قلق عميق يجتاح الثوار الحقيقيين ومؤيديهم داخل مصر وخارجها، من جراء الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد منذ ثورة 52 يناير والتي وصلت إلي ذروتها بالمصادمات المروعة في جمعة "كشف الحساب" بميدان التحرير بين أنصار الرئيس محمد مرسي من جماعة الاخوان المسلمين والعناصر الليبرالية من دعاة الدولة المدنية. هذا القلق عبر عنه واحد من أبرز الكتاب الأمريكيين هو روجر كوهين المتخصص في الشؤون المصرية والشرق أوسطية من خلال مقارنة موقفين عاشهما بنفسه في منطقة وسط القاهرة . الأول هو احتفال كل القوي السياسية المصرية ، بما فيها الإخوان والليبراليين في ميدان التحرير بنجاحهم في الاطاحة بنظام مبارك يوم 11 فبراير 1102 أما الثاني فهو رؤيته لشباب الثوار في نفس الميدان والدماء تغطي وجوههم بعد اشتباكات الاخوان والليبراليين في نفس الميدان الاسبوع الماضي . هذه المفارقة دفعت الكثيرين للتساؤل .. هل حلت الفرقة والانقسام بين المصريين محل التلاحم ووحدة الصف التي تجلت في أروع صورها خلال أيام الثورة؟ السؤال مؤلم خاصة في ضوء الإحباط الذي أصاب الكثيرين من الليبراليين والذين أكدوا بمرارة للكاتب الأمريكي أنهم أصبحوا الآن يفضلون نظاما مستبدا مستنيرا يحكم مصر بدلا من الدولة الدينية التي تسير البلاد نحوها!! هنا، يطرح روجر كوهين السؤال الصعب .. هل ما يحدث الآن مؤشر حقيقي علي انهيار الثورة المصرية أم أنه ارهاصات ميلاد الحرية والديمقراطية ؟ وهل يستطيع الرئيس محمد مرسي الذي خرج من صفوف الإخوان المسلمين وفاز بأغلبية 7.15٪ من الأصوات إقناع بقية المصريين ونسبتهم 3.84٪ أن لهم مكانا في مصر التي يقودها؟ في نفس الوقت، هناك تساؤلات صعبة في الولاياتالمتحدة والغرب.. هل يتعين دعم تجربة الرئيس مرسي التاريخية في الجمع بين الاسلام والمجتمع العصري المفتوح أم من الأفضل السعي لاقامة حكم علماني مستبد سواء كان عسكريا أو مدنيا؟ ووفقا لما يقوله الكاتب الأمريكي فإن القوي الدينية لديها مشكلة في التعامل مع الرأي الآخر. وجاءت براءة رموز العهد السابق في قضية "موقعة الجمل" كنوع من التمويه لاخفاء الهدف الحقيقي وهو قمع المظاهرات المناهضة للرئيس مرسي والتي تطالبه بكشف حساب عن المائة يوم الأولي التي قضاها في الرئاسة. وقد أوضحت الاشتباكات الأخيرة في التحرير حقيقة يتعين أن يعترف بها الاسلاميون في مصر وهي ببساطة أنه لن يكون بوسعهم أن يشكلوا السلطة والمعارضة في نفس الوقت. وقد أوقعتهم هذه الازدواجية في كثير من التناقضات. فالدكتور مرسي قرر إقالة النائب العام في الأسبوع الماضي تعبيرا عن احتجاجات المعارضة علي براءة المتهمين بقتل الشهداء، وبعد ذلك أعاده لمنصبه واتخذ هذا القرار باعتباره رئيسا يخدم القانون واستقلال القضاء!!. الاختبار الحاسم لهذه الازدواجية يكمن في الموقف النهائي من الجدل الدائر حول الدستور الجديد وهل سيعكس فقط رؤية التيار الديني الذي خرج منه الرئيس مرسي أم يعبر عن كل المصريين الذين يرأسهم الآن؟ يختتم روجر كوهين مقاله بالتأكيد علي أن الحرية هي القضية الأساسية التي يجب أن يركز عليها الليبراليون المصريون .. وقيمة الديمقراطية تكمن في أنها لا يمكن التنبؤ بنتائجها. وبالتالي فإن كل الازمات التي تواجهها الثورة المصرية يجب اعتبارها مخاض ميلاد الحرية. وفي نفس الوقت، فإن ما حدث من تراجع عن الديمقراطية خلال تجربة جبهة الانقاذ في الجزائر وحركة حماس في غزة بالاضافة إلي سنوات من دعم الحكام الطغاة في الشرق الأوسط، يؤكد ضرورة أن تتحرك الولاياتالمتحدة والغرب لدعم الرئيس محمد مرسي وتشجيعه علي السير في اتجاه آخر أفضل من ذلك الذي توحي به أحداث العنف الأخيرة في ميدان التحرير. واذا كان هذا هو الخيار الذي استقر عليه العالم للتعامل مع الرئيس مرسي في المرحلة الراهنة ، فإن السؤال المهم هو هل يتيح المصريون الفرصة لرئيسهم الجديد ويساعدونه علي الانحياز النهائي للحرية والديمقراطية أم أن الاحباط سينتصر في النهاية ويقتنع المصريون بأن الثورة قد فشلت أو استولي عليها الإخوان وانتهي الأمر ؟