أيام قليلة ويصبح مجلس النواب في مصر حقيقة واقعة، وبالتالي يتم استكمال خارطة الطريق التي رسمتها ثورة ٣٠ يونيو بعد الإطاحة بحكم الإخوان الإرهابيين، وبهذا يكون لدينا سلطة تشريعية قائمة نستكمل بها سلطتي الدولة التنفيذية والقضائية. حفلت الانتخابات البرلمانية بالعديد من الإيجابيات التي تبعث علي التفاؤل بإقامة مجتمع ديمقراطي حقيقي، حيث لم يعد لوزارة الداخلية الدور الأكبر في الإشراف علي عملية الانتخابات بفضل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي أقر تشكيل لجنة قضائية عليا تشرف علي العملية الانتخابية بالكامل بداية من إعداد جداول الناخبين من واقع بيانات الرقم القومي، مرورا بتعيين قاض لكل صندوق، وحق منظمات المجتمع المدني في متابعة اللجان الانتخابية، وانتهاء بشفافية فرز الأصوات وإعلان النتائج. كما تميزت انتخابات مجلس النواب الحالي بأكبر قدر من الحرية والشفافية بالمقارنة بجميع الانتخابات السابقة، حيث لم تشهد أي حالات تزوير أو تلاعب في الصناديق أو النتائج وهي خطوة رائعة تستحق البناء عليها. ومن الإيجابيات أيضا نجاح عدد كبير نسبيا من النساء والأقباط والشباب مما يعد نتاجا مهما لتأثير الثورة علي تلك الفئات التي لم تعد مهمشة، وتفعيلا للتمييز الإيجابي لتلك الفئات علي النحو الذي يدفع المجتمع للأفضل. ومن الظواهر الإيجابية ظهور أحزاب جديدة حازت علي مقاعد كبيرة نسبيا مثل حزب المصريين الأحرار وحزب مستقبل وطن، فضلا عن تواجد ملموس لحزب الوفد. إن وجود البرلمان الجديد سوف يحسن صورة مصر الخارجية حيث أكد جيمس موران سفير الاتحاد الأوربي بالقاهرة أن العام القادم سيشهد تطورا في العلاقات المصرية الأوربية بعد وجود البرلمان لاستكمال ما توقفت عنده العلاقات في بعض المجالات بسبب عدم وجود برلمان. أما عن أبرز سلبيات الانتخابات البرلمانية فيأتي في مقدمتها استخدام المال السياسي بكثافة عالية خلال مرحلتي الانتخابات، وقد تفاقمت الأمور في المرحلة الثانية خاصة في الدوائر التي يعاني أبناؤها من الفقر ويقطنون الأماكن العشوائية وهو ما ينتقص من نزاهة الانتخابات لمخالفة المادة (٦٥) من قانون مباشرة الحقوق السياسية والتي تنص علي : « يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من أعطي آخر أو عرض أو التزم بأن يعطيه فائدة لنفسه أو لغيره لكي يحمله علي الامتناع عن إبداء الرأي علي وجه معين، ولرئيس اللجنة العليا للانتخابات الحق في إبطال الأصوات الانتخابية الناتجة عن ارتكاب هذه الجريمة». ومن أبرز السلبيات أيضا عزوف نسبة كبيرة من الناخبين عن المشاركة بما يتناقض مع أهداف الثورتين، وبما يؤكد ضعف التواجد الحزبي بالشارع كأحد مظاهر قلة الوعي السياسي وما ترتب عليه من تكريس النزعة القبلية والعائلية كعنصر حاكم في الاختيار بين المترشحين، وتشير هذه الظاهرة إلي ضعف الأحزاب السياسية وعدم قدرتها علي اجتذاب الشباب والوصول لجميع المدن والقري والنجوع. ومن المظاهر السلبية أيضآ عدم وجود برامج واضحة للمترشحين، واتهام بعضهم البعض بكل أنواع السب والقذف وانتهاك الشرف والأعراض سواء في المؤتمرات العامة أو عبر وسائل الإعلام الجماهيرية. وأخيرا سلبية نظام القوائم الانتخابية المطلقة باعتباره بدعة لا تعكس توجها سياسيا حقيقيا، وإنما تجميع لبعض الأشخاص ذوي الاتجاهات المتنافرة للاستحواذ علي المقاعد المخصصة للقوائم دون أي قدر من التجانس أو الرؤية الموحدة سوي الأمور التي لا خلاف عليها بين جميع المصريين من الحفاظ علي أركان الدولة ومكافحة الإرهاب وتحقيق العدالة الاجتماعية.