وكذلك انتشار ظاهرة الإرهاب والتطرف وما خلفه من تشويه لصورة لديننا الإسلامي الحنيف، متناولا دور الإعلام في التصدي لمختلف تلك القضايا ومسؤوليته في تصحيح الصورة المغلوطة عن واقعنا العربي والإسلامي مع أهمية تقديم رسالة تحصن الشباب في الوقوع في فخ التنظيمات الإرهابية. وأضاف: " أمام هذا العنوان الكبير "الإعلام... أبعاد إنسانية وبنظرةٍ إلى قضايا منطقتِنا، وما تشهدُه من صراعاتٍ داميةٍ، وأزماتٍ أخذت ؛ يغيبُ، في كثير من التغطياتِ والمتابعات الإعلامية، البعدُ الإنسانيُّ لما يحدث، ويأخذُنا الاصطفافُ السياسيُ أحياناً، أو العملُ التقنيُ المجردُ أحياناً أخرى، للتعاملِ مع الأحداثِ بمعزلٍ عن عمقِها الإنساني، وعن جوهرِ الصراع وجذوره." وأوضح أن المنطقةُ مرت خلال السنوات الست الماضية، وما زالت، بواحدة من أصعب مراحلها، حيث تتشابك الاستحقاقاتُ، وتتبدل الأولويات، وهو ما فرض نفسه، بشكل جلي، على الأجندة الإعلامية، تغطيةً وتحليلاً ومتابعةً، وربما اصطفافاً وانقساماً معاً. واستعرض ناصر الجودة مجمل الأحداث التي شهدتها وتشهدها المنطقة وكانت سببا في خلق أوضاع إنسانية استثنائية بالغة القسوة بما في ذلك تطورات القضية الفلسطينية والتي أكد فيها موقف الأردن الثابت أن هذا الصراع لن ينتهي إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل ترابها الوطني على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، استنادا إلى المرجعيات والشرعية الدولية وبصفة خاصة مبادرة السلام العربية. كما تطرق الوزير إلى الأزمةِ السوريّةِ والتي تدخل عامَها السادسَ، وبكل ما نجمَ عنها من قتلٍ وتشريد وترويع، ومأساةٍ إنسانية مؤلمة، مشيرا إلى قناعة الأردن بأن الحلَ الوحيدَ؛ هو الحلُ السياسي، في سياقٍ يكفل تحقيقَ طموحات الشعب السوري ويحافظ على وحدة سوريا الترابية واستقلالها ويرمم نسيجها المجتمعي ويعيد الاستقرار والأمن إليها ويسهم في التصدي للإرهاب فيها، من خلال الانتقال إلى واقع سياسي جديد، كما تناول جودة في كلمته أيضا الأوضاع في العراق الشقيق. ونبّه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين في الأردن إلى خطورة امتلاك التطرف منابرَ إعلاميةً مؤثرةً وتصلُ إلى قطاعات الشباب، وقال إن الإرهاب بات يستثمرُ ثورة التكنولوجيا الحديثة، لبثَّ أكثرَ الرسائلِ ظلاميةً وسوداويةً، وعَمِلَ على تشويه صورةِ الإسلام الحنيفِ، واختطافِ مبادئه السمحةِ؛ الأمر الذي بات يمثل تحديا رئيسياً للمنطقة.