لخص الرئيس عبدالفتاح السيسي مشاعره تجاه شباب مصر، قائلا: «أي أب يحب أولاده ويحترمهم، يريدهم أن يكونوا أفضل منه». هذه المقولة هي كل ما يتمناه أي أب لأبنائه. إذا كان الأب يأمل أن يجد ابنه عملاً أفضل، ودخلاً أكبر، ومعيشة أرقي، وأن يحقق ما لم يستطع أن يحرزه هو في حياته. فالرئيس يريد لهذا الجيل من الشباب، أن يكون حاضره أسعد من أيام شبابه هو، وأن يكون مستقبله أفضل من الأيام التي نعيشها الآن. لذا يعمل لتحسين وجه الحاضر، وعينه علي الغد الذي يحلم به لبلاده وأبنائها. عاش الرئيس في صباه وشبابه، أيام الهزيمة، وجرح الكرامة، واحتلال الأرض، عاش أيام الضنك والقمع وكبت الحرية، عاش سنوات الجمود والتراجع والفرص الضائعة، عاني ككل المصريين، وتألم ككل الشباب، وحين أتت به الأقدار وجاءت به إرادة الأمة، نذر نفسه لتكون تلك الأيام ذكري ولت ولن تعود، أو تاريخاً غير قابل للتكرار.
يؤمن الرئيس، بأنه لا مستقبل لأمة، تُهمش شبابها. مع ذلك ثمة من يحاول افتعال خصومة بين الدولة والشباب، أو يلح علي وجودها، ويسعي لتحويل اختلافات الرؤي إلي شرخ ثم هوة. ثمة من يعمل علي ذلك، إما بعدم دراية أو بسوء تصرف، ولا أعفي هنا بعض جهات رسمية من المسئولية وكذلك بعض الإعلاميين من جرحي ثورة ٢٥ يناير. وإما بقصد وعمد مع سبق الإصرار، وأعني هنا جماعة الإخوان المسلمين ومعها تيارات غير ناضجة اعتادت التأرجح في مواقفها وتحالفاتها كبندول الساعة. وإما باعتقاد غريب الشأن من جانب مجموعات شبابية متحمسة أو جانحة في ثوريتها، مفاده أن اندماج الشباب في المشروع الوطني لدولة ٣٠ يونيو هو خيانة لثورة ٢٥ يناير، وعمالة للنظام الحاكم، وكأن الثورة الثانية ليست هي المتممة لأهداف الثورة الأولي، وكأن النظام لم يختره الشعب ولم تأت به الجماهير! علي الفضاء الإلكتروني، تجد من يسعي سعياً محموماً لتحويل عيد ثورة ٢٥ يناير، إلي يوم للخصومة بين الشباب والدولة، والحق أنه يريدها خصومة بين الشباب وباقي شرائح المجتمع، لقطع الطريق علي مستقبل هذا البلد.
لست أقول إنه لا يوجد مبرر لغضب بعض الشباب إزاء تعامل أمني يخلط أحيانا بين الميليشيات الإخوانية المسلحة وبين مظاهرات الحناجر لشباب مسيَّس جانح في حماسه أو مواقفه لكنه سلمي يخاصم جماعة الإخوان أفكارها ونهجها وخرج مع من خرجوا في ثورة ٣٠ يونيو. لكني بصراحة أقول إن ذلك ليس عذراً لنشر الأفكار العدمية، وتسويد صورة كل شيء علي أرض مصر، والتيئيس من جدوي كل خطوة إيجابية، والتشكيك في كل إنجاز، وتصديق الشائعات دون تفكير، وتكذيب الحقائق دون نظر. لا عذر لهؤلاء لأنه المفترض في الشباب المتحمس المسيَّس أنه أكثر وعيا من غيره، وأوسع دراية، بأن الغياب عن المشاركة في رسم المستقبل، معناه تفويض آخرين في صنع غد، لن يكونوا موجودين فيه ولا حاضرين بسنن الحياة ونواميسها. الدولة لا تخاصم الشباب، حتي المجموعات التي تتصور أنها وحدها تمثل ثورة ٢٥ يناير، أو التي تصور أنها تتحدث باسم غيرها من غالبية الشباب، لا يجب تهميشها أو إهمالها، ولا أظن رأس الدولة يريد لها إلا الوعي بالمخاطر التي تتهدد الوطن، والمساهمة في بناء الوطن والمشاركة مع أقرانهم في رسم المستقبل.
