حتي في عز الحرب الباردة، لم تكن موسكو حاضرة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كما هي اليوم!! فالناخب الأمريكي ينصب اهتمامه الأساسي علي القضايا الداخلية، وتحتل الضرائب والاجور وفرص العمل وغيرها من القضايا المتعلقة بالاحوال المعيشية للمواطن الاهتمام الأكبر في هذه الانتخابات. في هذه الانتخابات التي تتنافس فيها هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية مع الجمهوري المثير للجدل «ترامب».. يبدو الرئيس الروسي بوتين لاعبا أساسياً «!!» ليس فقط لأن روسيا استعادت الكثير من نفوذها العالمي، مستغلة سياسة الرئيس الأمريكي أوباما في عدم توريط بلاده في حروب خارجية، ولكن لأنه أعلن من البداية موقفاً لم يأخذه الكثيرون علي محمل الجد لأنهم كانوا ينظرون إلي «ترامب» علي أنه مجرد «مهرج» فإذا ببوتين يصفه بأنه «عبقري»!! وكان ذلك قبل أن يفرض «ترامب» نفسه علي الحزب الجمهوري ويصبح مرشحه الرسمي رغم معاداة قيادات الحزب، ورغم تصريحاته التي تجمع بين الجهل والعنصرية!! الآن يتطور الموقف بعد أن انحصرت المنافسة بين «ترامب» و«هيلاري كلينتون» اتهم الحزب الديمقراطي موسكو بأنها وراء تسريب رسائل لقادة الحزب نشرها موقع «ويكيلكس» وتظهر انحياز الحزب لهيلاري كلينتون اثناء المنافسة الداخلية مع السناتور «بيرفي ساندرز» الذي اتخذ موقفا نبيلا بتجاوز ذلك، واعلانه الوقوف إلي جانب كلينتون لمنع كارثة وصول «ترامب» إلي البيت الابيض! الأدهي من ذلك أن «العبقري!!» ترامب وقف يناشد علنا الرئيس الروسي بوتين بأن يكشف عن الرسائل التي تم حذفها من البريد الالكتروني الخاص لهيلاري كلينتون والتي يزعم انها تدينها اثناء عملها كوزيرة للخارجية بالاهمال وتعريض أمن أمريكا للخطر!! وبالطبع..أثارت تصريحات «ترامب» ضجة كبيرة، واستدعت ردوداً من زعماء الحزب الديموقراطي، وهجوما عاتياً علي استدعائه لدولة أجنبية لكي تفتش عن اسرار الأمن الأمريكي. ومع ذلك فمازال ترامب.. رغم الحماقة والتصريحات الاستفزازية والجهل بأحوال العالم ودهاليز السياسة- يقف في معظم استطلاعات الرأي في موقف يتساوي مع موقف هيلاري كلينتون أو يقترب منه. أي أنه مازال يحتفظ بفرصة كبيرة لكي يكون الرئيس القادم لأمريكا. ربما يكمن السبب في شخصية هيلاري نفسها التي يتهمها الكثيرون بالعجرفة وبأنها ليست محل ثقة!! وربما يكمن السبب في مشاعر الخوف من المستقبل الذي تخوض فيه امريكا منافسة اقتصادية «حتي الآن» تتراجع فيها أمام قوي صاعدة مثل الصين. وربما كان انهيار الثقة في المؤسسة التي تحكم الحزبين الرئيسيين وتتحكم في مصير الدولة. لكن ما يثيره وجود «بوتين» كلاعب رئيسي في انتخابات أمريكا يشير إلي حجم التغييرات التي شهدتها امريكا، والي تغييرات أكبر ستحدث فيها.. فلنراقب جيدا هذه الانتخابات، ليس بسبب «بوتين» أو ترقبا لفوز ترامب أو هيلاري.. وإنما لأن القادم أكبر تأثيراً علي أمريكا، وعلي العالم كله!!