خلال الأيام الماضية جمعتني دردشة ممتعة مع الفنان الكبير فاروق حسني وزير الثقافة داخل مكتبه الأنيق بالزمالك حيث توجهت إليه كعادتي كل عام لتهنئته بالعيد. وعلي مدي ساعة ونصف الساعة تطرق الحوار بيننا لشتي مجالات العمل الثقافي علي مدي مسيرته الطويلة التي قاربت 32 عاماً منذ أن وقع اختيار الرئيس حسني مبارك عليه لشغل منصب وزير الثقافة حيث كلفه بخطة طويلة المدي تعيد لمصر وجهها الحضاري كأمة تمتلك تراثاً إنسانياً لعب دوراً مهماً في تشكيل وجدان البشرية عبر عدة عصور مختلفة. وبالفعل تحمل الوزير الفنان فاروق حسني مهام مسئولياته بإرادة وتصميم وشجاعة وراح يعيد إطلاق منظومة العمل الثقافي في مصر وفقاً لخطة علمية دقيقة تم تنفيذها علي أرض الواقع بجدية تامة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها بلادنا آنذاك عقب انتصارنا في حرب أكتوبر 3791 وقيام القيادة السياسية بإعادة بناء الدولة الحديثة لتساير الركب العالمي في الرقي والازدهار في شتي المجالات واتخذت من الثقافة المصرية بروافدها المتعددة عنواناً لواجهة هذا الوطن العظيم. واعتمد فاروق حسني علي السير في عدة اتجاهات متوازية لتحقيق هذا العنوان ليكون واجهة لهذا الوطن ففي مجال الآثار الإسلامية والقبطية شهدت بلادنا أكبر عملية ترميم للآثار من مختلف العصور بجانب بناء المتاحف والمخازن وإعادة التوهج والبريق واللمعان للقاهرة التاريخية وغيرها من المواقع الأخري علي مستوي كل حبة رمل في مصر لتصبح هي البلد الذي يحوي المتحف الأكبر بين متاحف العالم. وعلي الجانب الآخر تبنت وزارة الثقافة مشروع ضخم يتعلق بذاكرة الأمة من خلال الاهتمام غير المسبوق بدار الكتب والوثائق القومية لما يتضمنه من ملايين الودائع المكتبية النادرة وآلاف المخطوطات بجانب إعادة إصدار وتحقيق أمهات الكتب التي ساهمت في التعريف بحضارتنا في عصورها المختلفة وشهدنا إعادة إحياء مكتبة باب الخلق وإنشاء مركز ترميم لدار الوثائق بجانب مشروع يستهدف ميكنة 32 ألف وثيقة وتحويل المخطوطات إلي رسائل الكترونية وتحميلها علي أقراص مدمجة وإتاحتها أمام الباحثين علاوة علي تطوير المكتبات العامة والمتنقلة في أنحاء القاهرة الكبري مع إحداث نهضة كبري لهيئة الكتاب العريقة. وإذا انتقلنا لمجال الكتاب والنشر والترجمة نجد طفرة هائلة من خلال هيئات الوزارة المختلفة أدت إلي إصدار أكثر من 21 مليون نسخة تحمل عناوين مختلفة في شتي فروع ومجالات الثقافة فضلاً عن إقامة معرض بالقاهرة بشكل سنوي جنباً إلي جنب معرض كتب الأطفال ويشكل مهرجان القراءة للجميع حدثاً شديد التميز والثراء انعكست آثاره علي كل أسرة في مصر. ويجيء المركز القومي للترجمة كحدث مهم في إثراء العقل البشري من خلال ترجمة أكثر من 0051 عنوان من ثلاثين لغة عالمية تعكس ثقافة الشعوب المختلفة. وعلي مستوي المكتبات نجد انتشار هائل في حجم ما تم تحقيقه في هذا المجال حيث شهدت الفترة الماضية خروج 511 مكتبة جديدة في القري والنجوع والمناطق النائية المحرومة من مكونات العمل الثقافي في مجالات الأدب والمسرح والسينما وغيرها من وسائل المعارف الثقافية التي ساهمت بشكل واضح في تقليل نسبة الأمية في مصر. واهتم فاروق حسني علي مدي سنوات قيادته لوزارة الثقافة بدعم وتطوير وتحديث وإنشاء قصور جديدة للثقافة علي كل شبر علي أرض مصر للارتقاء بثقافة كل إنسان وتشجيع أصحاب الإبداع والموهبة في كل مفردات العمل الثقافي والفني ولم تتوقف جهود الوزارة عند هذا الحد بل سعت إلي إنشاء مراكز الإبداع في عدة مناطق مهمة داخل القاهرة والاسكندرية لتكون ملتقي كبيراً لمبدعي الوطن في مختلف ألوان الفنون وممارسة الحرف مثل ورش الحرفيين في الفسطاط. ومن ناحية أخري شهدت مسارح الدولة تطويراً كبيراً لبعضها بينما لايزال العمل مستمراً في بعضها الآخر ونفس الحال نجده في قطاع الفنون التشكيلية وأكاديمية الفنون فهناك مشروعات تم الانتهاء منها وأخري جار استكمالها وهي إضافة قوية ومهمة في المنظومة الثقافية. وخارج حدود الوطن تم تجديد وتطوير وتحديث الأكاديمية المصرية للفنون في روما وقام الرئيس حسني مبارك مع رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو بيرلسكوني بافتتاحها مؤخراً لتكون قلعة ثقافية وسط العالم تتحدث عن حضارة هذه الأمة. ولا يمكن أن تتوقف سطوري عن الحديث عن فاروق حسني ووزارة الثقافة دون الإشارة إلي حدثين علي درجة كبيرة من الأهمية وهما: متحف الحضارة الذي يتم افتتاحه منتصف العام المقبل بينما يتم افتتاح المتحف الكبير في بداية عام 3102 بمشيئة الله. هذا إلي جانب مشروع تطوير القاهرة التاريخية والإعجاز الذي شهدناه يتم في منطقة شارع المعز لدين الله الفاطمي وافتتاح متحف الفن الإسلامي بعد الانتهاء من تطويره. وتتابع المشروعات الثقافية الأخري المهمة لتشهد المرحلة المقبلة اكتمال مشروع تطوير وترميم الكنيسة المعلقة وغيرها من المشروعات العملاقة التي تحمل مشاعل التنوير في عصر الزعيم والقائد الرئيس حسني مبارك وتتحدث عن عظمة وشموخ هذه الأمة والتي سوف تظل علي مدي الأجيال المقبلة تسجل بكل فخر واعتزاز ما صنعه الوزير الفنان القدير فاروق حسني وكتيبة المبدعين من معاونيه الذين عملوا معه في صمت وهدوء ليظل وجه مصر مضيئا إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.