أكد الخبير الاقتصادي د. علي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق، أن وضع الاقتصاد المصري ينذر بكوارث حقيقية إذا لم نُسرع في إتخاذ الخطوات اللازمة لعلاج هذا الوضع.. مشددا علي ضرورة العمل علي تحقيق استقرار سياسي وعودة الأمن بشكل كامل في أسرع وقت حتي يتعافي الاقتصاد المصري . وأشار د. لطفي في حوار مع " أخبار اليوم " إلي أن عجز الميزان التجاري وصل الي 31 مليار دولار، وعجز ميزان المدفوعات بلغ 11 مليار دولار ، وتراجعت معدلات السياحة بنسبة أكثر من 70 ٪ وتم إغلاق ما يقرب من 2000 مصنع، وضياع حوالي 150 مليار جنيه من البورصة، وبلغ حجم الدين العام 1.3 تريليون جنيه ، وتصل فوائده في السنة المالية الحالية 133 مليار جنيه، بالاضافة الي تزايد عجز الموازنة العامة للدولة سنة بعد أخري.. وإذا استمرت الأوضاع علي ما هي عليه الآن سيصل العجز إلي 203 مليارات جنيه. وأوضح رئيس وزراء مصر الأسبق، أن مصر في أمس الحاجة لقرض صندوق النقد الدولي لسد عجز الموازنة العامة للدولة وعجز ميزان المدفوعات.. مؤكدا أن هذا القرض لا يضر بالاقتصاد الوطني، وهو بمثابة شهادة " حسن سير وسلوك " للاقتصاد المصري. وفيما يلي نص الحوار: د. علي لطفي خلال حواره مع أخبار اليوم بداية.. لا يخفي علي أحد الوضع الحرج الذي يعيشه الاقتصاد المصري منذ إندلاع ثورة 25 يناير وحتي الأن.. فمن المسئول عن هذا الوضع المؤسف؟ وضع الاقتصاد المصري ليس حرجا فحسب، وإنما ينذر بكوارث حقيقية إذا لم نُسرع في اتخاذ الخطوات اللازمة لعلاج هذا الوضع الحرج الذي يعيشه اقتصادنا الآن، والحقيقة أن ثورة 25 يناير ليست هي المسئولة عن هذا الوضع الحرج والصعب، وهناك سببان نشأ عنهما هذا الوضع، أولهما يتمثل في الانفلات الامني الذي حدث منذ 28 يناير من عام 2011 وظل مستمرا حتي الأن، وهو ما تسبب في هروب الاستثمارات العربية والأجنبية، فضلا عن توقف العديد من المستثمرين المصريين عن الاستثمار في ظل عدم وجود أمن، وهو ما تسبب أيضا في تراجع معدلات السياحة الواردة إلي مصر. أما السبب الثاني فيتمثل في كثرة المطالب الفئوية التي تفجرت في أعقاب الثورة، وإن كانت هذه المطالب موجودة قبل الثورة ولاسيما في السنوات العشر الأخيرة، ولكنها كانت مكبوتة حيث لم تكن هناك حرية كافية تسمح لأي فئة تطالب بحقوقها، وللاسف الشديد استجابت حكومات ما بعد الثورة المتعاقبة سواء حكومة شفيق أوحكومة شرف أو حكومة الجنزوري أو حكومة قنديل لهذه المطالب الفئوية مما شجع جميع فئات الشعب إلي تنظيم مظاهرات واعتصامات من أجل مطالب فئوية، ويكفي هنا أن نشير إلي أن الحكومة لم تجد أموالا كافية لسد هذه المطالب، فقام البنك المركزي بطبع 22 مليار جنيه في شهر فبراير عام 2011 أي بعد شهر واحد علي الثورة، ويضاف إلي هذا كله أن المشاكل والأزمات التي تفجرت وظهرت بقوة علي السطح لم تكن هناك حلول جذرية لها، ومع مرور الوقت تراكمت المشاكل بشكل خطير مما أدي في النهاية إلي هذا الوضع الاقتصادي الصعب. أرقام مزعجة وماذا تقول لغة الأرقام عن حقيقة الوضع الاقتصادي في مصر حاليا؟ الوضع الاقتصادي في مصر صعب وخطير بناء علي مجموعة من المؤشرات والأرقام المخيفة، مع العلم أن مصادر هذه الأرقام جهات رسمية، حيث أن هذه الأرقام صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، وهو المسئول عن جميع احصائيات الدولة، إضافة إلي البنك المركزي ومجلس معلومات مجلس الوزراء، وتقول هذه الأرقام أن عجز الميزان التجاري المتمثل في الصادرات والواردات السلعية لا توجد خدمات في عام 2011 و2012 وصل الي 31 مليار دولار، وبلغ عجز ميزان المدفوعات 11 مليار دولار، وانخفض احتياطي مصر من النقد الاجنبي من 35 مليار دولار إلي حوالي 15 مليار دولار فقط، وتراجعت معدلات السياحة بنسبة أكثر من 70 ٪ وإغلاق ما يقرب من 2000 مصنع، وضياع حوالي 150 مليار جنيه من البورصة، وبلغ حجم الدين العام 1.3 تريليون جنيه، وتصل فوائد هذا الدين العام في السنة المالية الحالية الي 133 مليار جنيه، بالاضافة إلي هذا يزداد عجز الموازنة العامة للدولة سنة بعد أخري، وإذا استمرت الأوضاع علي ما هي عليه الآن سيصل العجز إلي 203 مليارات جنيه، فضلا عن أن حالات التعدي علي الأراضي الزراعية بلغت وفق احصائية وزارة الزراعة 644 ألف حالة. وقد ترتب علي هذه الأرقام المزعجة أن المؤسسات الاقتصادية العالمية المستقلة التي تصنف اقتصاديات دول العالم تخفض تصنيف مصر كل ثلاثة أشهر درجة، وكان آخر تخفيض الاسبوع الماضي، حيث انخفض تصنيف مصر إلي »b-« ، مع العلم أن الدرجة المقبلة في التصنيف الدولي هيc والدولة التي تصل إلي هذه الدرجة تكون علي أبواب الافلاس، ومن ثم يجب علي المسئولين في مصر أن يسرعوا في إعداد برنامج إصلاح اقتصادي شامل لوقف نزيف الاقتصاد المصري قبل أن يصل إلي مرحلة الانهيار الكامل. وهل هذا يعني أن شبح الإفلاس يطارد مصر الآن؟ إذا لم تقم الحكومة بأي إجراء سريع لانقاذ ما يمكن انقاذه، أعتقد أننا في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر سنكون أمام كارثة حقيقية، وسيكون الوضع ميئوسا منه، والمهم أنه وضع كارثي بمعني الكلمة الخروج من الأزمة إذن .. ما سبل الخروج من هذه الأزمة ؟ هناك عدة سبل وحلول تبدأ بحلين بعيدين عن الاقتصاد، ولكنهما مهمان جدا، ولابد منهما حتي يتم الاصلاح الاقتصادي، أولهما يتمثل في استعادة الأمن، فلابد من عودة الأمن كاملا وبكثافة وبأسرع وقت ممكن، وثانيهما يتمثل في تحقيق الاستقرار السياسي، من خلال رئيس جمهورية منتخب، ومجلس نواب، ومجلس شوري، ومجالس محلية، ودستور، ومصالحة وطنية مع المعارضة، وبعد هذا كله " نشتغل بجد.. وعندما يتحقق هذان الشرطان عودة الأمن والاستقرار السياسي يأتي دور الاصلاح الاقتصادي، فبدونهما لن يتم الاصلاح الاقتصادي، والمطلوب في الاقتصاد الآن هو إعداد وتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل يشمل: أولا: إصلاح منظومة الضرائب، وهذا يقتضي أن نعيد الضريبة التصاعدية التي تم إلغاؤها من قبل، ثم نعد خطة لمكافحة التهرب الضريبي الذي يصل في السنة الواحدة إلي 30 مليار جنيه، ونعد خطة أخري لاسترداد المتأخرات الضريبية التي تصل الي 60 مليار جنيه في السنة الواحدة، ثم