أعضاء اللجنة : لم نخترع دستورا وإنما استحدثنا نصوصا تتفق مع ظروفنا وتناسبنا الدستور الذي ينتظره الشعب، ثارحوله خلاف شديد، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لعديد من نصوصه وانشغلت النخبة المثقفة بتفسيرات متضاربة، فانتاب المواطن العادي حيرة كبري وأصبح سؤاله الذي لايجد له إجابة.. من أين جاء هذا الدستور الذي فرق الناس شيعا متنافرة لاتتوافق؟ ومن أبوه؟ ومن هم أقاربه الذين ينتسب إليهم؟ »أخبار اليوم« رأت أن يجيب علي هذا السؤال أساتذة القانون الدستوري وأعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ليعرف المواطنون كيف توضع الدساتير؟ وكيف تتم ولادة دستورنا المأمول؟ في البداية يوضح د. رأفت فودة رئيس قسم القانون الدستوري بجامعة القاهرة أن دستور الثورة لابد أن يتبني كل مطالبها وماقامت من أجله وإلا فإن دماء الشهداء وكفاح الثوار وصمودهم ضد الطاغية وحاشيته تكون كلها ذهبت هباء منثورا، ومن هنا كان لابد أن يتم تشكيل فريق يضم علماء وفنيين وخبراء متخصصين ومعهم شباب يمثلون زملاءهم الثائرين لدراسة أسباب ثورة 25 يناير واستخلاص أهدافها وماتريد تحقيقه لتضمينها الدستور باعتبارها طموحات شعب رفض الظلم ونظام الحكم المستبد وغياب العدالة وتهميش فئات كثيرة من المجتمع. لذلك يجب أن يأتي الدستور ملتحما بإرادة الشعب الذي يريد الحرية والديمقراطية والعيش في أمان وعدالة اجتماعية وتعبر عن ذلك نصوصه. وعند وضع أي دستور يتم الاستهداء بالدساتير السابقة واختيار المناسب منها ومايتفق مع نظام الحكم المنشود وثوابت المجتمع، ونحن لنا تجارب دستورية تاريخية كثيرة فالفراعنة هم أصحاب الدساتير الأولي في العالم وكل أسرة ثابت علي جدران الآثار دستورها. ويقول د. فودة: الدستور الذي طرحوا مسوداته علينا مجهول الأب غائب الهوية، فقد حشروا فيه مواد من دساتير متعددة مرة من مصر ومرة من فرنسا وثالثة من دول أفريقية وأخري غربية وهكذا جاءت كلمة من هنا وكلمة من هناك لينشئوا لنا نصوصا مشوهة ودستورا ممسوخا، وذلك لأن الجمعية التأسيسية ليس لها خط واضح تتبعه لإنشاء الدستورالذي تنشده الجماهير، وليس هناك مرجع أساسي نعتمده فمن دستور 1923 أخذوا نصوص الحريات والحقوق والديمقراطية ومن مشروع دستور54 أخذوا بعض سلطات الدولة ومن دستور 71 كانت المادة الثانية ومن دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة جاءت اختصاصات رئيس الجمهورية ومباشرتها عن طريق وزرائه ونص المحكمة الدستورية جاء من الدستور الألماني، وهكذا يتكون طبقا خليطا لايستسيغه أحد وترفضه قوي كثيرة وتحدث الزوبعة الكبري التي نسمعها الآن لأن كل يعزف علي وتره دون مايسترو متمكن فخرج اللحن نشازا يصم أذاننا كما نعيش ونري. ليس اختراعا ولكن د. يونس مخيون عضو الهيئة العليا لحزب النور وعضو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أكد أن الأعضاء منذ البداية توافقوا علي أن يكون الدستور المصري الصادرعام 1971 هو الهيكل الرئيسي لتبويب الدستور المكلفة اللجنة بوضعه لأنهم وجدوه من أحسن دساتير العالم، لذلك فقد أخذوا منه مواد كثيرة استحسنوها ووجدوا أنها تتلاءم مع طموحات المصريين خاصة في باب الحقوق والحريات ونصوص العلاقة بين السلطات، في نفس الوقت طرحوا موادا أخري وجدوا أنها تبعد عن هذه الطموحات، وأخذوا من دساتير أخري مايتلاءم مع ظروفنا ومستقبلنا الذي نرجوه. وقال »إحنا مش حانخترع نصوص ونجيبها من دماغنا« موضحا أن الجمعية وزعت علي أعضائها قبل بدء عملهم جميع الدساتير التي أصدرتها مصر إلي جانب 60 دستورا تعمل بها دول أخري، كما أن حزب النور نظم محاضرات تنويرية لإعضائه شرح فيها أساتذة جامعيون ماهية الدستور وكيفية وضعه وماذا يحتوي؟ وأضاف أن أعضاء الجمعية قدموا مقترحات لها، ولم ينف أن الحزبيين تبنوا رؤي أحزابهم، كما تلقت لجنة التواصل المجتمعي بالجمعية كذلك اقتراحات كل مواطن له فكر ولم نحجر علي رأي أحد لأن الأمر يخضع في النهاية للمناقشة المستفيضة بعد تحويلها إلي اللجنة الفنية المعنية وصياغتها بمعاونة خبراء في القانون واللغة . أما الدكتور محمد باهي: رئيس قسم القانون الدستوري بجامعة الأسكندرية وعضو اللجنة الفنية الاستشارية للجمعية التأسيسية فيقول إن صناعة الدساتير تحتاج إلي أكفاء متخصصين موهوبين من أصحاب الملكات والخبرات القانونية واللغوية ليكونوا كالصائغ االذي يبدع في عمله، وفي حديث للرسول عليه الصلاة والسلام " اجعلوا علي كل صنعة أصلح أهلها " خير إسوة للإتباع الواجب. ويحدد شروطا لوضع دستورنا الجديد منها الرجوع للدساتير السابقة والاطلاع علي الصياغات المعاصرة والإدراك الواعي لطبائع البيئة التي نعيشها وخصوصيتها. وبالنسبة للنص يجب أن يكون متوازن الصياغة مجملا ويترك التفصيل للقوانين واللوائح، واضحا غير مبهم ومحكما لايسبب إشكالات بوجود أكثر من معني له. وعن توزيع نسخا من دساتير مختلفة المصادر علي أعضاء الجمعية التأسيسية تساءل هل قرأ فعلا جميع الأعضاء ماوزع عليهم بدقة وعناية فمجرد توفير الوسائل لاينتج دستورا بالجودة المطلوبة وإنما المطلوب فعلا الاطلاع والاستيعاب. ويقول لقد جاءت المسودات عبارة عن توليفة من دساتير مصرية وأخري دولية ووجدت نصوصا لها رؤية خاصة ولم أقرأمثلها في دساتير أخري بمختلف نوعياتها وبسأل عنها أعضاء الجمعية التأسيسة فربما جاءوا بها من عندياتهم وهذا لايعيبهم بل يجب شكرهم اتفقنا معهم أو اختلفنا لأنه من المفترض في المشرع الدستوري أن يكون خلاقا يبتكر النصوص التي تتوافق وظروف الدولة التي يضع لها الدستور، وأنا كعضو في اللجنة الاستشارية قلت رأيي بأن الدستور يجب أن ينظم بأساليب عمومية مصالح الدولة العامة دون المصالح الخاصة ومثل باقي زملائي باللجنة لايعنينا أن يؤخذ رأينا في الاعتبار أو يضرب به عرض الحائط فقد أدينا مهمتنا والباقين يتحملون مسئولياتهم أمام ضمائرهم وأمام الشعب. بنات أفكارنا أما د. محمد محيي الدين أستاذ الهندسة بجامعة بني سويف ووكيل حزب غد الثورة وعضو اللجنة التٍأسيسية فيقول: اعتمدنا في عملنا بلجنة الدستور علي دساتير مصر المثالية خاصة الدستور التقدمي الصادر عام 3291 ومشروع دستور 54 ودستور 71 ودرسنا جيدا فلسفة كل منها لنستوعب مضامينها وأهدافها كما رجعنا إلي الدساتير الأوروبية لنأخذ منها مايتناسب مع ظروفنا بعد تعديله ليتماشي مع مجتمعنا، فرجعنا خاصة للدستور الألماني والفرنسي والايطالي الذي استقينا منه مايخص مجلس الشوري خاصا بجزئية التعيين والفنلندي بالنسبة للاستفتاءات التي تقررها رئاسة الجمهورية والبولندي فيما يخص النظم المختلطة، وإلي جانب ذلك رجعنا إلي بنات أفكارنا ومقترحات وصلتنا