د. محمد الجوادى. لو اتخذ الرئيس إجراء حازما ضد الداعين للعنف لخرج الشعب يؤيده من جديد، عادت حوادث العنف بوجهها القبيح تخيم علي بعض محافظات مصر لتزيد الأجواء في مصر توترا وإرتباكا طوال أيام الأسبوع الماضي .. وبوصفك طبيبا قبل أن تكون مؤرخا وكاتبا سياسيا، كيف تشخص المشهد السياسي الراهن ؟ المشهد السياسي الراهن بلاشك محزن ومقلق في نفس الوقت، ويتلخص هذا المشهد بالنسبة لي في ثلاثة مواقف، الأول أخشي فيه أن المعارضة السياسية المتمثلة في جبهة الانقاذ الوطني تندم حين لا ينفع الندم لو فقدت د.محمد مرسي في موقع الرئاسة، ففي هذه الحالة سنخسر كثيرا، وذلك لأن د.مرسي يتمتع بالعديد من الصفات الجيدة، فهو أستاذ جامعي له خبرة بالعمل السياسي دون أن يستغرقه العمل السياسي، حيث تولي الملف السياسي في جماعة الأخوان المسلمين لمدة عشر سنوات، وكان عضوا بمجلس الشعب لدورة كاملة، وشارك في الاتحادات البرلمانية، ومن ثم فإن لديه خبرة معقولة، لا هي زيادة تستهلكه، ولا هي ناقصة تعيبه، ولكنه مهني يمارس السياسة المعقولة. والموقف الثاني يتمثل في أن مطالب المعارضة كثيرة جدا، وهي تشبه طلبات فؤاد المهندس من زوجته حينما كان يغني ويقول "فين المحشيات والحلويات والمكسرات... الخ ، وفي النهاية يرسي الأمر علي طبق فول مجرد مشاركة في السلطة يلهي قوي المعارضة السياسية عن هذه الطلبات. أما الموقف الثالث، فهو يخص حكومة د. هشام قنديل، والتي أراها أقل أو أصغر من الموقف والأحداث الراهنة بكثير، وليس لديها القدرة علي أن تستقيل وتعطي الفرصة لغيرها. حرب أهلية في خضم أحداث العنف التي شهدتها مصر طوال الأسبوع الماضي، عادت المخاوف التي إنتابت البعض في أوقات سابقة من إمكانية نشوب حرب أهلية في مصر، ولاسيما مع تهديد بعض القوي الإسلامية بالتدخل لتشد من أزر الرئيس.. فما تعليقك؟ نحن تجاوزنا هذه المرحلة، والحقيقة أننا كنا في وقت من الأوقات السابقة مقبلين بالفعل علي حرب أهلية، وهي الفترة التي كانت بين الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية وجولة الإعادة، حيث كانت هذه الفترة تنذر بحرب أهلية لكن من حسن الحظ أن المصريين تجاوزوا هذه المسألة، ولكن يظل الخطر قائماً، ومن ثم فإن الواجب علينا جميعا أن نتجنب الحرب الأهلية بكل السبل والوسائل، ونتخذ كل الاحتياطات حتي نحبطها مبكرا، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بفتح الملفات بصراحة وبوضوح، وعلي أيدي أطباء مفكرين، ومن خلال هدوء علماء الاجتماع والمؤرخين، وبعيدا عن ديماجوجية السياسيين، فنحن بحاجة إلي علاج وليس تهييجا. البعض يري أنه من الصعب في ظل حالة الاستقطاب الحاد المسيطرة علي الشارع المصري الوصول إلي حل يرضي طرفي النزاع السياسي في مصر الأن.. فبماذا ترد؟ بالعكس يمكن أن نصل إلي ما هو أفضل من الحل الوسط، حيث يمكن أن نصل إلي حل مثالي يرضي جميع الأطراف. وما هو هذا الحل المثالي؟ - الحل المثالي يتمثل في تقاسم السلطة بطريقة ذكية، فعلي سبيل المثال إذا كان لدينا 27 محافظة فمن الأفضل أن يتولي أناس منتمون للاخوان المسلمين القيادة في 17 محافظة، ويتولي القيادة في العشرة المحافظات الباقية أناس من غير الإخوان، بشرط أن يتولي الأخوان القيادة في المحافظات التي لم تمنح أصواتها للدكتور مرسي في الانتخابات الرئاسية، بينما يتولي غير الأخوان القيادة في المحافظات التي لم تمنح أصواتها لأحمد شفيق، وذلك حتي لا يكون التوزيع طائفيا، وحتي نعطي الفرصة لكلا الفريقين أن يحسن نفسه في المحافظات التي فشل فيها في الانتخابات الرئاسية، ويحاول أن يثبت فيها كفاءته وقدرته علي النهوض بها، وبعد ذلك تأتي أهمية أن تمارس المجالس النيابية والمحلية دورها بالشكل الذي يحقق مصالح مصر العليا دون النظر للانتماءات الحزبية والأهداف السياسية لكل فريق. وبالتوازي مع هذا لابد من العمل علي زيادة الجرعة السياسية وترسيخ التربية السياسية الصحيحة والسليمة لدي فئات الشعب المختلفة ولاسيما الطبقات الشعبية، ولنا في ألمانيا القدوة والمثل حيث أنها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وإنقسامها إلي شطرين عملت علي تربية مواطنيها سياسيا من خلال الندوات واللقاءات والمحاضرات السياسية، والتي بلغ متوسطها اليومي ما يقرب من خمسة آلاف ندوة، وبعد سنوات من البدء في ترسيخ قواعد التربية السياسية السليمة بحثوا مسألة الوحدة بين المانياالشرقيةوالمانياالغربية، وهي الوحدة التي تحققت في خمس دقائق، بعد أن تمت إزالة سور برلين في النفوس قبل أن يزال في الواقع، والحقيقة أننا في مصر كنا قد بدأنا في هذا المشروع عام 1934 أيام سعد زغلول من خلال كتاب التربية الوطنية لمؤلفه عبدالعزيز البشري، والذي كان يتضمن كل معاني التربية السياسية الصحيحة والسليمة، حيث كان يشرح معني الدولة، ومعني السيادة، ومعني الحكومة الرشيدة والحكومة الظالمة، ومعني الحكم، ومعني السياسة، ومعني الديمقراطية، وهي أمور نحن بحاجة الأن إلي تعليمها لشبابنا حتي يمارس السياسة كما يجب أن تكون. مجزرة بورسعيد بلاشك أن الأحداث التي شهدتها بعض محافظات مصر طوال الأسبوع الماضي كانت أكبر بكثير من مجرد محاكمة المتورطين في مجزرة ستاد بورسعيد.. كيف تري الأبعاد الحقيقية لهذه الاحداث؟ بالطبع هذه الاحداث أكبر بكثير من مجرد محاكمة متهمين متورطين في مذبحة جماعية وقعت في ستاد بورسعيد، وعند تشخيص هذه الأحداث بلغة الطبيب بالاشعة المقطعية، فإنها تكشف عن ثلاثة مستويات مقطعية في الأزمة الراهنة، المستوي الأول يتمثل في فئة الناس المتحمسة، والذين يتحركون ويخرجون بشكل عفوي، والمستوي الثاني يتمثل في الغطاء السياسي لهؤلاء البسطاء، وهو يتمثل في جبهة الانقاذ الوطني، فهذه الجبهة لم تُخرج الجماهير ولكنها تزعم أن لها تأثيرا في خروج الجماهير، وهي بمعني أدق بتركب الموجة ، والمستوي الثالث يتمثل في المؤامرة الخارجية من دولة عربية صغري تستغل »الجو العكر« لتحقق مصالح ما لنفسها. ولاينبغي أن نخلط بين هذه