بعد الإفطار، لمح الفكهاني بطرف عينه الزبون وهو يقف أمام تلال الفاكهة المرصوصة بطريقة تفتح الشهية، أمسك بالمانجاية يحكها في أنفه ويشمها بحب وشوق، ثم أعادها إلي مكانها بحنان. بعدها انتقل إلي البرقوق واكتفي بالتحسيس عليه والتمتمة بكلمات غير مفهومة، ومنه إلي الخوخ الذي ألقي عليه السلام في خشوع دون أن يلمسه، ثم الكريز الذي تنهد أمامه بعمق تعبيرا عن الحب العذري الذي يربط بينهما منذ عشرات السنين. ولكن الفكهاني يعلم بخبرته أن الزبون مضروب، ولذلك لم يتحرك من فوق الكرسي الذي يجلس عليه أمام باب المحل يضع ساقا علي ساق ويدخن الشيشة ، وشرع صبي المحل في التوجه الي الزبون، فناداه المعلم : النار خسعة يا تمورة . رد تامر: أوَهْوِجها حالا ياسيد المعلمين. وقرفص أمام الشيشة يوَهْوِج النار بالنفخ ، وتقليب الفحم بالماشة. أحس الزبون بالتجاهل المتعمد ، فاقترب من المعلم وسأله : البرقوق بكام ؟ رد المعلم دون أن ينظر إلي وجهه : الكريز والبرقوق 52 ، والخوخ 22 . وكل صنف مانجة تمنه مكتوب. وقبل أن يعلَّق الزبون قال المعلم: سيبك من الناحية الشمال.. أصل لها زبونها لامؤاخذة. وأشار بالماشة إلي الناحية اليمني: طلبك موجود هنا. جوافة بتمانية وحرنكش بعشرة ، وتفاح مصري خرز برضه بعشرة. وعنب بتمانية والفرط بسبعة. خُد الفرط ، سعره متهاود ويمشي معاك.. مش أنت الأستاذ لمعي بتاع وزارة الأوقاف ؟ تظاهر الزبون بأنه لم يسمع السؤال وقال : العيال ما بيحبوش العنب . وضع المعلم الماشة فوق الشيشة، ونهض واقفا، ثم قال بهدوء مصطنع : مش بمزاج العيال يا أستاذ . عيالي مثلا من حقهم ما يحبوش العنب ، عشان أبوهم يقدر يجيب برقوق ، لكن عيالك لازم يحبوه. ولازم تعلمهم أن اللي يبص لفوق رقبته تنكسر. خٌد من الفرط وادعيلي. نصه سليم زي الألماظ والنص التاني اللي يشوفه يقول بايت وحمضان، بس ده خداع بصل لامؤاخذة . قاطعه الزبون: قصدك خداع بصر؟ أجاب المعلم : بالظبط . تشوف العنباية مكرمشة لكن ألذ منها مافيش. ويا حلاوتها لما تسلت منها الحتة البايظة بطرف صباعك وتعصر السليم ، وأم العيال تتفشخر الصبح وتقول لجارتها : شربنا عصير عنب ع السحور . سأله الزبون : مافيش حاجة سعرها متهاود غير العنب الفرط ؟ لم يرد المعلم ، وعاد للجلوس أمام الشيشة وهو يقول للصبي : حٌط الأستاذ قُدام قفص الجوافة وسيبه يفكر براحته . وقف الزبون طويلاً أمام قفص الجوافة ، وأخذ يحدث نفسه ويهرش رأسه، وقبل أن ينطق بالسؤال بادره المعلم قائلا : الجوافة بتمانية جنيه ، فأصيب الزبون بالصدمة، وقال وهو يكاد يبكي: يا سنة سودة .. الجوافة بتمانية جنيه ؟ دي أحلي جوافة كانت بثلاثة جنيه . علّق المعلم : عفارم عليك.. سيادتك قلت »كانت« .. يعني زمان من ييجي شهرين. واحنا ولاد النهاردة ، وكل وقت وله آدان. الحكومة رشت عليكم من وسع. المرتبات طرقعت والمعاشات بقت في السما وماحدش ما انبسطش . اللي من شهرين ما كانش لاقي، النهاردة يقدر ياكل الشهد ويحلّي قشطة بالعسل . والجوافاية لامؤاخذة مش أقل من الموظف، من حقها تفرح وتشوف نفسها ويبقالها سعر بين الفاكهة . نكَّس الزبون رأسه في الأرض وقال في حسرة : يعني مفيش أمل . قال المعلم : ماتقطّعش قلبي يا أستاذ . الأمل موجود بعون الله وملعون أبو اللي يكسر بخاطرك . ونادي علي الصبي : هات الكتالوج من تحت الميزان ياتامر. وقدم الكتالوج للزبون وهو يقول : مش عاوزك تنام محروم . ده كتالوج مليان فاكهة طازة من اللي قلبك يحبها . فرَّج العيال مرة واتنين لحد ما يشبعوا . بس قل لهم ان بذرة الخوخ ما تتبلعش . والأناناس لازم يتقشر . ولما يوصلوا للفصل بتاع المانجة خليهم يركزوا ع العويسي . سيبك من الزبدية والسكري .. منظر ع الفاضي لا لها طعم ولا فيها لحم . عاد الفكهاني إلي مكانه أمام الشيشة علي باب المحل ، وشد نفسا عميقا، ثم خرجت كلماته لتامر من بين الدخان : خُد من الأستاذ 08 جنيه تمن الكتالوج !