البداية .. وعقب صلاة الجمعة يوم 16 أغسطس.. حاولت جماعة الإخوان بشتى الطرق إرهاب المواطنين بمحافظة القاهرة وتحديدا في مناطق وسط البلد.. وقام أعضاؤها بإطلاق الرصاص الحي بصورة عشوائية على المنازل والمارة، مما دفع بالمواطنين لتشكيل لجان شعبية بدأت مبكرا في إقامة الحواجز الحديدية بالطرق وأمام أقسام الشرطة والكنائس. في عصر اليوم .. صدرت الأوامر من قيادات العمل في "بوابة أخبار اليوم" لنا جميعاً بالعمل من المنزل حفاظاً على أرواحنا.. فحاولنا النزول .. كانت الاشتباكات قد بلغت ذروتها بعدما حاولت عناصر الإخوان اقتحام مصلحة السجون القريبة من مبنى أخبار اليوم، كما حاولوا اقتحام قسم الأزبكية .. وهو ما أدى إلى حدوث اشتباكات بين الأهالي وعناصر الجماعة .. وأطلق الطرفان الرصاص الحي مما أوقع قتلى وجرحى. وصلنا إلى منازلنا .. ولكن الفضول الصحفي دفعني للنزول مرة أخرى إلى مقر عملي بعد ساعة ونصف من بدء حظر التجوال .. كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة والنصف .. في منطقة المقطم .. بدت الشوارع خالية تماما من السيارات والمارة، مما دفعني إلى السير لمسافات طويلة، بحثا عن أي وسيلة مواصلات قد تكون متوافرة تساعدني على الانتقال لمقر عملي. وجدت سيارة أجرة .. دفعت رحلة البحث عن الرزق صاحبها للمخاطرة والعمل أثناء ساعات الحظر .. جلست بجانبه أنظر إلى الشوارع الخالية واللجان الشعبية التي مرت السيارة عليها .. والتي تعامل أفرادها في بعض الأحيان بذوق معنا وفي أحيان أخرى بأسلوب تهديدي لمحاولة تحصيل أية مبالغ منا .. ولكن تجاوزنها .. وما إن انعطفت السيارة في اتجاه عابدين حتى وجدنا أنفسنا أمام كمين للجيش .. صاح الضابط في السائق بإبطال محرك السيارة والترجل منها - وأنا كذلك- وبعد أن وضحت له سبب سيري في وقت الحظر وأظهرت له أوراقي كصحفي مسموح له بالسير في أوقات الحظر أبدى تفهمه لطبيعة عملي، وصرف وجهه تجاه السائق صائحاً فيه:"أنت مش عارف إن في حظر .. ماشي بعربيتك ليه" .. فرد السائق:" أيوة يا باشا أنا عارف بس أعمل إيه .. عندي أولاد مش عارف أكلهم وعندي قسط للعربية مش عارف أدفعه .. ومن يوم ما الإخوان نزلوا في الشوارع علشان يرجعوا مرسي واحنا حالنا وقف".. نظر إليه الضابط وقال له:" وصل الأستاذ وروح أحسن لك .. الشوارع خطر والدنيا مش آمان .. الحظر ده علشان أمنك أنت وأسرتك وعربيتك وكل ممتلكاتك". انصرفنا.. وكلما اقتربنا من وسط البلد ومنطقة عماد الدين ونحن لا نسمع سوى طلقات رصاص تدوي في سماء العاصمة .. فضلا عن رائحة الدخان الكثيف الناتج عن حرق عناصر الإخوان لمبنى شركة المقاولون العرب .. فقد شب الحريق في كل أرجاء المبنى بعدما قام أعضاء الجماعة بحرق سيارات الإطفاء التي هرعت في محاولة منها لإنقاذ المبنى. بدت شوارع وسط العاصمة كأماكن للأشباح .. نظرت إليها بحسرة حتى وصلت إلى مكان عملي، وأنا اسمع في أذني ترديد سائق السيارة الأجرة لعبارة:" حسبي الله ونعم الوكيل .. إنهم ليسوا بإخوان ولا مسلمين".