أرواح المواطنين الأبرياء لا تزال تحصدها الحوادث المتكررة بلا رادع على مزلقانات السكك الحديدية وخاصة في مركز العياط بالجيزة.. شلالات من الدماء البريئة قد لا تجف قريبًا إلا إذا تنبه المسئولون للخلل في هذه المنطقة بعيدًا عن الوعود البراقة التي بهتت بفعل الأيام. تحولت العياط إلى مقبرة للقطارات، والأهالي الذين يمرون يوميا بمزلقانات الموت، بسبب سوء الرقابة، والإهمال وضعف الإمكانات بهيئة سكك حديد مصر، حيث شهدت المنطقة كوارث راح ضحيتها مئات المصريين، سواء حرقا داخل عربات القطارات المتهالكة، أو على القضبان، فيما تكتفي الدولة بفتح تحقيقات في الوقائع، دون الوصول إلى نتائج. العديد من حوادث القطارات، التي أودت بحياة مواطنين أبرياء، لا ذنب لهم سوى استقلال قطار الغلابة وقعت في مركز العياط الذي يشمل مدينة العياط و7 قرى أخرى، ولا زالت تلاحقهم حتى الآن، نتيجة الإهمال والتقصير وسوء الرقابة وضعف إمكانات هيئة السكك الحديدية. وكان آخر تلك الحوادث، الحادث الذي وقع اليوم، الأحد 31 يناير، أمام قرية البليدة بمركز العياط عندما اقتحمت سيارة ربع نقل محملة بالعمال، مزلقان البليدة أثناء مسير القطار رقم ٩٧٨ مكيف "القاهرة-أسيوط" مما أدى إلى اصطدام السيارة بالقطار الذي أكمل مسيره. وأكدت تحريات أجهزة الأمن الأولية، أن سبب الحادث هو الشبورة المائية وحجب رؤية السائق عن الوصول إلى المزلقان، ما أسفر عن مصرع ستة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين هم ركاب السيارة. وانتقل فريق من النيابة إلى المستشفى العام بالعياط، لمناظرة جثث الضحايا، وأمرت بدفنها مع عدم التشريح لعدم وجود شبهة جنائية حول الحادث، لكون سبب الوفاة معلوم، وطلب تحريات الأجهزة الأمنية حول الواقعة للوقوف على ملابسات الحادث، والتحفظ على السيارة المتضررة وعرضها على مهندس فنى لفحصها، وانتداب لجنه من السكة الحديد لفحص القطار. وهكذا تمر الحوادث رغم مرارتها مرور الكرام على المسئولين، وكأن شيئًا لم يكن حتى نستيقظ على كارثة أخرى، دون الوصول إلى نتائج، بالإضافة إلى الأعمال الإرهابية والتخريبية للسكة الحديد والتي زادت من الطين بلة.. وفي المقابل تكتفي الدولة بفتح تحقيقات في الوقائع فقط. وأعاد حادث قطار قرية "البليدة" الذي وقع اليوم إلى الأذهان حادث قطار العياط في عام 2002 والذي راح ضحيته أكثر من 350 مواطنًا، حيث اندلعت النيران في طريق القطار من القاهرة إلى أسوان في إحدى عرباته عقب مغادرته مدينة العياط عند قرية ميت القائد وتابع القطار سيره لمسافة 9 كيلومترات والنيران مشتعلة فيه. وقام بعض الركاب بكسر النوافذ الزجاجية للقطار، وألقوا بأنفسهم خارج القطار، مما تسبب في غرقهم في ترعة الإبراهيمية، فيما قام قائد القطار بفصل العربات السبع الأمامية عن العربات المحترقة، وأخطر الجهات المعنية بالحادث، ثم واصل رحلته خشية توقفه وحدوث كارثة جديدة. وأكد الناجون أنهم شاهدوا دخانا كثيفا ينبعث من العربة الأخيرة للقطار، ثم اندلعت النيران بها وامتدت بسرعة إلي باقي العربات الأخيرة، والتي كانت مكدسة بالركاب المسافرين لقضاء عطلة عيد الأضحى في مراكزهم وقراهم في صعيد مصر. ويعد حادث قطار العياط 2002 هو الحادث الأسوأ في تاريخ السكك الحديدية المصرية، أي منذ أكثر من 150 عامًا، وأحيل على إثرها 11 مسئولًا بهيئة السكك الحديدية للمحاكمة بتهمة الإهمال التي أودت بحياة المئات. وشهدت منطقة "كفر عمار"، في أكتوبر عام 2009، حاث تصادم القطار رقم 188 القادم من أسوان إلى القاهرة بمؤخرة القطار رقم 155 المتجه من الجيزة إلى الفيوم، وذلك ما بين محطتي "كفر عمار والرقة"، مما نتج عنه مصرع 30 شخصًا وأصيب 58 آخرين، وقام وزير النقل والمواصلات محمد لطفي منصور بتقديم استقالته على خلفية هذا الحادث. وكان سبب الحادث بسبب "جاموسة" حيث تعطل القطار رقم 155 بقرية جرزا بالعياط بسبب إصطدامه بجاموسة مما تسبب في تعطله لمدة 25 دقيقة ولم يقم السائق بإخطار