المستويات الثلاثة، ففيما يتعلق بمن يمثلون الغطاء لابد أن نحاورهم، ولكن لا نطلب منهم أن يهدئوا من غضب الناس فهم لا يستطيعون ذلك. أما علي المستوي الشعبي فلابد أن نعمل علي ترسيخ مبادئ التربية السياسية الصحيحة لدي افراد هذا المستوي، وعلي مستوي المجرمين والبلطجية والمتآمرين فلابد أن نستخدم معهم القوة والترهيب، فليس هناك مانع من استخدام العنف مع الناس الذين يدعون إلي العنف، ولا مانع من استخدام اسلوب التأديب والترهيب ضدهم، لأن القيادة فيها إيذاء للذي يخرج عن النص، والقائد لابد أن يؤذي أتباعه. المؤامرة الخارجية البعض يتحدث عن وجود مؤامرة خارجية تقف وراء الأحداث التي تمر بمصر، وهناك من يري أن هذا الأمر مجرد هراء لا أساس له.. فما رأيك؟ بالتأكيد هناك مؤامرة، وهي معلن عنها، ولايمكن إنكارها بأي حال من الأحوال، ويقف وراء هذه المؤامرة دولة عربية صغيرة. وماذا عن إسرائيل؟ إسرائيل لا تتآمر علي مصر لأنها عدو عاقل. وما مدي صحة ما يتردد حول وجود خطط لتقسيم مصرإلي عدة دويلات؟ هذه الخطط واردة في كل وقت، ولكنها مجرد تخيل نظري معملي غير قابل للتنفيذ في مصر، ولكن لابد أن نأخذه في الحسبان. وما تقييمك لتعامل الرئيس مرسي مع الأزمة الأخيرة ؟ كنت أتمني أن يكون أكثر حسما وحزما، وانفاذا لاوامره، وتحسبا للموقف، والاستعانة بكل ما يمكنه من علاج هذا الموقف، والحقيقة أنه لم يستغل التعاطف الشعبي معه، فعلي عكس ما كان متصوراً فإن التعاطف الشعبي مع الرئيس مرسي وصل إلي ذروته عندما أصدر الاعلان الدستوري، فقد كان الشعب معه في هذا الموقف، لانه أنهي فترة انتقالية علي حساب نفسه، والشعب اعتبره بطلا، وفي هذه الايام لو اتخذ الرئيس مرسي إجراء جريئا ضد من يلجأ إلي إسلوب التهييج، سيخرج الشعب ليؤيده وذلك لأن الشعب المصري يصبر علي الظلم ولا يصبر علي الفوضي. الانتخابات البرلمانية وهل تتوقع أن تزيد الانتخابات البرلمانية المقبلة المشهد السياسي تعقيدا وتوترا ؟ - نعم، إذا استمرت حكومة د. هشام قنديل، وفي حالة إستمرار قنديل قد يخسر الأخوان كل شيء. وكيف تري أخطاء حكومات الثورة المتعاقبة ؟ - رؤساء هذه الحكومات بداية من شفيق وحتي الجنزوري ضيعوا وقتنا، وبردوا الثورة، ولابد أن ننتقم لهذه الثورة، ولابد من تفريغ العنف ضد الذين خانوا الثورة، وهنا أود أن أشير إلي أنني كنت الوحيد الذي لم اتهم المجلس العسكري بخيانة الثورة، ولكني جرمت الذين تعاونوا معه علي تزييف إرادة الناس من رؤساء الحكومات المتعاقبة، فالمجلس العسكري لم يقسم اليمين، ولم يكن موظفا لدينا حيث كان موظفا عند مبارك. أما الذي أقسم اليمين، فموظف عندنا، وهو الذي لابد أن نستخدم معه العنف. وأخيرا.. هل عاشت مصر في تاريخها السابق ظروفا مماثلة لهذه الظروف الحرجة التي تعيشها الأن؟ مصر عاشت مثل هذه الظروف عدما ثار المصريون في نهاية عصر الفراعنة ضد الملك تيتي والذي ظل يحكم مصر لسنوات طويلة، وقد استمرت الثورة والظروف المتوترة في أعقابها 90 سنة.