نشرت الصحف أخباراً عن أول لقاء معلن بين جماعة »الإخوان المسلمين« ووفد أمريكي يضم بعض مساعدي أعضاء الكونجرس، ومنظمة فريدم هاوس، في حين أجرت السفيرة الأمريكية بالقاهرة، لقاء مع مجلة جلوبال بوست الأمريكية، تضمن تصريحاً لها يؤكد أنها لم تجر أية محادثات مباشرة مع جماعة الإخوان، واستطردت تتحصن بالاعتراف أن ثمة مساراً للتواصل كان قائماً بين أفراد من طاقمها بالسفارة والجماعة، ومع ذلك فإنها ليست علي استعداد للجلوس مع أي من أعضائها، حيث يثير قلقها موقفهم من المرأة، ومن اتفاقية كامب دافيد. إن دلالات ما نشر يؤكد أن التواصل بين الجانبين قائم، سواء كان صامتاً أم معلناً، وأياً ما كانت أقنعة أطرافه، وذلك ما يستدعي التساؤل عن رهان فك قطيعة الانغلاق الحدي للولايات المتحدة، تجاه جماعة »الإخوان المسلمين«، والإسلام السياسي في الشرق الأوسط. ولأن المراكز البحثية الأمريكية، ودراسات المحللين المختصين، تشكل بالنسبة إلي مؤسسة القرار السياسي رصيداً معرفياً مؤثراً، باقتداره ممارسة الاستدراك علي الاشكاليات السياسية القائمة، وطرح رؤي استشرافية، وتصورات للتطورات المستقبلية والمتوقعة، لذا فإن إطلالة علي بعض هذه الرؤي يمكن أن تضيء الطريق. صدر في عام 9002 كتاب »التواصل مع العالم الإسلامي«، للمفكر المتخصص في التاريخ الحديث للشرق الأوسط »جوان كول« حيث طالب بضرورة تفعيل الاتصالات من جانب الخارجية الأمريكية، مع أعضاء البرلمان المصري من حركة »الإخوان المسلمين«، معترفاً أن اليمين الأمريكي وحكومة مبارك يدينان هذه الاتصالات، لكنه يؤكد أنها ربما تكون الطريق الأصلح للسياسة الأمريكية، ثم تتبدي مرواحة الكاتب بين الموقف التكتيكي، والتخطيط الاستراتيجي، وذلك في محاججته بأن وجود حزب يكرس نفسه للإسلام السياسي، إنما يملأ الفراغ الذي يملؤه تنظيم القاعدة بدلاً منه، وحذر الكاتب في الوقت نفسه من تجاهل أو إغضاب التيارات السياسية الأخري، وانبري المؤلف يؤسس لتدقيق مقاصده، بالتشديد علي المتغيرات المقبلة، وأهمية التواصل لتحديد الرهانات السياسية القادمة، إذ في ظل احتمال رحيل حسني مبارك من مسرح الأحداث في المستقبل غير البعيد، فإن ضرورة صياغة استراتيجية حول الاتجاهات السياسية الرئيسية في مصر، تتجلي أمراً حاسماً، ولا يتردد المؤلف في الاعتراف أنه لا يتحدث عن سياسة ذات مبادئ، لكن عن مناورات دبلوماسية خاصة، يجب أن تخضع للتغيير طبقاً للظروف، وتأتي نصيحته صريحة، بأن علي الإدارة الأمريكية أن تعمل من وراء الستار علي تشجيع »الإخوان المسلمين« نحو الاتجاه الديمقراطي، وأن تمارس ضغوطاً سياسية ومالية معاً علي خليفة مبارك، لفتح النظام السياسي لانتخابات ديمقراطية حقيقية، كما يوصي بتحفيز طموحات المصريين نحو التحول الديمقراطي. إن الكاتب يقر بالأهمية الحيوية لبترول العالم الإسلامي، كما يقر أيضاً بأن منطق صراع الحضارات بالنسبة إلي المستهلكين الغربيين للبترول والمنتجين له من المسلمين أمر مدمر لهما معاً، لذا فهو يطرح استدراكاً لورطة نظرية صراع الحضارات، وإن كان الكاتب ليس علي البراءة فيما يطرحه، إذ يسعي إلي الغوص في أعماق البعد الثقافي من خلال الاشتغال علي النخب، والمؤسسات الثقافية والفكرية، إذ يطالب الإدارة الأمريكية بتمويل أنشطة المراكز العلمية بالجامعات المصرية، ومؤسسات الترجمة، وكذلك أنشطة المناقشات بين المفكرين الغربيين والمفكرين المسلمين، بل أيضاً منتديات حوارات رجال الأديان، ونشطاء من »الأخوان المسلمين«. أصدر المركز البحثي فريدريش إيبيرت عام 0102 تقريراً ينطلق أيضاً من منطق الاستدراك، بعنوان »استراتيجية التواصل مع الإسلام السياسي«، يطالب بضرورة وضع استراتيجية ملموسة متماسكة للحوار مع الجماعات والأحزاب الإسلامية، حيث أبدت أحزاب إسلامية في ست دول عربية اهتمامها بالحوار مع الولاياتالمتحدة، منها جماعة »الإخوان المسلمين« ويشير التقرير إلي أنه في ضوء أن الأنظمة العربية الاستبدادية القائمة أضعف أكثر مما تبدو عليه، وبحكم رحيلها عاجلاً، لذا فالحوار مع تلك الأحزاب قبل وصولها إلي السلطة، ودعمها مادياً وسياسياً، يعد تأميناً يستهدف دفعها إلي احترام المصالح الاقليمية، بما في ذلك أمن إسرائيل. صحيح إننا لا نصادر علي مبدأ التعايش المشترك والمسالمة، المحكوم بشرطه الخارجي أكثر من شرطه الذاتي، لكن الصحيح كذلك أننا نتحفظ بالحذر المشوب بالشك، فيما يطرحه هذا الاستدراك بمحاولته الخفية إعادة إنتاج الهيمنة الأمريكية، ليس بالقوة العارية، بل استدراجاً بأقنعة القوة الناعمة، اختراقاً للخصوصيات الثقافية واستلابها، نفياً لتعددها واختلافاتها، إذ الأمركة لا تسعي إلي شركاء، بل إلي هيمنة مكفولة بقوتها المفرطة، وعلاقتها بإسرائيل تحكم كل رهاناتها ضد حق الشعب الفلسطيني في دولته.