من مختلف طوائف الشعب والمواطنين فاستحدثنا مواد جديدة بعد استبعاد غير الصالح منها وكنا ملتزمين في هذه الجزئية بالفلسفة والقواعد التي تحكم المشرع الدستوري، وأحيانا نجد المقترح في أحد الدساتير التي بين أيدينا ولكنه يحتاج لإعادة صياغة أو تضبيط فنفعل ذلك. ويوضح أن مواد الشريعة استغرقت جهدا ووقتا للعناية الفائقة التي بذلت فيها ولرأب الصدع الذي كان يبدو بين كثير من الاتجاهات في اللجنة فمثلا المادة الثانية وجدناها مستقرة في كل الدساتير المصرية المتتالية ولكن بنصوص مختلفة ولما اختلفت الآراء حول تفسير المحكمة الدستورية لمباديء الشريعة لجأنا للأزهر الشريف وتم النص في إحدي المواد علي أن يكون له مرجعية التفسير، وإزاء تخوف ممثلي الكنائس استحدثنا المادة الثالثة بخصوص لجوء المسيحيين واليهود لشرائعهم فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية واختيار قياداتهم الروحية وعندها ثار جدل كبير بدأه ممثلو حزب النور إلي أن تم التوافق عليها بتوقيع من ممثلي الأزهر الشريف والكنائس الثلاث والقوي المدنية ومررت بالإجماع. الأغلبية لا الغلبة ويوافق علي الطرح السابق القس د. صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية فيقول: كنا متوافقين تماما داخل الجمعية التأسيسية في أمور كثيرة ولم توجد مواد خلافية بين مسيحي ومسلم لأننا لم نجد في النصوص المعروضة شيئا ضد الكنيسة، وبالطبع كلنا نرجع لشرائعنا فيما يخص أحوالنا الشخصية والروحية. ومنذ بداية عهد الرئيس محمد مرسي أكد علي أن مصر دولة مدنية ديمقراطية دستورية حديثة وهذا ما أكدت علي تمسكنا به في لقاء معه ولكن مع مضي العمل بالجمعية حاول البعض الالتحاف بالشريعة الإسلامية لتمرير مواد يريدونها ولا تتفق مع المفهوم الذي طرحه الرئيس، فطلبنا التوافق الذي ارتضينا به علي أن تكون النسبة 85 ٪ علي الأقل مثل مايأخذ به كل العالم ففوجئنا بتفويض لجنة مصغرة من 7 الي 01 أعضاء أنيط بها صياغة القرارات وفرضها، فرفضنا ذلك الأسلوب لأن التوافق يكون توافق المجموع وليس الجماعة، وأوضح أنه منذ البداية كان يجري العمل اعتمادا علي دستور 1971 مع الرجوع لدساتير غربية وعربية وأفريقية وآسيوية إلي جانب تلقي المقترحات التي وصلت في ملايين الأوراق وكنا نعمل بجد طوال ساعات قاربت 66 ألف ساعة يحدونا الأمل أن ننجز دستورا تفخر به أجيالنا القادمة ولايكون استحواذيا ولكن فوجئنا بمشاكل تم اختلاقها مع التيار المدني في محاولات من التيارات الأخري لفرض نصوص تخالف المواثيق الدولية مثل مواد عمالة الطفل والمرأة وغير ذلك، وكان ذلك بداية دخول المواد غير المنضبطة إلي الدستور وانتهت إلي ما انتهي اليه المجتمع من تكوين فكرته السلبية عن الدستور وواضعيه مع أني أشهد بأن الكثير منهم تقدميون ولديهم وعي دستوري ولكن الغلبة لاتصنع الدساتير وإنما الأغلبية التوافقية. شريعتنا الأساس أما نائب البرلمان السابق عضو الهيئة العليا لحزب النور د. شعبان عبد العليم استاذ الادارة بجامعة بني سويف وعضو الجمعية التأسيسية فيؤكد أن الجمعية رجعت إلي المواثيق الدولية والمعاهدات المنضمة لها مصر خاصة فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان مادامت لاتتعارض مع شريعتنا الاسلامية.. وكل مادة وضعناها لها مقابل من أفضل ما جاءت به هذه