جاء ظهور الاسلاميين علي سطح الأحداث في المنطقة العربية، وتصدرهم المشهد السياسي من المحيط للخليج بعدما أطاحت ثورات الربيع العربي بأنظمة استبدادية لطالما مارست دور السجان علي شعوبها، ليخلق حالة من الجدل العام بين تيارين أحدهما مؤيد وداعم لهذا التيار الديني من باب ضرورة منحه فرصة تولي مسئولية القيادة بعد سنوات من الشك والريبة في أهدافه ونواياه، والاخر هو تيار المتخوفين من هذا الصعود علي خلفية التجارب السابقة التي جلس فيها الإسلاميون علي عرش السلطة وكانت النتيجة كارثية. وبما أن صندوق الانتخاب قد منح الاحزاب والتيارات الاسلامية الشرعية الفرصة للظهور علي المسرح السياسي، والاشتغال بالسياسة والحكم حدث ذلك في تونس والمغرب وعلي وشك الحدوث في مصر فقد يكون مناسبا الان التطرق إلي التجارب السابقة لوصول الاسلاميين إلي السلطة، ليس من باب التخويف والتشكيك فيهم، وانما لا ستعراض أسباب فشل هذه التجربة، ورصد الأخطاء والخطايا التي وقعت فيها جميع أطراف اللعبة السياسية من ثوار وأحزاب وعسكر ورجال دين حتي سارت كلمة الحكم الديني سيئة السمعة في العالم اجمع. وإيران احدي الدول التي وصل فيها رجال الدين إلي الحكم فتحولت من إمبراطورية تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي إلي جمهورية اسلامية يحكمها الملالي اثر ثورة عام 9791 حتي يومنا هذا ولا يزال تقييم المشروع الايراني للدولة الاسلامية محل جدل كبير. كانت بداية ثورة الايرانيين ضد حكم الشاه علي ايدي الليبراليين واليساريين ومعهم في الصفوف الخلفية تجار البازار والتيارات الدينية، واندلعت الثورة لأسباب عديدة علي رأسها ارتماء »الشاه« بشكل مفضوح في أحضان القوي الغربية، وعلاقاته الوطيدة مع إسرائيل، والإسراف والفساد في الدولة، وقمع المعارضة. وبعد سلسلة طويلة من المظاهرات والاحتجاجات استمرت علي مدي شهور غادر الشاه إيران في 61 يناير 9791. ودمرت خلال ساعات كل رموز سلالة بهلوي، وأعلن عن حل البوليس السري »سافاك« وأفرج عن السجناء السياسيين، وسمح الجيش بالمظاهرات الشعبية ووعد بتنظيم انتخابات حرة. وبعد عدة أيام عاد آية الله خوميني إلي البلاد بعد سنوات قضاها في المنفي بفرنسا بسبب تحريضه علي نظام الشاه من خلال كتبه ومؤلفاته وشرائط الكاسيت التي كان يتم تهريبها للايرانيين. وتعد عودة خوميني بداية المرحلة الثانية من الثورة التي باتت تعرف باسم المرحلة الخومينية، حيث بدأ رجال الدين في اقصاء شركائهم في الثورة من بقية التيارات السياسية الاخري، واستأثروا بالسلطة والقرار حتي دانت لهم السيطرة تماما، ثم بدأوا بعد ذلك في تصفية المعارضة جسديا فبادرت القيادات الدينية إلي إعدام كبار الجنرالات، وبعد شهرين أعدم اكثر من 002 من كبار مسئولي الشاه المدنيين بهدف إزالة خطر أي انقلاب، وأجري قضاة الثورة من أمثال القاضي الشرعي صادق الخلخالي محاكمات افتقرت إلي الشفافية، ومن بين الذين اعدموا بدون محاكمة أمير عباس هوفيدا، رئيس الوزراء السابق وصادق قطب زادة أول وزير خارجية للثورة الايرانية أما الذين هربوا من إيران، فتمت ملاحقتهم ومنهم رئيس الوزراء الأسبق شهبور بختيار الذي اغتيل في باريس بعد 01 سنوات من الثورة، وهو واحد من ما لايقل عن 36 إيرانيا تم اغتيالهم بعد الإطاحة بالشاه. يؤخذ ايضا علي تجربة الملالي تطرفها الشديد وليس أدل علي ذلك سوي وصف الخوميني »الديمقراطية« بإنها مفهوم غربي لا يصلح للتطبيق، ثم بدأت »الثورة الثقافية« باغلاق الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار وذلك لتنقيتها من معارضي النظام الديني. كما تم فصل 02 الفا من المعلمين و 8 الاف ضابط باعتبارهم »متغربين« أكثر مما يجب. المؤسسة العسكرية الايرانية اصيبت هي الاخري بنيران الخومينية، حيث انقسم الجيش إلي جناحين أحدهما موال لها والاخر ضدها الأمر الذي أسفر عن الاف القتلي في صفوف الجيش وانتهي الامر باعلان المجلس العسكري الأعلي في ايران نفسه محايدا في النزاعات السياسية لمنع المزيد من الفوضي وإراقة الدماء. وهكذا ارتمت إيران تماما في احضان رجال الدين طيلة ثلاثة عقود، لا صوت فيها يعلو علي صوت مرشد الثورة، لا مكان للمعارضة أو الاختلاف، علاقاتها مع جيرانها والعالم ليست علي ما يرام بسبب تطرف سياساتها، تعاني العقوبات والحصار وهو ما يدفع ثمنه الايرانيون الان.