مصطفي: لقد رزقت البارحة بمولود اسمه أسامة، أريد أن أسجله. الموظف: مبروك، أهذا مولودك الأول؟ مصطفي: نعم. فكتب الموظف الاسم وطلب منه أن يعطيه بطاقة الهوية كي يكتب اسم الأب والأم، فسلمها له وهو صامت، ولمح مصطفي قلم الموظف عند خانة الجنس، فسارع قائلا وقد اربد وجهه من الغيظ: إنها بنت. توقفت يد الموظف كأنه صدم، ونظر إلي الرجل الواقف أمامه قائلا في ذهول: لكنه اسم ولد، أسامة اسم ولد. قال مصطفي: هذا ما قررت أن أسميها به، اكتب لو سمحت أنثي. قال الموظف بصوت أقرب إلي الهمس: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه أول مرة اكتب فيها اسم ولد في خانة الأنثي، وتابع بأسي: في أي يوم ولدت؟ جاءت هذه السطور في رواية الكاتبة السورية مجد خلف في أول تجربة روائية لها تحت عنوان " عائلة السناري " الصادرة عن دار مدبولي الصغير وهي رواية طويلة تكتسب صفة تاريخية لإحدي العائلات العريقة في سوريا. جرت أحداث الرواية عبر ثمانية عقود، بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي في دمشق حين وُلد مصطفي السناري، بعد أن أنجبت أمه خمس بنات؛ جاء هو إلي الدنيا فنشأ مدللا مميزا علي أخواته وسائر أفراد أسرته، ولما كبر سفَّره أبوه (غازي السناري) التاجر الغني إلي باريس ليدرس في السوربون، وقضي هناك سنوات الحرب العالمية الثانية ثم عاد إلي سوريا مصطحبا مع شهادته حلمَ عمره؛ فتاةً فرنسية لم يكتب له الزواج منها، وتتابعت الأحداث؛ فكبر مصطفي، وبني نفسه وتجارته دون الاعتماد علي أموال وصيت أبيه. تزوج مصطفي من فتاة حموية جميلة (فاطمة)، أنجبت أول - لسوء حظه كما رأي - بنتا، أسماها اسما ذكوريا ؛ أسامة، التي عانت من سوء معاملة أبيها وأمها لها منذ ولدت؛ فقط لأنها بنت! ثم أنجبت فاطمة ثلاثة من البنين، تضاعفت معهم معاناة الطفلة أسامة حتي كبرت، ولم تهنأ لها حياة حتي تزوجت من شاب مصري أخذها معه إلي مصر، وتركت سوريا حيث الحديد والنار بيدي أبيها في البيت، وبيدي نظام حافظ الأسد خارجه. كبر الأولاد وأصبحوا رجالا، وأنجبت فاطمة طفلتها الثانية دلّوعة أبيها (لؤلؤة)، واضطرت الظروف السياسية مصطفي إلي الهجرة من سوريا الأسد إلي مصر حيث استقر مع أسرته، وبقيت علاقته متوترة بابنته الكبري أسامة، وتولت الأيام كشف معادن الناس، فمنهم من ثبُتت ذهبيته، ومنهم نحاسيته والبعض الآخر هلاميته أو حتي زبالته، المهم أن أحداث الرواية تصاعدت لتصل إلي النهاية التي كشفت كل شئ أضمره أشخاصها، ولتثبت انطباق قول الله تعالي المسطور في أولي صفحاتها عليها: ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم) صدق الله العظيم. قد يجد قارئ الرواية أن من أحداثها ما حدث له شخصيا، أو حدث لأحد أقاربه أو أصدقائه، وقد تصدمه أحداثها تارة بواقعيتها، وأخري بمرارتها أو حلاوتها، وثالثة بنعومتها أو شدتها، ولكنها دوما ستبهره بصدقها ورشاقة حواراتها، ووصف مواقفها ومشاعر أشخاصها، وأمانة ذكر حركاتها وسكناتها، وسيخرج منها في النهاية بتصور واضح عن معني المثل المصري الأصيل: الناس معادن.