أي عبرة سياسية وازدواجية معايير وموازين مختلة لهذا العصر و.. إنما ابتداء رجاء نسيان مؤقت لشخص القذافي وحكمه الممتلئ بالشطحات وما يشبه الجنون، ولننظر إلي ليبيا الجوار الباقي، ولنا معها من حيث المصالح المشتركة كثير.. دعوي الدوافع الإنسانية وحماية المدنيين العزل هذه لا ترقي لمراتب التساؤل بل ليس لها ما يليق بها غير الغمز واللمز وإلا فلماذا ترق القلوب للمدنيين العزل في ليبيا فقط دون المدنيين العزل في اليمن والبحرين وغزة؟ العوامل الإنسانية بالقطع تبدو براء من عمليات ضرب ليبيا تحت شعار حماية المدنيين الثوار، ففي اليو المذي كانت فيه طائرات حلف الأطلنطي تجوب سماء ليبيا وتضرب طرابلس كانت إسرائيل تجوب سماء غزة وتضرب الشعب الفلسطيني فخربت وقتلت ثمانية مدنيين عزل بينهم رجل مسن وثلاثة أطفال كانوا يلعبون الكرة الشراب.. أما السيدة كلينتون فقد أدانت المفعول به وليس الفاعل، أدانت انطلاق أربعة صواريخ خائبة من غزة »صناعة بير سلم« في اليوم التالي للغارة الإسرائيلية ولم تؤد لخسائر كالمعتاد بل استقت إدانة من السيدة كلينتون! واقع الأمر ما يحدث في ليبيا هو حرب أهلية وليس ثورة بالمعني الذي حدث في مصر أو تونس أو ما يجري في اليمن... ومطلب المجلس الثوري الانتقالي في بنغازي كان منطقة حظر طيران وليس تدخلا أجنبيا. ثم الذي قامت به عملية »فجر أوديسا« حتي الآن عبارة عن ضرب ثقيل لطرابلس بالقنابل، والشعب في طرابلس ينظر إلي ما يحدث باعتباره بداية حرب استعمارية جديدة، والأمور واضحة وأقرب إلي مسرح حرب جديدة في شمال افريقيا.. وما يجول في ذهن المواطن العربي العادي ويعبر عنه المدونون العرب هذه الأيام بصريح العبارة، ان مجلس الأمن وبعض دول الجامعة العربية التي وافقت علي إقامة حظر جوي فإن 11 دولة عربية فقط من صوتوا علي القرار الذي جاء ذريعة لاستصدار قرار مجلس الأمن 1973، وكأنما ليؤدي إلي تحقيق الخطة الغربية للاستئثار ببترول ليبيا فيما بعد عهد القذافي.. خطورة عملية »فجر أوديسا« أنها أولي العمليات العسكرية للولايات المتحدة في افريقيا، إلا ان جميع دول الاتحاد الافريقي »35 دولة« رفضوا استضافتها، فانطلقت طائرات أولي عمليات »أفريكوم« من شتوتجارت، بينما ألمانيا ذاتها رفضت مبدأ التدخل، وبالتالي لم تشارك في العملية، وكذلك تركيا رغم انها عضو في الاطلنطي لكنها اختارت ان تكون مع دول المؤتمر الإسلامي، يريدونها حواراً وليس ضربا بل حلا بالدبلوماسية.. كذلك كتلة القوي البازغة الأربعة أعضاء BRIC ضد التدخل: البرازيل وروسيا والهند والصين يبدون قلقا بالغا.. الصين تحذر من كارثة إنسانية، والهند أعلنت: ليس لأي قوي خارجية ان تتدخل في حرب أهلية بين طرفين، والبرازيل تؤكد بأن ليس غير الحوار سبيلا، أما روسيا فرئيس وزرائها بوتين أطلق علي قرار مجلس الأمن رقم 3791 بأنه »قرار السماح بأي شيء«! وبوضع النقاط علي الحروف نستقرئ بوضوح ان »القلوب الرحيمة المشفقة علي المدنيين العزل في ليبيا« لا يهزها واقع الأمر من أعماقها غير الفرص المتاحة أمامهم في عهد ما بعد القذافي.. فالشعب الليبي الذي لا يزيد علي نحو 6 ملايين لديه أكبر احتياطي بترولي في افريقيا، بترول يعتبر الأنقي والأقل تكلفة في استخراجه ولدي نقله لأوروبا، واسألوا في ذلك مؤسسة »ايني« الإيطالية العملاقة التي تستثمر 05 مليارا في ليبيا. أما أهل الأوديسا فهم بالأساس الساركوزي ويعتقد أنه سيبدو أمام الفرنسيين قائدا مغوارا كما لو انه نابليون زمانه وبهذا يدعم موقفه الانتخابي الهزيل.. وبيرلسكوني الذي عرف بمشاعر الود المخصوص للقذافي فقد خشي ان تنتزع فرنسا فيما بعد مصالح إيطاليا التجارية مع ليبيا، لذا اندفع بالانضمام إلي التحالف ضد حبيبه القذافي.. من حيث أمريكا وبريطانيا فيدرك المراقبون والخبراء المعنيون والسياسيون وكل من يدخل في هذه الزمرة أن البحر الأبيض في المرحلة الحالية مستهدف رئيسي لحلف الأطلنطي، بل هناك شبه اتفاق علي أن »بحيرة المتوسط« ليست بأقل أهمية كمسرح للأعمال العسكرية حاليا عن المسرح الآخر في »أفغانستانباكستان«.. ثم لاحظوا الآتي ان فيما حول هذا البحر الأبيض ما عاد غير ثلاث دول فقط هي من غير لا عضوية في الاطلنطي ولا بشركاء في برامجه وهذه هي ليبيا وسوريا ولبنان وهنا نحن نتابع ما يجري لليبيا وسيأتي الدور علي سوريا! لو ظل موقف القذافي متماسكا لسوف تتطور الأمور إلي ما هو أسوأ، إذ وفق القانون الدولي يبقي نظامه شرعيا يقاتل قوات أجنبية تحاول إسقاط نظام حكم قائم، لذا قد يكون ما تأمل فيه واشنطن ولندن وباريس الآن تحول الثائرين بإمدادات السلاح من الدفاع إلي الهجوم فيتجهون إلي طرابلس ويسقطون الطاغية وتنتهي الأمور نهاية الأفلام السعيدة، ثم يبدأ توزيع الجوائز علي الأبطال: أمريكا وفرنسا وبريطانيا..! إنما هذا ما لا يبدو في الأفق، بل اتجاه الأحداث يبدو كما لو أن الأوديسا هذه وضعت الأساس لانقسام ليبيا نصفين وهذا علي أحسن تقدير: ليبيا شرقية حيث جيش الثوار، وليبيا غربية حيث جيش القذافي ولعلها لا تتحول في النهاية إلي لون من البلقنة. نعم أخشي ما نخشاه أن تؤدي الأحوال بليبيا في النهاية إلي مصير قبرص وكوسوفو والكوريتين،أي تقسيمها جغرافيا سياسيا لنصفين. وها هو فصل آخر من فصول التقسيم الجاري في المنطقة و... حساب الجامعة العربية في هذا الشأن عسير!