شاهدت الرئيس السيسي أمس في يوم الشباب المصري يقول إن هذا اليوم من أسعد أيام حياته. أظن الرئيس كان يعبر عن إعجابه بالنماذج التي رآها في فيلم تسجيلي، لشباب منهم شبه الكفيف والمعاق ورقيق الحال، لكنهم «عافروا» كما قالت واحدة منهم، ليغيروا واقعهم، وتحدوا مصاعب العجز والفقر، وصنعوا لأنفسهم فرصة تحقيق الذات في الرياضة والتعليم الراقي والمخترعات، وحفروا بأيديهم طريقهم الصعب إلي المستقبل. وسمعت الرئيس يطرح حزمة من قرارات وإجراءات، كل واحدة منها تستحق خطاباً ويوماً، وكلها من أجل الشباب من مختلف طبقات المجتمع ومختلف أرجاء البلاد.. سمعنا قراراً يتعلق بوضع برنامج شامل لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتخصيص ٢٠٠ مليار جنيه قروضا من القطاع المصرفي خلال السنوات الأربع المقبلة، لإنشاء ٣٥٠ ألف شركة صغيرة ومتوسطة توفر ٤ ملايين فرصة عمل. سمعنا قرارا آخر بخفض سعر الفائدة علي المشروعات متناهية الصغر إلي ٥٪ ويريدها الرئيس أقل، سمعنا عن توفير ٢٠ مليار جنيه لإنشاء ١٤٥ ألف شقة من الإسكان الاجتماعي للشباب، وتخصيص نسبة من مشروع المليون ونصف المليون فدان للشباب مع توفير التمويل اللازم لهم. سمعنا عن تنظيم دوريات رياضية راقية علي مستوي المدارس والجامعات في مراكز الشباب التي قام المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة الهمام بتطوير ٢٧٠٠ مركز منها، وسينتهي من تطوير الباقي وعددها ١٣٠٠ مركز هذا العام. أعلن الرئيس عن تشكيل لجنة متخصصة لتطوير المناهج الدراسية في كل المراحل تنتهي من عملها خلال ٣ شهور، وأخري لإحياء دور قصور الثقافة. وسمعناه يعلن عن إنشاء منتدي للحوار مع الشباب، لبلورة صيغة متكاملة لرؤية شباب مصر، تُعرض علي مؤتمر قومي للشباب بشرم الشيخ في سبتمبر المقبل، ولعل هذا المؤتمر يتحول إلي كيان جامع للشباب المصري.
علي أن أهم ما علمت به بعد انتهاء اللقاء، أن الرئيس بصدد إصدار قرار بالعفو عن مجموعة من الشباب المحبوس هذا الأسبوع قبيل حلول عيد ثورة ٢٥ يناير. هذا الوطن كما قال الرئيس ليس خاصاً بفئة دون أخري وليس مصادراً لحساب جماعة أو تيار أو فصيل.. إنما هو وطن لكل أبناء الشعب يشكل حاضره ومستقبله جميع الوطنيين. لا يخاصم الأب ابنه، ولا الدولة شبابها. الحماس ليس نقيصة إلا عندما يفارق الوعي.. وعلينا أسراً ودولة أن نحوله إلي طاقة بناء وتغيير لنصنع ومعنا شبابنا وطنا أفضل للأجيال القادمة