د. صلاح قبضايا »تجربة فريدة.. خاضتها كتيبة المراسلين الحربيين في حرب أكتوبر!! الصحفي والإعلامي علي خط النار هو حلقة وصل مهمة بين أحداث الجبهة وبين جموع الشعب العطشي لكلمة أو صورة عما يجري هناك.. حيث يتحدد مصير الوطن!! كل هؤلاء النجوم الذين عبروا القناة مع قواتنا.. وعبَّروا بأقلامهم وبالميكروفون عما يدور، ونقلوا لنا صوراً حية من البطولات والأحداث، والشهداء والمعارك والأصوات والألوان والمواقف التي حفلت بها حرب أكتوبر المجيدة.. كل هؤلاء لم يعرف أحد كيف استعدوا لهذا الحدث المهم؟ كيف انتقلوا إلي هناك؟ من كلفهم بتلك المسئولية الضخمة؟ كيف تعاملوا مع الموقف؟! وما الكواليس المحيطة بمهمة كل منهم؟! ما أجمل ما صادفوه في تلك الرحلة وما أصعب ما واجهوه؟! هذا هو ما سنعرفه في هذا التحقيق..«.. انقضي يوم السادس من أكتوبر 3791 دون أن يتم التقاط صورة واحدة أو مشهد سينمائي أو تليفزيوني يسجل عملية عبور أصعب مانع مائي في تاريخ الحروب، وعملية اقتحام أقوي خط دفاعي أقامته الجيوش. وجميع المشاهد السينمائية والتليفزيونية التي تذاع عن أول حرب هجومية يشنها العرب علي العدو الإسرائيلي تم التقاطها بعد شهور من انتهاء الحرب من خلال عمليات تمثيل قامت بها قوات العبور بقصد التسجيل العسكري قبل أن تتغير طبيعة الأرض التي شهدت هذه المعارك المجيدة!! هكذا يصور د. صلاح قبضايا الموقف أثناء العبور.. موضحاً: كانت المعلومات المبلغة إلي المحررين العسكريين تنحصر في قيام القوات المسلحة بمناوراتها السنوية، مناورات الخريف، وإنهم سيدعون إلي متابعة المراحل النهائية من هذه المناورات والتي سيشهدها كبار القادة. وتم إجراء بيان عملي يمثل التصدي لعمليات إنزال معادية من الجو دعي إليها المحررون العسكريون، وأجريت بمنطقة تدريب غرب القاهرة، بينما كانت القوات الضاربة تستعد لعبور القناة، وفوجئ المحررون العسكريون بنشوب الحرب ولم يسمح لهم بالذهاب إلي الجبهة إلا بعد ظهر يوم الأحد السابع من أكتوبر، وكانت عمليات العبور قد تمت بنجاح وتم رفع العلم المصري علي الضفة الشرقية وفوق المواقع الحصينة لخط بارليف وأوشكت عمليات تحرير مدينة القنطرة شرق علي الانتهاء، ويومها انتقل عدد من المحررين العسكريين ونحن منهم إلي مدينة القنطرة، وكان ذلك أول عبور للصحفيين لقناة السويس، التي عبرناها داخل قوارب مطاطية، فلم نكن نطيق انتظار دورنا في العبور بالسيارات فوق أحد الكباري. لأول مرة علي الجبهة كانت الظروف في مصر كلها مختلفة خلال سنوات الحرب وحتي العبور، وبالتحديد منذ نكسة 7691، وكنت متأثراً جداً بالموقف العسكري علي الجبهة، خاصة أنني كنت معفياً من التجنيد، فكان داخلي شعور خاص بضرورة البحث لي عن دور في هذا الاتجاه لدرجة أنني حاولت مراراً التطوع في القوات المسلحة بلا جدوي!! هذه الكلمات تأتي علي لسان أحد أشهر محرري الشئون العسكرية بالصحف المصرية وهو جمال الغيطاني الذي اشتهر بخبطاته الصحفية من سيناء أثناء انتصارات أكتوبر.. ويقول متذكراً: عملت في »أخبار اليوم« عام 8691 