المسئولين لتخزين قطار الصعيد رقم 188 القادم على نفس الخط مما تسبب في اصطدامه بالقطار من الخلف مما تسبب فى تحطم آخر سيارتين بالقطار رقم 152 بسبب سرعة قطار الصعيد. وفي أكتوبر 2010 صدم القطار رقم 82 والقادم من القاهرة والمتجه إلى الصعيد سيارة نقل "تريلا" رقم 7239مصر والتي كانت محملة بكمية كبيرة بالطوب الأحمر وأصابها عطل مفاجئ أثناء عبورها مزلقان الدناوية التابعة لمركز العياط. وفي 23 يونيو 2011 لقي طالب مصرعه تحت عجلات أحد القطارات والذي دهسه أثناء عبوره شريط السكة الحديد بالقرب من مزلقان كفر جرزا بالعياط، مما أدى لوفاته فى الحال. وفي يوليو 2012 اصطدم قطار الركاب رقم 162 بالقطار رقم 990 القاهرة – سوهاج"، وأسفر الحادث عن إصابة 15 مواطنًا. وفي يناير عام 2013 اصطدم قطار البدرشين، والذي كان يقل عددا من المجندين قادما من الصعيد، ومتجها إلى القاهرة بقطار بضائع بمدينة البدرشين بالقرب من كوبري أبوربع، وأدى هذا الحادث إلى وفاة 18 مجندا، وإصابة 120 آخرين. وفي 4 مارس 2014 انفجر "موتوسيكل" أسفل جرار القطار رقم 90 المتوجه من القاهره إلى أسوان وبعد اصطدام القطار بالموتوسيكل اثناء عبوره مزلقان قرية كفر عمار التابعة لمركز العياط مما أدى الى انفصال الموتوسيكل أسفل الجرار وانفجاره ونتج عنه اشتعال النيران بالجرار الأمر الذي أدى إلى وفاة شخص وإصابة آخر. ولقي مواطن في 17 أبريل 2014، مصرعه اثر سقوطه من القطار رقم 80 المتجه من القاهرة إلي أسوان، بقرية البليدة التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة، نتيجة التدافع علي الأبواب. وفي أغسطس 2014، لقى ثلاثة شباب حتفهم في أثناء عبورهم السكة الحديدية بمنطقة العياط نتيجة غياب وتقصير عامل المزلقان. وفي 17 يناير 2015، وقع حادث نتيجة لتلف القضبان وخروج القطار رقم 88 القادم من أسيوط باتجاه القاهرة عن قضبان السكة الحديد بقرية بمها بمركز العياط واصطدم بسيارة نقل "تريلا"، تصادف وجودها في الطريق فى الوقت ذاته، ما أدى إلى إصابة سائقها واثنين آخرين. وفي 20 أغسطس 2015 لقيت سيدة مصرعها، بعد أن دهسها قطار العياط، وحول جثتها إلى أشلاء أثناء عبورها شريط القطارات أمام قرية كفر عمار بالعياط. وفي 12 يناير 2016 وقع حادث انفجار عربتين داخل قطار بضائع أثناء مروره بقرية أولاد نجم بمركز العياط، حيث تسللت عناصر إرهابية إلى القطار أثناء توقفه بالقرية، وزرعت تلك عبوات ناسفة وتسببت في خروج العربتين عن شريط السكة الحديد عند الكيلو 50، وقطع في القضبان ما تسبب في توقف حركة القطارات. ومن المفارقات أن مدينة العياط تشهد الأحد من كل أسبوع أمواج متلاطمة من البشر في سوق كبير يضم الباعة الجائلين وبائعي الطيور والخضروات والفاكهة.. اليوم الذي يشهد حوادث متكررة.. ويفصل هذا السوق مزلقان السكة الحديد الذي لا يزيد عرضه على بضعة أمتار قليلة، على شريط السكة الحديد، ذلك الذي شهد حوادث مروعة، منها تصادم قطارين في عام 2009، وحادث تصادم قطار بسيارة العام الماضي، فضلا عن حوادث دهس عديدة للمارة.. وكأن المشهد يصور أن هؤلاء البشر مقدمون على "انتحار جماعي" تحت عجلات القطار. ونستخلص مما سبق أن مدينة ومركز العياط تشهد حوادث مزلقانات وقطارات متكررة وإذ لم ينتبه المسئولون إلى تلك الحوادث ستزيد في الفترة القادمة حصيلة القتلى والمصابين نتيجة تكرار تلك الحوادث دون حل جذري للمشكلة.. كما أن منظومة السكك الحديدية في مصر تحتاج إلى إعادة تخطيط بالكامل، خاصة وأنها قطاع خدمي ينقل ملايين المواطنين وبدونها ستتوقف الحياة.. وإذا كان العنصر البشري هو المسئول الأول في كافة حوادث القطارات، فعلى المسئولين البحث عن وسائل تردع هؤلاء عن تلك الأفعال التي تؤدي في النهاية الى إراقة أرواح بريئة بدون أي ذنب، بالإضافة إلى تطبيق القوانين بمنتهى الحسم والاستمرار في الحملات والجولات، وتجديد قطارات الغلابة المتهالكة والتي عفى عليها الزمن، حتى يشعر المواطن بآدميته واحترامه.