عندما أقرأ تصريحاتهم أو اسمعها، يُخيل لي أنهم يعيشون في بلد آخر غير الذي نعيش فيه، أو أنهم يتحدثون عن عالم افتراضي لا علاقة له بالواقع المتنافر مع عالمهم! فالمسئول الذي يتحدث عن إنهاء إجراءات تأسيس شركة خلال ساعتين، أو عن تقديم خدمة من الخدمات عبر شباك واحد، لا يرتبط بالواقع الذي حوله، ويختلف جذرياً عما يتحدث عنه. فالزمن الذي يقدره لإنهاء إجراءات تأسيس شركة، لا يكفي لسداد فاتورة كهرباء أو مياه، ولو أن هذا المسئول ذهب بنفسه إلي أحد منافذ سداد تلك الفواتير، لاكتشف الحقيقة دون أي مبالغة، عشرات المواطنين يقفون أمام شباك بكشك ألوميتال بالساعات حتي يسددوا فاتورة، أو أكثر تراكمت عليهم بسبب عدم قيام الموظف المختص بعمله في تحصيل الفاتورة! لم ولن يفعل المسئول، لأنه يكتفي بالتصريحات، حتي يرحل وتظل المشكلة قائمة كما هي، نبحث عن أسبابها، وتارة نقول إنها بسبب نقص العمالة وأخري عدم انضباط، وتعقد الاجتماعات ويتم إصدار القرارات ولا تنفذ، وتظل الحلقة المفقودة مفقودة لندور في دائرة ليس لها نهاية. مثل هذه التصريحات، تعد أحد الأسباب الرئيسية لانعدام الثقة بين المواطن والحكومة، فالمواطن عندما يجد نفسه واقفا في طابور لساعات طويلة لإنجاز خدمة، لن يصدق أن إنهاء إجراءات كانت تستغرق بالشهور أو العام، يمكن أن تتم خلال ساعتين، حتي ولو كان الأمر حقيقيا، لأنه يعتبر الواقع الذي يعيشه هو المقياس الذي يستطيع أن يحكم عليه. كما أنه لا يعفي الحكومة حتي وإن كان توجهها دفع عجلة الاستثمار وزيادة معدلات النمو والإنتاج، ألا نلتفت إلي المواطن وهو الذي تؤكد الحكومة دوماً أنه يحظي بالأولوية في مهام عملها، مما يلزمها بضرورة أن تترجم كلامها إلي أفعال علي أرض الواقع تكسبها ثقة المواطن ووقوفه إلي جانبها في مواجهة أي تحديات تلاقيها. لأكثر من مرة أكدت وسأظل أؤكد أن تحسين الخدمات المقدمة لجماهير المواطنين مطلب ممكن التحقق وليست الأعباء المالية هي العائق له، ربما تكون جزءا ولكنها ليست كل المشكلة. وتستطيع الحكومة أن تنجح في حسم هذا الملف الذي طال عمره لسنوات طويلة عبر حكومات متعاقبة بالتنظيم وبتطبيق مبدأ الثواب والعقاب. هناك نسبة كبيرة من الموظفين تحصل علي رواتبها وحوافزها بالكامل وهي لا تعمل، والمؤسف أنهم أصحاب الأصوات العالية، التي لا تكف عن المطالبة. لن تحسن خدمات المواطنين بالتصريحات ولا بالزيارات المعروفة مسبقا، ولكنها ستحل بوقوف المسئول في الطابور والذهاب للمكان مرة ومائة مرة حتي يتأكد من زوال المشكلات ويعاقب المقصر ويثيب المجتهد في عمله. المشكلة ليست مستعصية الحل.