عبر عقود طويلة من الزمان ظل الكتاب الخارجي صاحب السطوة والقوة في مواجهة الكتاب المدرسي، وفشلت وزارة التربية والتعليم عبر العديد من العهود في مواجهة تلك السطوة أو حتي الدفاع عن كتابها الذي تقدمه لطلاب المدارس سنوياً رغم أن الكثيرين من هؤلاء الطلاب كانوا لا يكلفون أنفسهم عناء المذاكرة منه أو حتي مجرد فتح صفحاته.. كما تناست الوزارة أو تقاعست عن الحصول علي حقوقها من مؤلفي وناشري الكتب الخارجية! وقبل بداية العام الدراسي الجديد تنبهت الوزارة بأن لها حقوقاً ضائعة وتنبهت أن من حق كتابها المدرس ان »يأخذ وضعه الذي يستحقه«.. وحدث صدام ين الوزارة وناشري وبائعي الكتب الخارجية. باتت رحلة البحث عن كتاب خارجي في شوارع الفجالة شاقة للغاية وأصبح الحصول علي نسخة واحدة غاية صعبة المنال وتحولت عملية بيع الكتب بعد قرار وزير التربية والتعليم زيادة المقابل المادي لحصول دور النشر علي حقوق الملكية الفكرية الي عملية اشبه بالترويج للمخدرات وليست لبيع كتاب خارجي! وفي السنوات الماضية لم تكن الرحلة بين مكتبات الفجالة لشراء أي كتاب خارجي تستغرق أكثر من ساعة لكنها هذا العام احتاجت وقتا أطول ولم يجد الطالب ما يحتاجه من كتب خارجية وما يجده منها تكون إصدارات العام الماضي وبأسعار مضاعفة بلغت في بعض الأحيان 051 جنيها للكتاب وتحولت السوق في الفجالة الي سوق سوداء خارجة عن القانون وتحولت الكتب الي بضاعة »ممنوعة«! جولة في الفجالة كانت عقارب الساعة تشير الي تمام الثانية ظهرا.. وعلي غير المعتاد وجدت شوارع الفجالة ليست بالزحام المعتاد من كل عام في هذا الوقت.. وشرعت بسؤال أحد أصحاب المكتبات علي كتاب خارجي معين لمادة الرياضيات في الثانوية العامة والسبب ان هذه المادة لها فروع كثيرة مقسمة علي أكثر من كتاب واحد ولكنني لم أجده بسهولة.. وسألت البائع عن أماكن احتمال وجوده فأشار بعدم المعرفة! وذهبت الي مكتبة واثنين وثلاثة ووصل بي الأمر الي سؤال بعض اصحاب الأدوات الصحية لعلهم يكون عندهم الخبر اليقين.. وبالفعل وجدت مرادي عندما قال لي أحدهم: اذهب الي مكتبة فلان وادفع الحساب واحجز نسختك وذهبت الي المكتبة وفعلا دفعت النقود التي وصلت الي 031 جنيها لثلاثة كتب خاصة بالرياضيات فقط علي ان استلم الكتب في اليوم التالي وبدون الحصول علي اية ايصال فقط تركت اسمي ورقم بطاقتي وانصرفت. وفي اليوم التالي ذهبت اليه في الموعد المتفق عليه واعطيته بطاقتي وتأكد بأني من الحاجزين المبشرين باستلام الكتب.. وأشار نحو ممر ضيق في الجهة المقابلة من الشارع.. وقال لي »اطلع الدور التاني واديهم بطاقتك وهيدوك الكتب علطول«.. فقلت له »وليه ما اخدش الكتب من هنا؟.. فرد علي »عشان البيع ممنوع ولو الحكومة جت هتشمع المكتبة وتصادر الكتب عشان كده احنا حاطين الكتب في شقه بعيد عن المكتبة! معاناة الطلاب وأخذت الكتب وانطلقت الي حال سبيلي وفي الطريق التقيت بمجموعة من الطلبة وسألتهم