أحسب أن مصر لم تشهد في تاريخها القديم والحديث علي السواء مرحلة تغص بالرأي والرؤي وضدها مثل المرحلة الراهنة التي تعبرها، ذلك أنها لم تعرف من قبل أو تعاني من تجربة الثورة وتداعياتها وما تفجرها من مشكلات ويعتريها من اجتهادات بعضها شفاف بريء ناصع البياض يبث الأمل ويجتث الألم، والبعض الآخر يقف وراء حجاب يظهر غير ما يبطن ويعلن عكس ما ينتويه يترصد، يتربص، يدافع عن الباطل لانه هو فرسه والرهان عليه. وهنا تثور قضية الجاسوس الروسي الذي كان واحدا من أبرز رجاله ومستشاريه وفي ذات الوقت كان عميلا للولايات المتحدةالأمريكية ثم لما انكشف امره سئل كيف أن الاجهزة لم تعرف أسراره أو سره اجاب بيسر وسهولة انه كان يعترض ويعارض كل رأي صحيح أو اختيار أية شخصية سوية ويعترض علي كل اتجاه سليم وسديد وهكذا لم يسقط في حبائل أو مصيدة. أن الشعب المصري جميعه يوليكم الثقة والتقدير والاحترام والتوقير ولكن لعل ما يقلقه هي البلبلة التي يبثها فريق يحتمي بأن الشعب يريد الاسراع في وضع الدستور وانتخاب الرئيس واجراء الانتخابات التشريعية، ولكن الفرق الفارق انه الرأي الذي يستعجل الاستيلاء علي السلطة ولكنا نكاشفهم بأنا علي حذر من أن نقع في خديعة وصاية فرض السلطة السياسية علي الضمائر باسم الدين وهو الخطر الذي يتربص بمصر ومرده إلي أن إلحاح أصحاب هذا الرأي وتلك الرؤية يعرفون أرضية الشارع السياسي المصري، ومن الذي يتخندق في الظلام وانه لا توجد أية قوة أو قوي سياسية تملك من الأموال والتنظيم والمؤهلات التي يسهل عليها معه تضليل السلطة وأن يصبغها وينقعها باسم الدين. كيف لا وقد كشفوا عن نواياهم باطلاق النداء بأنه بات مطلبهم الكف عن القول بأنه »لا« للسياسة في الدين ولا دين في السياسة. كيف لا وهم علي يقين أن الساحة تشكو من الفراغ السياسي.. من القوي السياسية وهي الأحزاب التي تمثل حجر الزاوية والسناد والركاز والعماد والقوة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية. ومن عجب أن هذا التيار يسعي ويجاهد في سبيل وتيرة وعجلة الأيام لاجراء الانتخابات البرلمانية ويرون أن البدء بها هو أول حلقة في خطي الوصول إلي رقبة السلطة وأن تسقط بين أيديهم.إن هذا الاتجاه يعصف بأية بادرة للديمقراطية التي طال الشوق إليها وتحقق بفروسية وشجاعة وتضحيات شهداء الثورة. يا حضرات الضباط العظام.. لعلكم جميعا تذكرون وتتذكرون الفريق سوار الذهب الذي كان قد قبل الجلوس علي مقعد الرئاسة في السودان الشقيق بشرط وحدد أن تكون مدة جلوسه لسنة واحدة يسلم بعدها مقود الرئاسة للسلطة المدنية.. وسيذكر له التاريخ ويدون اسمه بماء االذهب انه كان له ما أراد ولكن رحيله المبكر جر علي السودان ويلات وويلات يشهد بها الحاضر ان الاصرار من جانبكم علي البدء باجراء الانتخابات البرلمانية قبل قيام احزاب سياسية تملك من أسباب شرعية وجودها لن يتأتي إلا بانفساح المجال للتجاوب والتخاطب والتعاضد مع رأي عام يؤمن بالبرامج والمباديء والرضاء والتأييد لعدد من الأحزاب تملك من الروابط والعلاقات التي تجعل المواطن يمنح ثقته للأفضل من بينها وان تكون الروابط بين تلك الأحزاب والمنخرطين فيها علي يقين من أن الحزب الذي يحمل لواءه قادر علي تحقيق طموحاته وآماله. يا حضرات الضباط العظام.. أن ما يتشدق به البعض من سرعة فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية هو أخطر ما يتهدد المنهج والمنهاج الآمن لأن ينجح أحد من الاسماء التي تتردد اسماؤهم فإنهم جميعا رغم ما نكنه لهم جميعا من احترام، ورغم أنه لا خلاف أو اختلاف أن مصر تزدهر وتفاخر بأنها ثرية بالرجال الشرفاء الذين لهم من التقدير والاقتدار والاحترام والتوقير، لأن رئاسة الدولة وقيادتها في هذه الاونة الخطيرة في تاريخ مصر تعبر امتحانا عسيرا عن توافر أولئك الذين يطلق عليهم »رجل الدولة«. ان بعض الذين يستعجلون رحيل المجلس الأعلي للقوات المسلحة يدركون ولكن يتجاهلون أن مستقبل مصر يقترن بقدرتها علي بناء نظام ديمقراطي سليم وان اقبال كل الدول ذات القدرة الفاعلة يرتبط بوثاق في تقديم العون الاقتصادي ولا نقول المعونة يصوبون الأبصار وفي يقظة وانتظار للطريق الذي نسلكه، وهو ما يقتضي بل ويتحتم معه أن يظل المجلس الأعلي قائما أو أن يشكل قيادة العمل الوطني المختلط من أطياف من المدنيين والعسكريين لمدة سنتين علي الأقل، وأن يكون البدء باجراء استفتاء للتعديلات الدستورية الخاصة بتكوين مجلس الشعب والغاء مجلس الشوري، وأن يبادر مجلس قيادة العمل الوطني برئاسة القائد الأعلي بتشكيل لجنة تتولي وضع الدستور ثم يتلو ذلك ويليه فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية وفقا لضوابط منضبطة ودون ذلك هو سداح ومداح وفتح لباب الفوضي السياسية علي مصراعيه. يا حضرات الضباط العظام.. أن الآمال معقودة عليكم وأنا علي يقين أنكم ضد استطالة وجود المجلس الأعلي وهو ما سيسجله التاريخ لكل منكم.. لا تبرحوا المكان ولا ترحلوا من الميدان والقول بغير ذلك سيسلس إلي الضياع مصر أمانة في أعناقكم والأمل معقود عليكم والله ولي التوفيق.