الحكومة الحالية ومن سبقوها أيضا غاويين إنشاء مجالس عليا وأجهزة كلما استشعروا أن هناك مشاكل.. أو تفجرت في وجوههم قضايا أثارت الكلام والشائعات والأقاويل.. وعجزوا عن مواجهتها! الحكومة السابقة أعدت قبل رحيلها مشروع قانون لإنشاء لجنة تنسيقية لمكافحة الفساد.. برئاسة وزير العدل السابق وعضوية بعض الوزراء.. ومعهم جهازا الرقابة الإدارية والمحاسبات. كانت مهمة اللجنة الموقرة تقييم التشريعات واللوائح والقرارات التي لها صلة بمكافحة الفساد.. وتقديم اقتراحات ومشروعات قوانين للوزارات والهيئات والجهات المعنية.. بعدها رحلت حكومة الفساد ومعها مشروعها! الغريب أنه منذ أيام أعلن لنا الدكتور عصام شرف ان حكومته قررت إنشاء جهاز لحماية المال العام ومكافحة الفساد.. وله جميع الصلاحيات للعمل بشفافية واستقلالية.. وسيترأسه شخصية محترمة. الهدف نبيل ويستحق الاحترام.. لكن يبدو ان حكومة تسيير الأعمال لا تعلم ان في بلدنا المحروسة أكثر من 31 جهازا رقابيا في مقدمتهما الرقابة الإدارية.. والمحاسبات والأموال العامة.. والكسب غير المشروع وجميعهم يتابعون ويراقبون الفساد الإداري.. والانحراف الوظيفي.. والرشوة.. والاختلاس والتزوير.. والتلاعب بأموال البنوك والاستيلاء علي أراضي الدولة.. وفي أدراجهم آلاف من الملفات والدراسات والأبحاث.. عدا تقاريرهم المرسلة لجميع الوزارات والهيئات والجهات التي يعنيها أمر الفساد! أكثر من هذا ان وزارة التنمية الإدارية نفسها شكلت لجنة للشفافية ومكافحة الفساد في الجهاز الإداري.. وكل عام تخرج علينا بتقرير ترصد فيه بالأرقام حجم الانحراف والتجاوز والفساد! ربما كان الأجدر تنسيق اختصاصات تلك الأجهزة بشكل أفضل يمنع التعارض والتضارب.. وبحث امكانية تقليص بعضها.. وضم البعض الآخر لتكون أكثر فاعلية! وزير العدل المستشار محمد عبدالعزيز الجندي.. كان يجب عليه أن ينبه الحكومة بعدما أصابها الزهايمر.. ان هناك جهازا مهما اسمه الكسب غير المشروع تابع لوزارته منذ إنشائه في السبعينيات.. وانه من أخطر وأهم الأجهزة القضائية التي تتبع وتفحص وتحقق فيما ترسله إليه الجهات الرقابية الأخري من تقارير واقرارات للذمة المالية.. وما يرد إليه من شكاوي موثقة حول جرائم التربح والتكسب والرشوة والعمولات واستغلال النفوذ.. وغيرها من جرائم المال العام التي قد يرتكبها من يتولون وظائف عامة في جميع أجهزة الدولة.. ومعهم أيضا الوزراء والمحافظون.. وأصحاب الوظائف العليا.. بالاضافة إلي المنتخبين والمعينين من الأحزاب ونواب البرلمانيين. قانون جهاز الكسب غير المشروع يلزم هؤلاء جميعا ان يقدموا »اقرارات ذمة مالية« قبل تولي مناصبهم ووظائفهم.. وبعد خروجهم منها أيضا.. وذلك لإحالة أي مخالفات تشكل جرائم مال عام أو تربح من الوظيفة إلي المحاكم.. أو لإبراء ذمتهم المالية من أي شبهة كسب غير مشروع. هذا الجهاز المهم والخطير تاه منذ سنوات طويلة.. وضل طريقه من علي خريطة مكافحة الفساد والكسب غير المشروع.. عمدا ومع سبق الاصرار ولأسباب معروفة ومعلومة.. رغم انه الجهاز الأقوي لأنه قضائي وليس استثنائيا وأعضاؤه قضاة طبيعيون منحهم القانون كل الرخص والسلطات في محاصرة جميع أوجه الفساد.. ولأعضائه كل اختصاصات النيابة والقضاء الواردة في قوانين السلطة القضائية.. وذلك في اجراء التحقيق دون استئذان أي جهات.. ولهم الحق في منح المتهم كل طرق اثبات البراءة.. كما ان لهم أيضا سلطة الحصول علي أي معلومات.. أو مستندات تدعم عملهم.. وكذا حق التحفظ.. وإدارة الأموال والممتلكات والتقديم للمحاكمة. الجهاز لو تم تفعيل سلطاته في الماضي لما كان عندنا هذا الحجم من الفساد ولما كنا في حاجة إلي وجود أجهزة الرقابة المتعددة!. ولذا أقول لسنا في حاجة إلي إنشاء الجهاز الجديد الذي اقترحه رئيس الوزراء.. لأن الجهاز الحالي للكسب غير المشروع هو جهاز قضائي وبحكم القانون مسئول عن مواجهة ومكافحة الفساد.. وخاصة كل ما يتعلق بالذمة المالية لكل من يعمل أو يتعامل مع المال العام.. وصولا إلي توجيه الاتهام الخطير لكل مخالف أو متربح بالمال الحرام.. من أين لك هذا؟!