هل يواجهون أزمة في شراء الكتب الخارجية فردوا علي بالإيجاب.. وقال محمد درويش طالب بالصف الثاني الثانوي انه عاني عند شراء كتب الأحياء فهو كتاب ملئ بالرسومات التي تشرح التجارب وبالتالي فهو مهم له وحكي لي كيف ان صاحب المكتبة التي اشتراه منها في منطقة الزيتون كان يضع الكتب في أحد مداخل العمارات وكان من يدفع فلوس الكتاب يقول له »روح خد الكتاب وخد بالك انا هشوفك من هنا ماتاخدش حاجة تانية معاه«.. ويؤكد الكثيرون ان الترويج للكتب الخارجية أصبح يشبه الترويج للمخدرات!! أما الطالبة رشا الجمال في المرحلة الثانوية فقد كانت تبحث بإصرار شديد علي أحد الكتب الخارجية التي تنقصها علي أمل الحصول علي نسخة بعد بداية العام الدراسي لعل الإقبال عليها يكون قد قل نوعا ما ولكنها لم تجد ضالتها.. وقالت لي انها لا تجد حلا سوي الذهاب الي سوق السيدة زينب بجوار محطة المترو ولعلها تجد نسخة قديمة وبحالة جيدة. وتقابلت مع إيمان حسن مدرسة وأم وقد نزلت مع ابنها لشراء بعض الكتب الخارجية ومستلزمات الدراسة وسألتها عن سر إقبال الطلبة علي الكتب الخارجية فقالت: منهج الكتاب المدرسي غير كاف لشرح المادة المقررة علي الطلاب في حين يوسع الكتاب الخارجي مدارك التلميذ وهو ما لا يتوافر في الكتاب المدرسي لذلك يقبل عليه الطلاب وظهرت تلك الأزمة بعد قرار الوزير. عبء اقتصادي وتنظر عبير محمد موظفة وولية أمر الي مسألة اختفاء الكتب الخارجية في الأسواق من ناحية العبء الاقتصادي الذي ستتحمله نتيجة الأزمة وتقول: الكتب الخارجية لها ميزانية خاصة في بيتنا منذ بداية العام الدراسي.. ولا أعتمد علي كتاب الوزارة فهو يقدم شرحا غير واف للطالب ولكن ما وجدناه ان اسعار الكتب تضاعفت بصورة كبيرة والكتاب الذي كان سعره يتراوح ما بين 51 و02 جنيها اصبح يباع بسعر 05 أو 06 جنيها هو الأمر الذي أثقل كاهل الأسرة. ويقول عبد الرحيم كاشف »مدرس رياضيات بالمرحلة الثانوية«: جئت من الفيوم لأشتري الكتب الخارجية الجديدة لكي أشرح منها للطلبة وأنا كأستاذ لا أفهم ولا أعي ما يتضمنه الكتاب المدرسي الذي لا يعتمد عليه أي طالب علي مستوي الجمهورية لأنه إذا ترك الطالب الكتاب الخارجي واكتفي بالكتاب الحكومي فلن يحصل علي ما يزيد عن 05٪« وأطالب الوزير ان يسأل أوائل الثانوية العامة في السنوات العشر الماضية إذا كانوا يعرفون شكل الكتاب المدرسي أم لا فالكتب الخارجية يأتي منها الامتحان وأنا أعتمد عليها في التحضير والامتحانات. تجارة مخدرات وتوجهت الي اصحاب المكتبات والبائعين لأستطلع منهم الامر.. فقال محمود »العامل بإحدي مكتبات الفجالة« السوق به ركود بسبب قرار الوزير ولا يوجد كتب وعندما تطرح دور النشر بعض الكتب تكون الأسعار مضاعفة والبيع يتم في الخفاء لأن بعض المكتبات التابعة لدور نشر كبري أغلقت من قبل الوزارة والمصنفات الفنية لضبطها تبيع الكتب دون ترخيص او إذن من وزارة التربية والتعليم. وفي