صورته في كل مكان بمنزله في السويس.. يرتدي في كل مرة ملابس مختلفة.. ينظر في احداها إلي السماء، ثم يرتد بصره مرة أخري إليك وكأنه يحدثك، تشعر أن مساحة ذلك المكان متحفا لذكرياته أو بالاحري لذكراه. أما حجرته فهي مكان محرم علي أحد دخوله، إلا لأم مصطفي رجب أول شهيد بالثورة واسمها ثريا زكي البالغة من العمر 65 عاما والتي حرصت ألا تفارقها صورة ابنها في كل مكان بالشقة وكأنه يعيش معها.. هو بالفعل لم يفارق قلبها وإن كان ترك المكان. حرصت الام علي وضع صور ابنها في كل مكان، علي باب الشقة، وفي صالة المنزل تجد منها ما يتجاوز أصابع اليد..، قلبها وعقلها مشغولان به دائما وبمن في سنه، لكنها راعت حق عينيها في أن تري دائما حبيبها، وكلما اشتاقت إليه ذهبت في جولة صغيرة بين متعلقاته، حتي توفي حواسها ولو قدرا قليل من الاشتياق. »أخبار اليوم« التقت بوالدة الشهيد مصطفي رجب في الذكري الثانية لثورة يناير. بالزي الاسود، تستقبل كل من يطرق منزلها، اتخذته وشاحا يحجب عنها برد النسيان، كلماتها بسيطة كحالها لكن لهجتها تحمل الشعور بالرضاء والعناد.. رضاء بقدر الله أن جعل من دم ابنها سيلا جارفا يغرق أرباب النظام السابق، وعنادا للزمان الذي لم يستطع التأثير علي ذاكراتها. حدثتنا السيدة ثريا في البداية عن مصطفي أو كما تحب أن تناديه »حبيبها« تتجه بعينها إلي إحدي الصور التي تملأ الصالة، قائلة.. كلما اشتقت إليه أنظر إليها، فاجده يبادلني النظر، وضعتها بشكل مواجة للباب حتي أني أشعر أنه يستقبلني كلما خرجت وعدت للمنزل، هكذا كان في حياته، وبقي علي حاله بعدما استشهد. تحكي عن اخر ما أعطاها مصطفي قبل أن يخرج يوم الثلاثاء 52 يناير قام بتسليمها راتبه بالكامل في ظرف مغلق كما تسلمه من عمله، لم أفتحه ولم أعرف كم من المال فيه، كما اعتاد ان يدخر جزءا في جمعية للزواج، ففي ذلك وفي نفس اليوم حدثني عن الزواج أكثر من مرة من تلك الفتاة التي طلب يدها من والدها، ولم نكن حددنا بعد ميعاد الخطبة، وكان ينتظر مبلغ »المجلس الحسبي« من معاش والده ليتسلمه يوم 4 ابريل 1102 الذي يكمل فيه 12 عاما، فيشتري به أثاث شقته البسيطة التي كان يخطط للزواج فيها، لكنه خرج في ذلك اليوم كالعريس ارتدي ملابس جديدة كأنه يعلم قدره. آخر الجلسة تصمت الام لتعطي لعينيها نصيبا من الحزن فتبكي من يسمعها، تتذكر آخر جلسة غسيل للكلي، قائلة: عندما خرجت من المستشفي رأيت شابا من ظهره يرتدي نفس »بلوفر مصطفي«، ولم أعلم أنه الخروج الذي لا عودة بعده،.. حاولت كثيرا الحصول علي ذلك الرداء المخضب بدمائه لكني لم أعثر عليه بالمشرحة، فعدت للمنزل أجمع واحصي كل متعلقاته، ملابسه، عطره، حذاءه، محفظته، حتي الاوراق التي كان عليها خطه مازلت أحتفظ بها في غرفته، ولا أجعل أحدا يقترب منها. وتحكي الام عن معطف اسود أحضره مصطفي لها في ذلك اليوم داخل الحقيبة، لم يخرجه، كان يريد أن يفاجئها به، قبل أن يغادر المنزل، وأصر أن أرتديه أمامه، لكني كنت منشغلة بأشغال المنزل، فوقف واضعا يده علي الباب وقال لي: »يعني مش هتلبسيه ياماما، براحتك، أنا كان نفسي أشوفه عليكي قبل ما أنزل«، فأجبته سأرتديه وعليه بنطلون جينز واخرج معاك، فضحك وودعني، ولم أكن أدري أنها آخر ابتسامة! بعد تلك الشحنة من الحنين والعاطفة واشتياق الام لولدها أردنا الخروج بها من تلك الصومعة وكسر العزلة.. سألناها: كيف ترين الثورة بعد عامين؟ أجابت: لم يتحقق شئ للشهداء خلال عامين ولم يتم القصاص أما بالنسبة لمن هم في عمر مصطفي فلم يحصلوا علي أبسط حقوقهم في وظيفة توفر دخلا يوفر حياة كريمة لهم. تصمت قليلا ثم تواصل الحديث قائلة: حينما وضعتنا الانتخابات أمام أحمد شفيق ومحمد مرسي في جولة الاعادة لم نفكر في المقارنة فاخترنا مرسي، وكنت سعيدة جدا حينما فاز، ولست نادمة علي اختياره، فمهما فعل لن نجد منه ما عشناه 03 عاما علي يد المخلوع، لا أتوقع أن يفكر مطلقا في أن يصدر أوامر لوزير الداخلية - أي وزير - باطلاق النار علي المتظاهرين، ولن يسرق شعب مصر كما فعل السابق، لكن المشكلة ليست في الرئيس بل فيمن حوله.. لابد من اختيار الحاشية التي تنفذ أهداف الثورة. وأخيرا توجة الام رسالة للرئيس محمد مرسي قائلة: »سيادة الرئيس من ام الشهيد مصطفي رجب إلي سيادتكم.. عليكم بالوفاء بالوعد في القصاص للشهداء.. أدعو لك بالتوفيق في عملك لتحقق ما أخترناك من أجله، ولتحقق ايضا آمال الشباب في غد أفضل لهم، فأوفي بما وعدت به.