وكانت حرب الاستنزاف في مجدها وعاودني حنين المشاركة في هذا الجهد الذي كنا نلمسه جميعاً لرد اعتبار الهزيمة، وحاولت من موقعي في الجريدة ولم أكن محرراً عسكرياً وقتها، السفر لكتابة عدد من الموضوعات من الجبهة لتكون مشاركتي حتي بالقلم، وواتتني الفرصة بالفعل عندما سافرت إلي هناك بصحبة الصديق د. صلاح قبضايا والفنان المبدع مصطفي حسين وكتبت صفحة كاملة عن المقاتل المصري علي خط النار. وبعد شهر فوجئت بالأستاذ موسي صبري وهو أحد الكبار في تاريخ الصحافة المصرية يبلغني بأنني أصبحت المحرر العسكري لدار أخبار اليوم، فغمرتني الفرحة، ورأيت أن الفرصة واتتني أخيراً لتنفيذ حلمي، فسافرت فوراً إلي الجبهة ومعي أحد أهم المصورين الصحفيين في مصر وهو مكرم جاد الكريم وهو نفسه الوحيد الذي صور حادث المنصة الذي اغتيل فيه الرئيس السادات. حرب المرايا من الصحافة إلي أثير الإذاعة يأخذنا الإعلامي الكبير حمدي الكنيسي الذي غطي حرب أكتوبر كمراسل حرب للإذاعة المصرية.. ويحكي قائلاً: كنت أزور الجبهة قبل الحرب ولكن علي فترات متقطعة وليس باعتباري مراسلاً حربياً، لكن ذلك حدث بصورة رسمية عقب إذاعة البيان الأول من القيادة العامة للقوات المسلحة معلنة نجاح العبور، فتوجهت إلي بابا شارو وكان وقتها رئيساً للإذاعة المصرية ونقلت إليه رغبتي في التوجه للجبهة ولم تكن لديّ في ذلك الوقت أي خلفية ثقافية عسكرية، ولم تكن تعقد وقتها أي دورات خاصة للمراسلين الحربيين في أي جهة فاعتمدت علي ثقافتي العامة ومهاراتي الإذاعية فوافق علي الفور فاندفعت إلي الجبهة. قلت للأستاذ الكنيسي: كيف قمت بعملك هناك وكانت أمامك تحديات صعبة، أهمها تجربة البيانات العسكرية الكاذبة التي كانت تبثها الإذاعة أثناء النكسة، فكيف واجهت هذا الموقف؟ أجاب: استوعبت مصر دروس النكسة جيداً خاصة في المجالين العسكري والإعلامي فكانت بيانات الحرب تعبر بدقة وصدق عما يحدث في الجبهة، وأحياناً كانت نبرة البيانات أهدأ من الحقيقة، فقد حقق جيشنا انتصارات مذهلة، حتي أن بعض المراسلين الأجانب قالوا إنها حرب المرايا بمعني أن الصورة انعكست في أكتوبر 37 عن يونية 76 وكأنها مرآة صحفي فدائي أما الكاتب الكبير عبده مباشر المحرر العسكري للأهرام في الستينيات والسبعينيات فهو قصة فريدة في هذا التخصص الصعب والذي يتطلب فيمن يمارسه شروطاً خاصة، فقد نال عدداً من الأنواط والأوسمة والميداليات العسكرية الرفيعة ليس لصفته الصحفية فقط ولكن باعتباره مشاركاً كمتطوع مدني بالمجموعة 93 قتال »قوات الكوماندوز« التابعة للمخابرات الحربية وشارك في عمليات عسكرية خلف خطوط القوات الإسرائيلية قبل العبور، كما كان أول صحفي يحصل علي درجة زمالة كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعمل محرراً عسكرياً لعشر سنوات في »أخبار اليوم« حتي عام 8691 عندما انتقل للعمل بالأهرام حتي اليوم.. كل ذلك.. كما يقول الأستاذ مباشر كان يصب في الانفرادات الصحفية التي تحققت للأهرام.. فلم أكن أرضي الحدث من بعيد بل كنت أحد المشاركين في صنعه.