حين يقول محمد جمال »صاحب مكتبة« ان قرار الوزير رجع عليهم كأصحاب مكتبات بوقف الحال فهم في عز الموسم ولكن لا يوجد زبائن والزبون كان يأتي لشراء الكتب الخارجية وبعدها يبدأ في شراء الأدوات المدرسية من أقلام وكشاكيل وغيرها ولكن عدم توفر الكتب أوقف باقي السلع وان حاول احد بيع كتاب غير مرخص يتعرض للحبس ومكتبته تغلق فأصبحت التجارة في الكتب الخارجية مثل تجارة المخدرات وهناك بعض الكتب تباع من تحت »الترابيزة«. كتب الحكومة »كويسة« ويقول د. يسري عفيفي رئيس مركز تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم السابق: إقبال التلاميذ علي الكتب الخارجية أصبح عادة وكأن النجاح لن يتحقق إلا به.. هذا خطأ كبير، خاصة ان الكتاب المدرسي هو الأساس الذي تم الأخذ به.. وأشار الي ان الطلبة يلجأون الي الكتاب الخارجي لكثرة التدريبات التي يحتويها والأسئلة المجاب عنها.. مؤكداً ان الكتب الحكومية الجديدة مطورة ومطبوعة علي ورق فاخر، لتحقيق أكبر قدر من الجذب. ولكن من جهة أخري يطالب د. شبل بدران عميد كلية التربية بجامعة الاسكندرية وزارة التربية والتعليم بتطوير الكتاب وفق معايير وضوابط وإضافة شروح وأسئلة وتدريبات وطباعته علي ورق جيد بدلا من الصورة المنفرة التي يوجد عليها حاليا.. مشيراً الي ان الاسر في مصر تعودت علي الكتاب الخارجي لأن نظام التعليم يعتمد علي التلقين والتذكر والكتاب الخارجي يساعدهم علي هذا لاحتوائه علي نماذج محلولة وهو ما يتطلب أن يواكبه تعديل في الكتب المدرسية فلو كان الأخير يفي بالغرض لما اضطرت الأسر الي شراء الكتاب الخارجي بسعر 06 جنيهاً. فساد التعليم وبعرض الأمر علي المسئول الأول عن العملية التعليمية في مصر د. أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم قال الكتب الخارجية هي سبب فساد التعليم لانها تعطي الطالب كل شئ ولا تترك له فرصة للتفكير او الابتكار أو البحث عن معلومة.. واعترف بدر بأن الكتاب المدرسي يحتاج الي تطوير الا انه توجد به مزايا يهدرها الكتاب الخارجي كما ان هناك بعض الكتب تم تعديلها هذا العام وهي الخاصة بالصف السادس الابتدائي والثالث الاعدادي حيث تم إضافة التدريبات ونماذج الامتحانات اليها. وأضاف وزير التربية والتعليم ان تطوير الكتب المدرسية عمل لا يتوقف أبدا وهذه الكتب موضوعة من قبل خبراء ومتخصصين اعطوا للصورة داخل الكتاب اهمية تتيح للطالب تنشيط تفكيره والتعلم منها وقد اصبح من الضروري ان تعود الأمور الي طبيعتها في الاعتماد علي الكتاب المدرسي. وقال د. بدر انه تم تشكيل لجان متخصصة من خبراء من الجامعات والتربية والتعليم لفحص الكتب الخارجية واخرجوا منها 041 كتاباً غير صالح للتداول كما تم تعديل وإجازة بعض الكتب بعد تصحيحها.. وأكد الوزير ان قراره بشأن الكتب الخارجية لصالح الطالب والعملية التعليمية في مصر بعدما اتضح وجودكم هائل من الكتب غير صالحة للمواصفات وغير مطابقة للمناهج.