من هوة سحيقة كنت أعود.. أو كمن يتسلق جبلا شاهقا لا نهاية له .. تتسارع أنفاسي.. وتقاتل رئتي باستماتة من أجل نسمة هواء.. ووسط هذا الصراع في خضم الموت لمحت عينين ملهوفتين رائعتين.. كانتا قشة النجاة فتعلقت بهما منذ تلك اللحظة وحتي الآن.. قبلها بدقائق كنت اهتف في شارع محمد محمود " يسقط يسقط حكم العسكر" ..طلقات الرصاص الحي تدوي عاليا .. والقنابل المسيلة للدموع تستهدف المتظاهرين.. لم أعد أرى .. أشعر باختناق.. وتغيب الدنيا.. في صباح ذلك اليوم ذهبت معها إلى محمد محمود .. مجرد صديقة وسط بحر من الصديقات اللائي أكن لهن كل احترام وتقدير .. ولكن أعجبني فيها على نحو خاص شجاعة وشهامة وكرم.. انها مخلوق من المادة الخام للانسانية.. بين أحضان الموت ينكشف المستور وتتضح الحقائق.. بين أحضان الموت رأيت في عينيها حبا ولهفة .. بين أحضان الموت شعرت بنبضة غريبة لم أعهدها من قبل رغم أنني ظننت وقوعي في الحب مرات عديدة .. كلا لم ينبض قلبي بهذا اللحن من قبل.. احساس غريب بالرضا لوجودها الى جانبي بل لقد شعرت بالسعادة لانني لو مت فستكون عيناها آخر ما تزودت به من هذا العالم و السفينة التي تقلني في رحلتي الاخيرة.. سافرت الدنيا شرقا وغربا.. وقلبي كان عابرا للقارات عرف موانئ عديدة في مختلف أنحاء العالم.. وأخيرا استقر في ميناء عينيها.. تلك المصرية الحسناء.. خفيفة الدم.. حلوة المعشر .. الذكية اللطيفة .. المعطاءة الحنون.. الحب الحقيقي والوحيد في حياتي والذي ولد من رحم الموت في محمد محمود.