الشريعة ولم نجد من إخوتنا المسيحيين رفضا أو اعتراضا. كما أننا كنا حريصين علي الرجوع إلي دساتير دول أخري منها ماليزيا وتركيا وفرنسا وسويسرا وغيرهم وقبلهم دساتيرنا المصرية السابقة حيث وجدنا دستور 71 ممتازا بالنسبة لنظم سلطة الحكم خاصة سلطات الرئيس فلم يكن الخطأ في الدستور وإنما كان العيب في التطبيق الذي كان يصنع فرعونا لا رئيسا مستبدا فقط. لذلك أخذنا جانبا كبيرا من هذا الباب إلي جانب نصوص من الأنظمة الفرنسية والألمانية وولفنا ذلك جميعا لنخرج بدستور خاص بنا يراعي الألم الكبير الذي عايشناه في الماضي. ولابد أن أؤكد - أن التيار الإسلامي لم تكن من اجتهاداته داخل الجمعية التأسيسة أن يفرض توجهات يتبناها بل كان كل عضو يقرر مايراه هو شخصيا حسب مايمليه عليه ضميره وطبقا لثقافته وتفكيره. لاإذعان ولا إجبار ويعترف عضو الجمعية التأسيسية د. داود الباز رئيس قسم القانون الدستوري في جامعة الأزهر بدمنهور أن هناك مواد بالمسودات تتسم فعلا بالركاكة والسطحية والتفصيلات التي لامبرر لها في الدساتير وهي السبب في إثارة الخلافات نظرا لكثرة ماتحدثه من لبس وغموض وأيضا شبهات في الإصرار علي وضعها رغبة من البعض في إنتاج دستور " تفصيل بالمقاس " يعبر عن توجهات وبرامج معينة مخالفين بذلك الأصول المتبعة التي يعرفها المحترفون في صناعة الدساتير لا الهواة وقد نبهت لذلك كثيرا مما أدي إلي حل لجنة الصياغة المكبرة والاقتصار علي لجنة مصغرة. وعموما لقد رجعنا إلي كل الدساتير المصرية وإلي دساتير أخري منها دساتيرأسبانيا وأمريكا وجنوب أفريقيا والبرازيل و تونس الذي رجعنا في دستورها الي نظام السلطة القضائية كما رجعنا إلي العهد الدولي لحقوق الإنسان واتفاق الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وغيرها، وهو لاينكرأنه كان هناك رضا جماعي علي النصوص التي طرحت فكثيرا ماتخلي البعض عن آرائهم لتمرير نص اعتبرته الأغلبية هو الأفضل رغم أنه لم يكن يحظي بموافقتهم ومع ذلك لم يكن هناك إذعان من جانب كما لم يكن هناك إجبار من جانب آخر. وأخيرا فمن رأي المستشار أحمد خليفة نائب رئيس هيئة قضايا الدولة عضواللجنة التأسيسية أن الجهد الذي بذله أعضاؤها ومارجعوا إليه من وثائق دستورية ومراجع فقهية وقانونية واقتراحات تلقوها واجتماعات عقدوها ستجعل الدستور المصري الجديد له الريادة بين دساتير دول الشرق الأوسط وكثير من دول العالم. موضحا أنه استحدثت مواد كثيرة بناء علي رغبات الشعب بعد الثورة والتي كشفت عنها الاقتراحات التي وصلت الجمعية وبالرجوع الي الاتفاقات والمواثيق الدولية التي انضمت أليها مصر ومنها ضمان استقلالية الأزهر وريادته واستحداث باب خاص بالهيئات الرقابية والهيئات المستقلة التي لايعزل أعضاؤها أخذا بفلسفة عدم تغول السلطات الأخري عليها. إلا أن حوالي 70 ٪ من ألفاظ الدستور الجديد ومضامينه مأخوذة من دستورنا المصري الصادر عام 1971 ومن مشروع دستور 54 أخذنا الصياغات المتعلقة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية ومعاني نصوص الحقوق والحريات العامة. واستفدنا من النظريات المعاصرة في الفكر الدستوري التي تبنتها دساتير كل من جنوب أفريقيا والهند والبرازيل فيما يتعلق بوضوح النص وتفصيله في أحيان كثيرة ضمانا لعدم تغول المشرع القانوني علي تفسير النص الدستوري .