القاهرة – أ ش أ في الوقت الذي يواجه زعماء أوروبا ضغطا عالميا مكثفا لتجنب وقوع انهيار اقتصادي كارثي محتمل مع تصاعد المشاكل المالية في اقتصاديات منطقة اليورو في اليونان واسبانيا وايطاليا، فان حكومة اليونان الائتلافية الجديدة، التي تشكلت منذ أقل من أسبوعين تطلب مهلة عامين لتطبيق الشروط القاسية لحزمة برنامج الإنقاذ الذي قدمه صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. ويرى الخبراء السياسيون أن هذه الحكومة الجديدة بمثابة اختبار هام لآمال أثينا في إعادة التفاوض حول بعض شروط سياسة التقشف التي وافقت عليها في مقابل الحصول على مليارات اليورو كقروض إنقاذ من صندوق النقد الدولي وبعض دول الاتحاد الاوروبي الأخرى المشتركة معها في عملة اليورو. إذ أعلنت الاحزاب الثلاثة المشاركة في الحكومة اليونانية الجديدة – التي تتألف من الحزب المحافظ "الديمقراطية الجديدة"، ومنافسه الاشتراكي لفترة طويلة حزب"الباسوك"، وحزب اليسار الديمقراطي الصغير - وضع مقترحات يأملون ان تضمن المستقبل الاقتصادي للبلاد و في نفس الوقت الاحتفاظ بالمساعدات المالية من المؤسسات الدولية. وبالفعل أصدرت الحكومة الجديدة التي يترأسها سامراس، بيانا سياسيا تضمن التغييرات الاساسية التي ترغب في ادخالها على شروط برنامج الانقاذ الوطني. تضمنت تلك التغييرات الغاء بعض الزيادات الكبيرة في الضرائب ، وتجميد عملية تسريح العاملين في القطاع العام ومد فترة الموعد النهائي لتنفيذ إجراءات التقشف لمدة عامين حتى منتصف 2014. ويقول المحللون ان العنصر الاساسي الذي تطرحه الحكومة اليونانية الجديدة هو الحصول على "فترة تكيف" قبل اتخاذ خطوات مثل زيادة الضرائب وخفض الانفاق الحكومي وذلك لفترة عامين. اذ يتطلع الائتلاف الحكومي الي خفض ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الزراعية بالاضافة الي المقاهي والحانات والمطاعم. كما ترغب الحكومة الائتلافية في الاستمرار في دفع إعانة البطالة لمدة عامين و ليس عام واحد فقط. وفي نفس الوقت ، تعمل الحكومة الجديدة على وضع خطة لمدة عشر سنوات للخروج بالبلاد من ازمتها المالية الحالية. و جاءت المقترحات بعد اسبوع واحد من نتيجة الانتخابات التي أعطت حزب الديمقراطية الجديدة التقدم بفارق طفيف على حزب سيريزا المعارض لبرنامج الإنقاذ. من ناحية أخرى ، عرض شركاء اليونان في منطقة اليورو إجراء تعديلات وليس إعادة كتابة كاملة لشروط حزمة الإنقاذ، مع معارضة المانية بصفة خاصة - وهى الدولة المقرضة الرئيسية - لمطالب اليونانيين بإظهار بعض التساهل والليونة. ويرى المحللون الاقتصاديون ان الدفعة التي أعطاها التمويل الكبير الذي قدمه الاتحاد الاوروبي لليونان هو الذي أنقذ اجمالي عائدات ميزانية الدولة من الهبوط اذ ارتفع مرة اخرى من 673 مليون يورو الي 5ر1 مليار يورو. وفي الوقت نفسه، أعلن هانز ميشيلباش من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الالماني والعضو بإحدى لجان الاتحاد الاوروبي انه من غير المقبول " بالنسبة لاصحاب المدخرات الالمان و الشركات الالمانية و للدولة الألمانية ان يدفعوا ثمن التقديرات الخاطئة". ويعتقد الخبراء أنه من غير المرجح أن ينظر وزير المالية الالمانية فولفجانج تشوبل، الذي صرح تكرارا ان على اليونان ان تعيش في حدود امكانياتها، بتفهم الي العناصر الأخرى في تقرير الميزانية اليونانية والذي يظهر ارتفاع الإعانات الزراعية وكذلك رواتب التأمينات الاجتماعية و خاصة مساهمات الدولة في المعاشات والاستقطاعات التعويضية في تمويل المشروعات الاجتماعية. وتأكيدا على ذلك، قال ستيفن سيبرت المتحدث باسم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تحتاج الترويكا للذهاب الي اثينا ، إنهم يحتاجون الي تقييم وضع البرنامج، ثم يحتاجون الي إبلاغ قيادة منطقة اليورو و صندوق النقد الدولي". وعلى اساس هذا التقييم ، يمكن الحديث عن التحديث الضروري للبرنامج- هذه هي خريطة الطريق التي يتبعها الجميع في اوروبا وهذا هو السبب في اننا لا نتوقع أي نوع من القرارات بشأن اليونان في مجلس الاتحاد الأوروبي". وعلى الصعيد الداخلي، يرى المراقبون أنه لا يمكن أن نجد بداية أسوأ من بداية حكومة اليونان الائتلافية التي ظهرت بعد انتخابات 17 يونيو، فبعد يوم واحد من حلف الحكومة، التى ضمت حزب الديمقراطية الجديدة وحزب الباسوك وحزب اليسار الديمقراطي، توالت سلسلة من الحوادث المؤسفة في الحدوث. أولى تلك الاحداث كان العملية الجراحية التي اجراها رئيس الوزراء سامراس لانفضال الشبكية. لكنها لم تكن الانتكاسة الوحيدة للحكومة الائتلافية التي تشكلت منذ اقل من أسبوعين. فبعد ساعات من دخول سامراس للمستشفى ، نقل وزير المالية الجديد فاسيليس رابانوس - رئيس البنك الوطني اليوناني البالغ من العمر 65 عاما- على عجل الي المستشفى في أثينا ،بعد إصابته بالآم في المعدة. قدم بعدها رابانوس استقالته من منصبه بسبب ظروفه الصحية قبيل حلفه اليمين كوزير لمالية اليونان وهو منصب فيما يبدو من أكثر المناصب غير المأسوف عليها فى المجال المالي الدولي. بالإضافة إلي ذلك ، منع الأطباء المعالجون لرئيس الوزراء اليوناني سامراس ، البالغ من العمر 61 عاما، من السفر الي بروكسل لحضور القمة التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي. ويعتقد كثير من المحللين السياسيين أن استقالة وزير المالية ساهمت في إرباك خطط اليونان في الوقت الحالي في إعادة التفاوض علي شروط سياسة التقشف المقيدة والتي وافقت اليونان عليها مقابل الحصول على مساعدات لإعانة اقتصادها المثقل بالديون. بالاضافة الي كل ذلك ، وقع مستشاري الحكومة اليونانية في خطأ دبلوماسي فبينما اعلنوا أن وزير الخارجية ديمتريس افرامبولوس سيمثل اليونان في قمة الاتحاد الأوروبي ، وضع الاتحاد الأوروبي أمام أعين اليونانيين البروتوكول الذي ينص على أنه "غير مسموح سوى لرؤساء الدول ورؤساء الوزارات بحضور القمة". وبالفعل أذعنت اليونان للقواعد البروتوكولية ورأس وفد اليونان رئيس البلاد، كارولوس بابولياس،البالغ من العمر83عاما، قمة الاتحاد الاوروبي بوفد ضم وزير المالية السابق جيورجوس زانياس ، أحد أهم المفاوضين في اتفاق انقاذ اليونان. حيث أن مرض واستقالة رابانوس قبل حلف اليمين كوزير مالية جعل زانياس يحتفظ بلقب وزير المالية. تجدر الاشارة الي ان الرئاسة في اليونان منصبا شرفيا و يعد حضوره من باب الالتزام بإجراءات الاتحاد الأوروبي الخاصة بمؤتمرات القمة . ولحسن الحظ ان اليونان لم تكن على جدول أعمال القمة الأوروبية إذ تناولت القمة الأوضاع المالية لاسبانبا وايطاليا حيث أن أزمة منطقة اليورو تدفع دولة وراء دولة من أعضاء منطقة اليورو إلي آلية الإنقاذ. وبينما بدت الأمور وكأنها تميل إلي الاستقرار ببطء "أجبر" وزير الدولة للبحرية التجارية اليونانية يورغوس فرنيكوس على الاستقالة من الحكومة اليونانية الجديدة بسبب ملكيته لشركة بحرية وهو شئ لا يسمح به القانون للشخصيات التى تتولى مناصب عامة ، وذلك بعد أقل من اسبوع من توليه منصبه. وكان حزب المعارضة الرئيسي وهو حزب سيريزا اليساري المتشدد قد استجوب الحكومة بشان حالة فرنيكوس وكان من المفترض ان يسبق قمة الاتحاد الاوروبي الاخيرة في بروكسل، زيارة من الجهات الدائنة لليونان المعروفة باسم الترويكا- ممثلي المفوضية الاوروبية و البنك المركزي الاوروبي و صندوق النقد الدولي- إلي أثينا ولكن تم تأجيل تلك الزيارة حتى يتعافي سامراس. ولم يتحدد بعد موعد جديد لزيارة الترويكا لاثينا بدلا من الزيارة المؤجلة. اذ صرح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أمادو ألتافاج في بروكسل "نود أولا الاطمئنان على صحة رئيس الوزراء"، مضيفا ان ممثلي الجهات الدائنة سيتوجهون الي اليونان "في اقرب وقت ممكن".