لا أبالغ عندما أقول إن قضايا الداخل قد كادت تطغي تماما علي اهتمامنا بالشأن الخارجي، وخاصة الصراع في الشرق الأوسط والسيناريوهات التي باتت مؤكدة لخريطة جديدة بالمنطقة. وإذا كان صحيحا أن حقائق التاريخ والجغرافيا والبشر سوف تظل رافدا أساسيا وقوة داعمة لمكانة مصر ودورها العربي والإسلامي والدولي، إلا أن اليقظة والحيطة تظل مطلبا أساسيا لأن تطورات الموقف الدولي والأحداث التي تشهدها بعض الدول العربية، تجعل من أي ردود للأفعال امرا متوقعا، وأعني هنا بالذات اسرائيل ومواقف قادتها تجاه ما يحدث بالعالم العربي وأيضاً خطوة مصر بفتح معبر رفح بصفة دائمة وكذلك عملية تصدير الغاز. وإذا كانت خطوة فتح المعبر قد ارتبطت بشروط محددة بالنسبة للعابرين، وارتبطت أيضا بالقدرة المصرية الكاملة علي تأمين سيناء، وعدم السماح بأي تحركات أو سلوكيات تتناقض مع الشرعية الدولية وتعهدات مصر في اتفاقية كامب ديفيد.. إلا أن تصريحات القادة الاسرائيليين - والتي تتم حتي الآن علي استحياء، قد يخفي - الفجور تدعونا لمزيد من اليقظة والحيطة. تدعونا ايضا لوقفة مع النفس، ونحن نعيد بناء مصر علي أسس جديدة، تتحقق فيها العدالة والحرية واحترام الحقوق والواجبات والتي مثلت أهدافاً أساسية لثورة الشعب يوم 52 يناير. وهي حقوق يتناقض معها جدل عقيم تثيره بعض القوي السياسية، فيما يتعلق بخطوات المجلس العسكري الذي يدير أمور البلاد ولفترة هو أشد المتحمسين للالتزام بها. صحيح تماما أن إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية، لا تعني بأي حال من الاحوال غض الطرف عن المهمة الاساسية المقدسة لحماية أمن وسيادة مصر، غير أن استمرار الجدل وتفرع الحديث يشكل عبئا، اعتقد أننا جميعا مطالبون بوضع نهاية له. أمن مصر القومي والحفاظ علي سيادة مصر، لابد أن يعلو فوق كل المطالب، دون إغفال لها أو انتقاص من رغبتنا جميعا في أن تتحقق وعلي الوجه الأكمل. ولنثق جميعاً في أن اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ووضع دستور جديد لن يمثل نهاية لعملية الاصلاح السياسي ولكنه سيكون بداية لها بعيداً عن العجلة والتفرع، ففساد سنين لن يمحوه اصلاح أيام وساعات. لقد جاءت خطوة فتح معبر رفح انطلاقا من دور مصر في دعم الأشقاء الفلسطينيين، والتخفيف عن معاناة الحصار المفروض علي غزة ولدعم عملية المصالحة الفلسطينية التي نجحت مصر في تحقيقها. أعتقد أن الالتزام الفلسطيني من جانب الأشقاء في حماس، فيما يتعلق بالضوابط المصرية، يقطع أي ذريعة أو حجة يستند إليها الجانب الاسرائيلي في تحقيق أطماعه ومآربه القديمة. فليس خافيا علي أحد أن خطوة فتح المعبر تحيي لدي الاسرائيليين حلم تصدير غزة إلي مصر، والتنصل من كل الالتزامات الدولية تجاه أهلها باعتبارها دولة احتلال. وقد أعلن بعض جنرالات الجيش الاسرائيلي، أن هذه الخطوة تعيد أحلام رئيس الوزراء السابق شارون في الانفصال عن غزة، وإعادة تبعيتها للسيادة المصرية، بل وإمكانية إقامة كيان فلسطيني علي رفح المصرية وجزء من سيناء. وبدأ بعض أعضاء الكنيست في تنفيذ سيناريوهات تتكامل مع رغبة بعض جنرالات الجيش الاسرائيلي، وبتأييد مستتر من رئيس الوزراء نتنياهو، الذي يريد أن يبدو بمثابة الحمل الوديع الذي وضعته مصر تحت ضغوط بني وطنه وقادته. هددوا، وقد يلجأون بالفعل لتنفيذ خطة لاغلاق المعابر الستة التي تربط بين اسرائيل وقطاع غزة، وقطع أي معونات أو مواد غذائية أو مستلزمات طبية لأهالي القطاع، تحت ذريعة »يكفيهم ما تقدمه مصر عبر منفذ رفح«. ولان تفكير الاحتلال والغطرسة يتجمع في النهاية لتحقيق هدف واحد، جاءت تصريحات وزير البنية التحتية عوزي لاندالو وغيره من قادة اسرائيل، بأن اسرائيل سوف تلجأ للتحكيم الدولي بتهمة خرق مصر لاتفاقية كامب ديفيد للسلام، والادعاء بأن فتح المعبر سيشكل تهديدا مباشرا لأمن اسرائيل، سواء بتهريب الاسلحة أو عبور عناصر إرهابية. وكلهامحض افتراءات وخيالات. إن اتفاقية كامب ديفيد لم تحمل أي تعهدات أو التزامات فيما يخص معبر رفح، وإن كانت بعض التعهدات الملحقة قد حددت نوعا من الرقابة علي عمل المعبر من الناحية الاسرائيلية، فهو شأن يتعلق بدولة الاحتلال، ويبدو أن بعض القادة الاسرائيليين يتجاهلون أن للمعبر بوابتين، أحداهما فلسطينية تحت الاحتلال، والأخري مصرية، وسلطة المنع أو السماح تظل سلطة تتعلق بسيادة كل دولة. أتمني أن تسرع الحكومة في تعيين وزير جديد للخارجية، لأن تأخر الاختيار في هذا التوقيت الحرج والحساس قد يبطيء من القدرة الدبلوماسية علي البحث والنقاش، في الوقت الذي تسرع فيه اسرائيل باستخدام كل أدواتها للادعاء بأن هناك اعتداء علي حقوقها. وعلينا ألا نتناسي تهديد اسرائيل باللجوء للتحكيم الدولي فيما يخص تصدير الغاز المصري، وهو الملف الذي يجب أن نتعامل معه من خلال القانون والشرعية بعيداً عن الحماس والعواطف الجياشة. ويكفينا أنه في زمن الشرعية العوجاء، تصبح للمحتل حقوق مشروعة، حتي وإن كانت ترجمة لمخاوف متزايدة تعلي دائما قيمة الأمن بالنسبة لاسرائيل. كما أتمني أن تبادر الحكومة باتخاذ بعض الاجراءات العاجلة لحل مشاكل أهلنا في سيناء، والقضاء علي كل بؤر التوتر والقلق في تلك المنطقة الحيوية والتي تمثل تحديات لابد أن تأخذ الأولوية وبإجراءات ملموسة علي الأرض وليس مجرد زيارات لجبران الخواطر يقوم بها بعض المسئولين. مرة أخري أؤكد أن العواطف الجياشة وانحيازنا الدائم للأشقاء الفلسطينيين، وسرعة تنفيذ المصالحة الفلسطينية علي أرض الواقع، ستمثل بوصلة أمان في عالم يموج بأحداث عظام، قد تشكل في نتائجها وأهدافها معالم حقبة جديدة من الزمن. حقبة تعلو فيها لغة المصالح والقوة والقدرة علي فرض الأمر الواقع. وفي النهاية أقول إن قرار فتح معبر رفح هو جزء من سياسة مصر، وثوابت شعبها تجاه الاشقاء الفلسطينيين، غير أن استمرار فتح المعبر سيكون قرارا فلسطينيا بمدي الالتزام ببعده الانساني والعربي والقومي. اسرائيل - وهي تلوك كل يوم بعض الاكاذيب - تنتظر علي أحر من الجمر أي فرصة سانحة لتحقيق مآربها، والظهور أمام العالم بمنطق من وقع عليه الظلم.