تحدثنا في المقالة السابقة عن الفتاة الصغيرة "بائعة المناديل" التي جلبت ابتسامتها النقية الصافية السعادة إلي سيدة ملأ الحزن والألم والإحباط قلبها، لتسري تلك السعادة في وجدان آخَرين. وفي هذه القصة أجد كثيرًا من المبادئ التي تؤسس لحياتنا، ومنها: أولاً: إن الخير لا يجلُِب إلا الخير، ليعود إلي من قدَّمه دون انتظار مقابل له. لقد بدأت الفتاة الصغيرة بتقديم الخير للزوجة الحزينة عندما أعطتها كيس المناديل لتجفف دُموعها، مصحوبًا بابتسامتها الحاملة للزوجة راحةً وسعادةً إذ التقت قلبًا صغير السن كبيرًا في محبته مهتمًّا بها؛ وبهذا قدمت الفتاة الصغيرة خيرًا ماديًّا وآخر معنويًّا: "المناديل" و"الابتسامة"، وهما ما جعل السلام والهُدوء والسكينة تسري في نفس السيدة الحزينة لتقوم هي بدورها في إسعاد شخص آخر هو زوجها. ولم تتوقف دائرة العطاء والسعادة: فقد حاول الزوج بدوره أن يُسعد نادِل المقهي الذي كان يجلس فيه، مختليًا بنفسه بعد مشاجرة مع زوجته صباح ذلك اليوم؛ لتتسع دائرة السعادة فتشمل السيدة العجوز بائعة الحُبوب، فتزداد اتساعًا لتُحيط وتكتنف فتاتنا الصغيرة بادئة السعادة! ببساطة شديدة: من يزرع الأزهار لن يجد حوله سوي الأزهار؛ وهنا أتذكر قول الحكيم: "ارمِ خبزك علي وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة.". ثانيًا: أن يقدِّم الإنسان ما يمكنه تقديمه بأمانة وبساطة، ولسوف تتحول الأمور جميعها إلي خيره. إن الله تبارك اسمه يُسَرّ بعطائك مهما كان بسيطًا، إذ عطاؤك لا يعني إلا أنك إنسان تحمل بين ضلوعك قلبًا، لا حجرًا! وكلما قدمتَ كل ما تستطيعه، منحك الله احتياجك وزاد من إمكاناتك! حقًّا إنها تدابير الله التي تسمو عن الوصف وأعماله التي تعلو عن الاستقصاء! ولذا، يا عزيزي: حاول أن تقدم كل ما يمكنك أن تقدمه، وإن كنت تري أنه لن يُفيد شيئًا! قدِّم، واترك الأمور بين يدَي مدبر الكون. وللحديث بقية