أمر خطير حقًّا أن يصل بنا الحال إلي فقدان الثقة في الأجهزة الرقابية المنوط بها حماية أموال الشعب من عبث الطامعين والفاسدين، وكشف النقاب عن وقائع الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة، لذلك صُدمت من البلاغ الذي تقدم به أحد أعضاء هيئة الرقابة الإدارية ضد رئيسها السابق الذي ترك منصبه مؤخرًا، يتهمه فيه بالتستر علي رموز النظام السابق وبعض رجال الأعمال الموالين له، وإخفاء أدلة اتهام ووقائع فساد تتعلق بأحد رموز هذا النظام، وهو ما زال يمارس مهام منصبه حتي الآن، و14 واقعة أخري تتعلق بفساد وزراء سابقين، وحصول عدد من المحافظين علي رشاوي مالية، هذا إلي جانب تقديم معلومات مغلوطة لرئيس الجمهورية تتعلق بكبار المسئولين! علي حد علمي فإنها المرة الأولي التي يجري فيها تحقيق مع رئيس جهاز الرقابة الإدارية منذ إنشائها في الستينيات، فرغم أن الفساد استشري في جسد الوطن، وفاحت رائحته الكريه حتي أزكمت الأنوف، وصارت مثل الهواء الملوث الذي نستنشقه؛ إلا أننا لم نكن نتوقع تورط الأجهزة الرقابية، ولم يحدث أن اتهمت بالتقاعس أو التواطؤ، لأننا ندرك أن دورها يقف عند تقديم المعلومات والتقارير حول الفاسدين المستغلين لمواقعهم، لكن فتح التحقيقات فيما كُشف من وقائع فساد أمر يرجع إلي من بيده الأمر! أما وإن فُتحت ملفات الفساد فلا عذر ولا مبرر للصمت وحفظ الملفات في الأدراج، أقول ذلك مع تحفظي علي ما جاء من اتهامات ضد رئيس الرقابة السابق، فحتي الآن لم يُدن الرجل، وما زالت التحقيقات تجري مع مقدم البلاغ. وإذا كان هناك من يتهم رئيس الرقابة بالتستر علي الفساد، وإخفاء أدلة الاتهام والإدانة؛ فهناك أيضًا من يتهم الرقابة بتلفيق الاتهامات للشرفاء لحرمانهم من المناصب القيادية، واعتماد تقارير الصلاحية وترقية القيادات تبعًا للأهواء والمصالح المتبادلة مع المسئولين! واقع الحال أن الستين عاما الماضية نجحت بحق في تجريف الشخصية المصرية، وأكسبتها سلوكيات وأخلاقيات غريبة ومخجلة، مثلما أفقدتها قيمًا ومبادئ عظيمة، فأصبح من الطبيعي أن تري موظفا يفتح درج مكتبه لتلقي الرشاوي، ثم يترك عمله لأداء الصلاة مع الزملاء! وصار مألوفًا أن نجد رجل أعمال ينهب الملايين، وفي الوقت ذاته يواظب علي أداء العمرة مرات كل عام، وعلامات الزهد والورع تكسو طلعته البهية! واعتدنا أن نري المسئول الكبير في الدولة يتربح من منصبه ويجني ثمار خدماته بالملايين، في حين لا يترك مناسبة إلا ويندد بالفساد ويتوعد الفاسدين! ووصل بنا الحال إلي أن أصبح كل مواطن يضع يده في جيب الآخر ليتمكن من تدبير تكاليف معيشته! لكن يظل السؤال الذي ما زال يحيرني: لماذا صمت المقدم معتصم فتحي ما يقرب من عامين، ولم يقدم البلاغ إلا بعد أن ترك رئيس الهيئة منصبه!؟ هل كان يتصور أنه مسنود من النظام الجديد؟! أم أن البلاغ مجرد تصفية حسابات بعد أن غادر الرجل منصبه؟! إنني أطالب بإعادة النظر في أسلوب عمل هذا الجهاز الخطير، ومنحه صلاحيات الكشف عن الفساد، دون انتظار الضوء الأخضر ممن بيده الأمر، حتي لا نفاجأ بعد انهيار كل نظام ببلاغات تتهم الرقابة بالتستر علي الفاسدين من رجال النظام الراحل!