تمنيت ألا أكون سببا في "التنكيد" علي خلق الله في العيد، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ..فنحن نسير بخطي ثابتة في سكة إفشال الثورة، والغريب أن يتم ذلك بأيدي الثوار، فالمشكلة الآن أن مصر كلها قررت أن ترفض أي شيء وكل شيء، خاصة اذا جاء هذا الشيء ممن تعارضه او تكرهه هذه الفئة او تلك، لم يعد ينطق الجميع إلا بكلمة لا. وهو ما يسميه البعض "معارضة ما قبل المعارضة".. فإذا عرفت ان اقتراحا ما ، قدمه غريمك ، يكون رد فعلك الرفض الفوري دون ان تعلم اصلا مضمون الاقتراح . الدستور يرفضه السلفيون لانه علماني ويعارضه الليبراليون لانه إسلامي، ويقف ضده اليساريون لانه رجعي، ويهاجمه الجهاديون لانه تقدمي، وتنتقده النساء لانه ذكوري، ويبتئس به الرجال لانه أعطي المرأة الكثير، ويهدد العمال والفلاحون برفضه اذا لم ينص علي نسبة ال »50٪« ويرد عليهم الافندية بالرفض بسبب التدليس الذي حصل خلال عهد مبارك وجعل لواءات الشرطة السابقين ورجال الاعمال يخوضون الانتخابات علي انهم فلاحون او عمال . ونسي كل هؤلاء ان ما عرض ليس سوي مسودة للدستور، قدمت بهدف ادخال التعديلات المطلوبة عليها وليس إقرارها سواء بالرفض او القبول، وركزوا فقط علي بعض المواد الخلافية، وتركوا مواد استقر الجميع عليها وخاصة مواد الحريات التي يجب ان نباهي بها الامم الديمقراطية العتيدة في الدنيا ويوم القيامة. وذهب كثيرون الي ابعد من ذلك بأن طالبوا بهد الجمعية التأسيسية علي رؤوس من فيها واعادة تشكيلها من جديد. وهو ترف لا يقدر عليه جسد مصري منهك اقتصاديا، مستنزف سياسيا، مهلهل امنيا، يتوق الي الاستقرار حتي يعيد بناء مصر علي أسس من العدالة والمساواة والمواطنة واحترام كرامة الانسان وإعلاء شأنه. ولو ظللنا بفعل هذا التفكير الاقصائي الاستئصالي، ننظر فقط الي المواد الخلافية في مسودة الدستور ، لغرض واحد فقط في نفس كل يعقوب ، وهو ذبح الإخوان، فسوف يؤدي ذلك الي التضحية بمصر كلها ، حتي يعيش الفلول، لأن قوي الثورة المضادة تتحين الفرصة لاعادة نظام مبارك مرة أخري، وقد ظهر ذلك واضحا في أزمة النائب العام، وبحجة الحرص علي استقلال القضاء، بعض القوي الثورية مع النائب العام نكاية في الإخوان المسلمين، رغم انها ظلت طوال العشرين شهرا التي تلت الثورة تطالب بإقالته لأنه في رأيها تستر علي الكثير من قضايا الفساد خلال عصر مبارك، ونسيت هذه القوي الثورية ان الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية جاء بإرادة الشعب، في حين أن النائب العام جاء بارادة مبارك . أخشي أن الحالة التي نمر بها من التمزق والتشرذم والاختلاف يصدق عليها قول الله تعالي : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) »الآنفال - 46 « من يصبر من القوي الليبرالية واليسارية والناصرية، ويتعامل مع الاخوان المسلمين علي انه فصيل وطني، من الوارد بل من الطبيعي ان يخطئ ، فافراده ليسوا ملائكة كما أنهم ايضا ليسوا شياطين. والمشكلة الان أن القوي المناوئة للاخوان ، حصرت خياراتها في ثورة جياع او انقلاب عسكري، وهما خياران محفوفان بالمخاطر علي الجميع، خاصة بعد أن اصبحت هذه القوي مدركة تمام الادراك ، انه علي الرغم من حملات التشويه الممنهجة ضد الاخوان، فإن الانتخابات البرلمانية القادمة سوف تأتي لهم بعدد من المقاعد اكبر مما حصلوا عليه في البرلمان المنحل، فالحسبة اليوم أن الشارع مع الإخوان والفضائيات مع النخبة .وهذه الاخيرة لا تزيد اقصي قوة لها علي الحشد علي عدة آلاف ، كما ظهر واضحا في جمعة"مصر لكل المصريين". وبعد أن ضاقت الخيارات امام جميع القوي الثورية علينا الان ان نتعلم فن ادارة الخلافات سلميا وأن نحاول السير علي هدي القاعدة الفقهية"نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه". وعلي جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ان يمدا اليد للجميع لتجاوز شقاق اللحظة الراهنة، لأن أفاعي مبارك لاتزال تطل برأسها في انتظار اللحظة المناسبة حتي تلدغ الثورة وتعيد النظام المستبد الفاسد من جديد، ليضيع كل ما بذل من دم وعرق وجهد وتضحيات هباء.. وقتها يجب ألا تلوم كل القوي الثورية-بما فيها الإخوان- إلا نفسها فمن يدخل البهجة علي المصريين في العيد بإعلان مبادرة للم الشمل بين جميع القوي السياسية ونبذ الخلاف والشجار، كل مصري احوج ما يكون الآن الي أخيه فتعالوا نجتمع من جديد علي كلمة سواء بيننا. قرأت مؤخرا ان مواطنين امريكيين قاما بإخفاء أوراق نقدية من فئة ال20 دولاراً بلغ مجموعها 7 آلاف دولارفي أحياء مختلفة من مدينة بوسطن الامريكية ، في محاولة منهما لزرع البهجة في نفوس من يعثرون عليها. وذكرت صحيفة "بوسطن جلوب" أن ستيف جرانت، والطبيب النفسي ريتشارد كوك، كانا يخبئان أوراقاً نقدية من فئة ال20 دولاراً، في جميع أنحاء المدينة طوال العام الماضي. وأضافت أن الصديقين كانا ينشران علي موقعهما الإلكتروني وعلي حسابهما علي "تويتر"، تلميحات حول مكان المال ، ليساعدا متصفحي الموقع والحساب ، في العثور علي النقود. في مصر لا نريد من يخبئ لنا نقودا او عيدية، ولكن نتمني من احدي القوي ان تخبئ او توزع اوراقا تدعو فيها الي التصالح السياسي مع النفس والغير حتي ينصلح حال هذا البلد. نريد من ينظم مليونية او جمعة إسعاد المصريين وادخال الفرحة علي قلوب ضلت السعادة طريقها إليها. فمن يتصدي لزراعة البهجة في نفوس المصريين؟
حين قرأت قرار وزارة الخارجية بمنع تقديم أية هدايا للمسئولين تزيد علي 100دولار،تذكرت حديث رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم، فقد روي عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه انه قال : استعمل(أي وظف) النبي صلي الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له : "ابن اللتبية " علي الصدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي !!. قال : فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم ،فحمد الله وأثني عليه، ثم قال :"أما بعد : فإني أستعمل الرجل منكم علي العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول : هذا لكم وهذا هدية أهديت لي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتي تأتيه هديته إن كان صادقا ؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله بحمله يوم القيامة ".