يبدو أن ثورة شباب 25 يناير لم تتوقف عند حد المكتسبات السياسية والدستورية التي طالما ما حلم بها الشعب المصري بكل أطيافه وفئاته.. وفي إطار موجة الاصلاحات التي فجرها نجاح الثورة المصرية طفت علي سطح الحياة العامة للمصريين دعوة قديمة جديدة لإستقلال الأزهر الشريف وتحريره من تبعية سلطة الدولة التي قبضت عليه وأحكمت سيطرتها علي مقدراته وموارده علي مدي عقود عدة. ولعل مطالبة علماء الأزهر ومن خلفهم الشعب المصري بضرورة العمل علي إستقلال الأزهر دفعت فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إلي تشكيل لجنة قانونية متخصصة لمراجعة قانون 103 لسنة 1961 وإدخال تعديلات عليه لتواكب المستجدات والمتغيرات التي طرأت علي المجتمع المصري في أعقاب الثورة. وتوصلت اللجنة المشكلة من تسعة أعضاء من علماء الأزهر وخبراء القانون برئاسة المستشار طارق البشري لصياغة مشروع قانون جديد للأزهر الشريف يتضمن تعديلات جذرية من شأنها إحداث تغيير كبير في هيكلة مؤسسة الأزهر الشريف، أبرزها إعادة إنشاء هيئة كبار العلماء التي ألغاها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتضم 40 عضوا فقط، ووضعها في مرتبة أعلي من مجمع البحوث الإسلامية الذي يضم 60 عضوا، فضلا عن تحديد سن أقصي لشيخ الأزهر ب80 عاما بدلا من الإبقاء عليه مدي الحياة. وتضع التعديلات شروطا بعينها لانتخاب أعضاء هيئة كبار العلماء بين أعضاء مجمع البحوث، بحيث لا يقل سن المرشح عن 60 عاما، وأن يكون معروفا بالتقوي والورع في ماضيه وحاضره، وأن يكون حائزا شهادة العالمية، وله مؤلفات وبحوث دينية منشورة في تخصصه، وأن يقدم بحثين متخصصين في تخصصه لفحصهما من قبل لجنة تقييم تشكل بقرار من شيخ الأزهر، إلي جانب التزامه بمذهب أهل السنة والجماعة.. وجري الاتفاق علي أن يكون مفتي الجمهورية عضوا بهيئة كبار العلماء، وفي حالة خلو المقعد بهيئة كبار العلماء إثر الوفاة، يتولي أعضاء الهيئة انتخاب عضو بديل من ضمن أعضاء مجمع البحوث الإسلامية. وعلي صعيد اختيار شيخ الأزهر، ينص المشروع الجديد علي انتخابه من ضمن أعضاء هيئة كبار العلماء ومن قبلهم، بحيث يتم ترشيح ثلاثة بشروط معينة، ويجري تصويت سري بين أعضاء هيئة كبار العلماء لانتخاب شيخ الأزهر الجديد، ويمارس الشيخ الجديد عمله من تاريخ انتخابه، ترسيخا لمبدأ جديد هو الاستقلال التام للأزهر عن السلطة التنفيذية، ثم تتولي الهيئة إرسال وثيقة بمضمون اختيارها إلي رئيس الجمهورية لاعتمادها بروتوكوليا فقط، وإصدار قرار جمهوري كاشف وليس منشئ بتعيين شيخ الأزهر المنتخب، أسوة بانتخاب رؤساء الهيئات القضائية. ورحب د.أحمد محمود كريمة إستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر بمقترح عودة "هيئة كبار العلماء "، مؤكدا أنه من أهم خطوات الإصلاح والتجديد في الأزهر الشريف، مشترطا أن تعود هذه الهيئة بنفس القوة التي كانت عليها في السابق. وقال د.كريمة : لقد كانت " هيئة كبار العلماء " اسما علي مسمي حيث كانت تجمع أفاضل العلماء والفقهاء في مختلف التخصصات الإسلامية، وكان جميع المسلمين في مصر والعالم الإسلامي يقدرون رأيها، ويأخذون بتوصياتها، ولا يردون لها كلمة، وكان أعضاؤها من العلماء والمشايخ الافاضل لا يخفون في الحق لومة لائم، وكان لا يهمهم سوي مصلحة الإسلام العليا وخدمة القرآن العظيم، وهو الأمر الذي نتمني أن نراه متحققا في الهيئة عندما تعود مجددا علي الساحة الإسلامية. وأقترح أن تعقد "هيئة كبار العلماء" مؤتمرا عالميا كل عام لمناقشة هموم العالم الإسلامي حتي تأخذ الهيئة بزمام المبادرة لأحياء العالم الإسلامي. خدمة الاسلام وبدوره وصف الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق عودة "هيئة كبار العلماء " بالحلم الذي ينتظرتحقيقه العالم الإسلامي كله وليس مصر فقط، وذلك لما لهذه الهيئة من أهمية كبيرة في مجالات خدمة الإسلام والمسلمين، متمنيا أن تخرج هذه الهيئة إلي النور في أقرب وقت ممكن. وأوصي الشيخ عاشور بأن يكون للهيئة مراكز إسلامية نشطة في العواصم العالمية ذات التأثير في الثقافة العالمية، موضحا أن الأزهر الشريف كان له في الستينات من القرن الماضي مراكز إسلامية في غاية النشاط لكن بعض التيارات السياسية والمذهبية الإسلامية استغلت قدرتها المالية في الاستحواذ علي هذه المراكز، وكان لهذا الأمر خطورة شديدة في تغيير الخريطة الفكرية في العالم الإسلامي إلي الأسوأ. وقال : كذلك لابد أن لا تقتصر مجالات عمل "هيئة كبار العلماء " علي مجرد الامور الفقهية فحسب، وإنما لابد أيضا أن يكون لها دور ملموس في توضيح موقف الإسلام من التيارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة، وتحديد موقف هذه التيارات من الإسلام، وكيفية التعامل معها علي مستوي دول العالم عامة ودول العالم الإسلامي بشكل خاص. تطوير الأزهر ومن ناحية أخري أشاد د. سيد محمود عبدالرحيم استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر بمبادرة تطوير الأزهر الشريف ومؤسساته المختلفة، مؤكدا أن الظروف باتت مواتية الآن للعمل علي تطوير مؤسسات الأزهر حتي يعود الأزهر كما كان في السابق منارة للعالم الإسلامي، مؤكدا أن عودة "هيئة كبار العلماء " من أهم خطوات تطوير الأزهر الشريف.. وقال : لقد كانت "هيئة كبار العلماء " أهم وأعرق مؤسسات الأزهر الشريف الفقهية، والتي مارست عبر عدة عقود دورا مهما في مجالات خدمة الإسلام الحنيف وقرآنه العظيم وسنة نبيه الكريم، فقد كانت المؤسسة العليا للازهر، والتي تأخذ علي عاتقها خدمة الإسلام في شتي مجالات الحياة، ومن أجل هذا كان لها كلمة مسموعة ليس في مصر فحسب وإنما في جميع بلدان العالم الإسلامي. وشدد د. عبدالرحيم علي ضرورة أن تفتح "هيئة كبار العلماء " أبوابها لكل العلماء البارزين والمعروف عنهم الكفاءة والخبرة والسمعة الطيبة سواء كانوا داخل مصر أو خارج مصر، مؤكدا أن الأزهر الشريف ليس كيانا مصريا فقط وإنما هو كيان إسلامي يتسع لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.