الإدارة فن.. وليس كل من يشغل منصبا كبيرا يجيد هذا الفن.. والممارسة وحدها هي التي تثبت كفاءة صاحب المنصب الكبير أو عجزه.. ولا صلة لفن الإدارة بما يحمله من مؤهلات أو شهادات تدل علي ممارسته للعمل سنوات طويلة، وإنما العبرة بالانتاج و القدرة علي تشغيل المرءوسين والحصول منهم علي أكبر قدر من الطاقة دون أن يتذمروا أو يفقدوا اهتمامهم بالعمل. والمسئول الناجح هو الذي يحصل من مرءوسه علي أكبر قدر من الانتاج دون استخدام سلطته في توقيع الجزاءات، فإن هذا دليل علي تمتعه بقدر كبير من الكفاءة وتقدير واحترام مرءوسيه، وان الجهد الذي يبذلونه إنما هو نابع من حبهم لرئيسهم وولائهم له، ورغبتهم في إرضائه، وكلما دخلت عند وزير أو مسئول كبير، ووجدت مكتبه مكتظا بالأوراق ومكدسا بالملفات، ورأيته غارقا فيها ولايرفع رأسه عنها، فاحكم عليه بلا تردد أنه لايجيد فن الإدارة، وأنه لايثق في نفسه وبمن حوله، وعدم الثقة دليل علي ضعف الشخصية، والرجل الضعيف لايصلح لأي منصب قيادي مهما كانت قيمة المؤهلات التي يحملها! وأعرف وزراء ومسئولين كبارا لا شاغل لهم إلا التدخل في أتفه الأمور والاستماع إلي وشايات المنافقين والحجر علي مرءوسيهم ومنعهم من التحدث إلي الصحف أو الاشارة إلي انجازاتهم أو اتخاذ اي اجراء بسيط لصالح العمل إلا بعد الرجوع اليهم وأخذ رأيهم، ولو خالفوا ذلك كان جزاؤهم الاضطهاد أو الاقصاء والاستبعاد، وهذا الأسلوب في الإدارة يهدر جهد المرءوسين ويسئ إلي كرامتهم ويصيبهم بالاحباط واللامبالاة، ويقتل فيهم الشعور بالطموح، ويضر بصالح العمل. إن هذا النوع من القيادات لايصلح للمرحلة الحالية التي تتسم بالجدية وزيادة الجهد والانتاج، أننا في حاجة إلي قيادات قوية تتمتع بالثقة في النفس وتتفرغ لوضع السياسات الكبري و التخطيط للمستقبل، ولاتشغل نفسها بالتفاهات والتكويش علي جميع الاختصاصات، وتحويل مرءوسيهم إلي قطع من الشطرنج لايتحركون إلا بأمرهم، ولا يفكرون إلا بإرادتهم.. هذه القيادات يجب علي الدولة التخلص منها حتي لاتتوقف مسيرة التقدم والإصلاح التي هي السمة الأساسية لمرحلة ما بعد الثورة.