اذا كانت الولاياتالمتحدة قد تمكنت من إقناع الدول الخمس دائمة العضوية بتبني مشروع قرار لفرض مجموعة رابعة من العقوبات المشددة علي ايران نظراً لعدم امتثالها لقرارات مجلس الامن التي تطالبها بوقف تخصيب اليورانيوم.. فان ايران بمناوراتها المعتادة نجحت في زعزعة اجماع المجلس علي قبول القرار الجديد الذي اصبح حالياً من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.. وقيام ايران بتوقيع اتفاق ثلاثي مع كل من البرازيل وتركيا منذ عدة أيام بشأن قبول تخصيب اليورانيوم الايراني من دولة ثالثة لن يحول دون اعتماد مجلس الامن لقرار جديد بتشديد العقوبات علي ايران ولكنه كما هو واضح حيلة ايرانية جديدة لتأجيل وضع نهاية للعبة الشطرنج التي تمارسها طهران مع واشنطن.. والتي لابد وأن تنتهي لصالح واشنطن حتي لو فقدت بعض قطع اللعب.. وقد سعت الولاياتالمتحدة إلي مساومة امتدت لعدة اشهر لاقناع اعضاء النادي النووي وبصفة خاصة الاتحاد الروسي والصين بالموافقة علي تبني مشروع القرار الذي تم توزيعه علي باقي اعضاء مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي.. وقد نجحت واشنطن في اقناع موسكو وبكين علي الموافقة علي مشروع القرار بعد ان قامت بنزع بعض انياب القرار حتي يتفق مع رغبة الاتحاد الروسي والصين علي عدم الاضرار بمصالح الشعب الايراني وليكون مجرد وسيلة جديدة لتضييق الخناق علي حكومة ايران واقناعها بالانصياع لقرارات مجلس الامن. وكان احمدي نجاد الرئيس الايراني قد قرر الاستمرار في تحديه للولايات المتحدة وقام بجولة سريعة في الدول غير دائمة العضوية في مجلس الامن بهدف اقناعها بالوقوف في وجه الضغط الامريكي ومنها اوغندا وتركيا والبرازيل. واذا كانت روسيا قد قبلت مؤخراً بمشروع القرار الذي ينتظر التصويت عليه خلال الاسابيع القادمة فقد قبلت موسكو بذلك بعد ان قامت بالتفكير في مصالحها مع الولاياتالمتحدة وموازنة ذلك بمصالحها مع ايران وهي مصالح اقتصادية تتعلق بصفة أولية ببيع السلاح والتكنولوجيا النووية.. واختارت موسكو مصالحها مع الولاياتالمتحدة وغامرت بذلك في مقابل تعديلات الدرع الصاروخية. اما الصين فقد ظلت حتي آخر لحظة وهي بعد توزيع مسودة القرار علي مجلس الامن تتحدث عن اهمية تسوية قضية الملف النووي الايراني باسلوب دبلوماسي.. وبعد اعداد كشف الربح والخسارة وجدت الصين ان مصالحها مع الولاياتالمتحدة أهم من مصالحها مع ايران. وقد جاء تدخل الرئيس اوباما شخصياً ومساندته لمشروع القرار الجديد الذي سيحول دون قيام ايران بالاستثمار في الخارج في قطاعات حساسة مثل مناجم اليورانيوم وهو ما يجري حالياً في افريقيا وآسيا كما سيعطي الدول حق تفتيش السفن الايرانية ويمنع بيع بعض الاسلحة الثقيلة لها.. جاء هذا التدخل ليجعل من اعتماد القرار بمثابة اختبار للمصداقية الامريكية.. واذا كانت كل من البرازيل وتركيا قد اغضبهما الاندفاع الامريكي بتقديم مشروع قرار بمعاقبة ايران وتشديد العقوبات عليها بعد مرور ساعات علي قيام كل من الرئيس البرازيلي لولادي سليفيا والرئيس التركي اردوغان بمشاركة الرئيس الايراني احمدي نجاد في توقيع اتفاق حول تخصيب اليورانيوم الايراني في دول اخري والذي رأت كل من تركيا والبرازيل انه بمثابة اختراق لجدار الرفض الايراني للمطالب الغربية فان الدولتين وهما من الاعضاء غير الدائمين في مجلس الامن لهما مصالح ايضاً مع واشنطن.. فالبرازيل اقرب الي الولاياتالمتحدة من ايران وقيامها بالانحياز الي ايران التي دأبت علي رفض شرعية قرارات مجلس الامن يعتبر مجازفة ورهانا قد يؤدي الي تعريض مساعي بلاده للحصول علي مقعد دائم في مجلس الامن للخطر. ولا يختلف الامر كذلك بالنسبة لتركيا التي شهدت علاقاتها مع الولاياتالمتحدة انفراجاً ملحوظاً وبالتالي فان سعي تركيا للقيام بدور اقليمي علي الساحة الدولية قد يهدد مساعيها وطموحها واصرارها وتمسكها علي ضرورة الانضمام للاتحاد الاوروبي.. وهنا سيصبح علي تركيا ان تختار. اما لبنان العضو غير الدائم في مجلس الامن فانها لا تخفي انها قد تعارض اذا كانت لديها شجاعة كافية او تمتنع عن التصويت عن قرار بفرض عقوبات علي ايران. ومن المعروف ان لبنان تتولي خلال الشهر الجاري رئاسة مجلس الامن وبالتالي فان طرح القرار للتصويت خلال شهر مايو امر غير وارد حيث انه سيعتبر احراجاً للبنان ولرئيس وزرائها سعد الحريري الذي يزور الولاياتالمتحدة في بداية الاسبوع المقبل للتفاوض مع واشنطن ثم للجلوس في مقعد رئاسة مجلس الامن بالأمم المتحدة.. والسبب معروف وهو مشاركة ايران في الحكومة اللبنانية عبر حزب الله.