نطبق الضريبة العقارية بعد تعديل بسيط علي القانون، وسوف توفر هذه الضريبة 4 مليارات جنيه في السنة الواحدة، ثم نعمل علي زيادة الاعفاء الضريبي من ضريبة كسب العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية حتي " يرتاح الموظف الغلبان ". وثانيا: ترشيد النفقات الحكومية بما لايؤثر علي أداء الخدمات، فلا نستطيع مثلا الترشيد في قطاع الصحة والتعليم، ولكن يمكن ترشيد النفقات في التمثيل الدبلوماسي، حيث لدينا 160 سفارة، و160 قنصلية، وآلاف المكاتب المتخصصة مكتب عمال ومكتب عسكري ومكتب طبي ومكتب ثقافي ومكتب هيئة الاستعلامات ومكتب مصر للطيران ومكتب سياحي وتصرف الدولة علي كل هذه السفارات والقنصليات والمكاتب مليارات الدولارات، ويمكننا أن نرشد فيها النفقات، مثلما فعلت اليونان التي وصلت إلي حد تخفيض الرواتب بنسبة 15٪ وكذلك يمكننا ترشيد النفقات في السيارات الحكومية، وفي مكافآت المستشارين التي تصل إلي 78 مليون جنيه وهي في غالبيتها مجاملات، ويكفي لكل وزير مستشاران أحدهما قانوني والاخر اقتصادي، واخيرا لابد من تفعيل الحد الأدني والاقصي للاجور. وثالثا: تهيئة مناخ الاستثمار من خلال منح المستثمرين الاراضي بسعر معتدل ومزودة بالمرافق، وتبسيط إجراءات منح التراخيص اللازمة لإقامة المشروعات والمصانع، وتطوير الشهر العقاري لتسهيل إجراءات التسجيل والتعاقد. ورابعا: التفكير في مشروعات قومية تدر دخلا كبيرا للحكومة ، ولي هنا أن أتساءل: أين مشروع تطوير قناة السويس؟.. للأسف الشديد قناة السويس منذ افتتاحها في عهد الخديو إسماعيل وحتي اليوم هي مجرد مجري مائي فقط، وأعتقد أنه آن الأوان لتنفيذ مشروع تطوير جانبي قناة السويس من خلال إقامة مشروعات سياحية وتعدينية وصناعية وزراعية علي الجانبين، وهذا الامر لا يتطلب من الحكومة سوي أن تمنح الارض للمستثمرين وهم يقيمون هذه المشاريع، وفي هذه الحالة سوف يتضاعف دخل قناة السويس من 5 مليارات دولار في السنة الي 10 أو20 مليار دولار. القروض الخارجية يعترض الكثيرون علي قرض صندوق النقد الدولي المزمع منحه لمصر بقيمة 4.8 مليار دولار، ويعتقد البعض أن هذا القرض يضر بالاقتصاد المصري ولا يفيده.. فما تعليقك؟ عجز الموازنة العامة للدولة بلغ العام المالي الحالي 140 مليار جنيه، ومن المتوقع أن يصل الي 203 مليارات جنيه، ومن ثم كان علي الحكومة أن تفكر في سبل وطرق أخري توفر لها الأموال اللازمة لسد هذا العجز، ولا يمكن الاكتفاء بإجراءات الإصلاح الاقتصادي لأن هذه الإجراءات توفر جزءاً من نسبة العجز، ومن ثم لابد من الاقتراض، ونحن في أمس الحاجة لقرض صندوق النقد الدولي لسد جزء من عجز الموازنة العامة للدولة، ولسد جزء من عجز ميزان المدفوعات، وهذا القرض لا يضر بالاقتصاد المصري لأن فيه شروطاً جيدة من حيث فترة السماح وطول فترة السداد وانخفاض سعر الفائدة، فضلا عن أن التوقيع مع صندوق النقد الدولي يمنحنا شهادة بمثابة شهادة " حسن سير وسلوك " للاقتصاد المصري، ومن ثم نستطيع أن نجذب المستثمر الأجنبي، كما نستطيع أن نقترض من جهة أخري وبشروط جيدة، ولكن بالتوازي مع هذا لابد أن ننمي موارد الدولة أولا مع ترشيد النفقات. وماذا عن المساعدات العربية لمصر التي أعلن عنها في أوقات سابقة ؟ في الحقيقة أن المساعدات العربية لمصر مجرد " كلام " فحسب، فقد سمعنا كلاما عن مساعدات عربية لمصر ولم نر واقعا، ويكفي هنا أن نشير إلي أن مساعدات قطر لمصر كانت في شكل وديعة في البنك المركزي، ومن الممكن أن تسحبها في أي وقت، والمؤسف أن هناك بعض الدول العربية لديها فائض في ميزانيتها، ولا تعرف أين تصرف هذه الاموال، وكان من المفترض علي العرب أن يمنحوا مصر قروضا بشروط ميسرة أو منحة، ولكن هذا لم يحدث، وأنا لا أري أن الاموال التي اعلنت دول الخليج عن أنها ستقدمها لمصر كافية، ولا أعلق عليها آمالا كثيرا، وهي أمور مرتبطة بظروف سياسية. مبدأ التصالح في الفترة الأخيرة دعا بعض خبراء الاقتصاد إلي التصالح مع رجال أعمال النظام السابق المتورطين في قضايا فساد مقابل رد الأموال التي استولوا عليها بطرق غير مشروعة.. هل تؤيد هذا التصالح؟ أؤيد التصالح بشرط ألا تكون هناك جناية قد ارتكبت، فلو ثبت علي رجل أعمال انه اشترك في جرائم قتل المتظاهرين فلا يمكن التصالح معه، وإنما يمكن التصالح في القضايا الأخري مقابل رد الأموال المنهوبة، وأعتقد أن هذا الأمر يفيد الاقتصاد المصري، ولكني أود الإشارة هنا إلي أنني ضد مادة العزل السياسي الواردة في الدستور الجديد، ومن الضروري أن يتم إدخال هذه المادة ضمن المواد الخلافية التي ستطرح علي مجلس الشعب المقبل لتعديلها، ولاسيما أن هذه المادة تخالف الاعراف الدستورية التي تؤكد علي مبدأ مهم مفاده " لا جريمة إلا بنص ولا عقوبة إلا بوجود جريمة "، وهذا المبدأ متعارف عليه في العالم كله، فضلا عن أن هناك الكثيرين ممن كانوا أعضاء في الحزب الوطني المنحل لا غبار عليهم. وما موقفك من المواد الاقتصادية الواردة في الدستور الجديد؟ لا بأس بها، ولكن تنقصها المظلة الكبري التي تطمئن المستثمر سواء المصري أو العربي أو الاجنبي، وأقصد بالمظلة هنا تحديد هوية وطبيعة الاقتصاد المصري، هل هو رأسمالي أم اشتراكي أم إسلامي؟.. وأنا أفضل هنا ان تكون مظلة الاقتصاد المصري "اقتصاد حر اجتماعي "، بحيث يمنح الفرصة للمنافسة الحرة، ومنع الاحتكار، ويمنح الفرصة للمستثمرين المصريين والعرب والاجانب للعمل، وفي نفس الوقت تكون هناك مسئولية اجتماعية يجب أن ترعي محدودي الدخل. وأخيرا.. هل يملك الإسلاميون الذين وصلوا إلي سدة الحكم في مصر الأن برامج اقتصادية تحقق النهضة المنشودة؟ لا استطيع أن أجيب علي هذا السؤال لأني لم أر لهم برنامجاً محدداً فقد كان لرئيس الجمهورية برنامج انتخابي عُرف بمشروع النهضة، فأين هو هذا المشروع؟! فعلي الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة أن يطرحوا هذا المشروع للنقاش من قبل خبراء الاقتصاد، وهنا أود الإشارة إلي أنه لا يوجد رجل اقتصاد واحد في هيئة مستشاري ومساعدي الرئيس، فهناك نائب رئيس و4 مساعدين و17 مستشارا ليس من بينهم اقتصادي واحد، أخيراً تم تعيين 90 عضوا في مجلس الشوري ليس من بينهم أي اقتصادي، وكأن المقصود أن يغرق الاقتصاد.