منذ أيام شاهدت في أحد الشوارع بحي الدقي منظرا غريبا، سيارة نظافة مزودة بالفرش الآلية تقوم بكنس الشارع وشفط الأتربة المتراكمة بجوار الرصيف، هذا المنظر جعلني أعيش للحظات في الماضي البعيد.. وأستعيد ذكرياتي القديمة عن نظافة القاهرة في الزمن الجميل أيام كانت شوارعها تغسل بالماء والصابون.. وتنظف بالسيارات الميكانيكية، بعضها مزود بآلات لشفط الأتربة التي تتراكم بجوار الأرصفة.. وأخري تحمل خزانات المياه وتروي الأشجار والنباتات بصفة دورية.. وثالثة تتولي عملية الكنس بواسطة فرش آلية، إلي جانب سيارات الرش التي تجوب شوارع العاصمة نهارا وليلا. أما نظافة التماثيل التاريخية التي تتوسط الميادين المهمة.. وهي لرموز مصر وزعمائها المخلصين، فكانت تقوم بغسلها سيارات الاطفاء بواسطة خراطيمها الضخمة ومضخاتها القوية.. كانت شوارع القاهرة تتحول بعد منتصف الليل عندما تقل حركة المرور إلي خلية نحل.. عمال البلدية ينشطون في كنسها وحمل المخلفات علي عرباتهم الصغيرة وتجميعها في مكان معين في كل شارع إلي أن تأتي السيارات الضخمة لأخذها.. عمليات تخطيط الشوارع باللون الأبيض ودهان بردورات الأرصفة وتغيير لمبات الاضاءة التالفة بلمبات جديدة، وترميم الحفر والمطبات.. وغير ذلك من عمليات التجميل كانت تتم يوميا. وعندما شاهدت سيارة الكنس وشفط الأتربة أصابتني الدهشة وتساءلت.. هل يمكن أن يعود الماضي.. وتعود الاشراقة مرة أخري إلي وجه القاهرة.. ويستطيع أهلها أن يستنشقوا الهواء دون خوف علي صحتهم من أمراض التلوث؟ هل في الامكان أن تعود العاصمة إلي سابق عهدها، وعلي نفس المستوي من النظافة التي كانت عليه منذ قرون؟ أعتقد ان هذا مستحيل في ظل الامكانات الحالية. لذلك فإن حل هذه القضية ليس سهلا.. ويحتاج إلي تضافر جميع الجهود.. حكومية وإعلامية وشعبية..