كنت لا أرغب أن أكتب مقالا تحت هذا العنوان أثناء رحلة الصفاء والنقاء بين مكة والمدينة في العشر الأواخر من رمضان! .. وكنت ايضا لا أريد أن أري ولا أسمع ولا أتكلم عن سلوكيات غير مرغوبة من البعض- أكرر البعض- ولكن هذا البعض يسيء إلي الكل ويسيء إلي سمعة مصر في الخارج! ولكن غيرتي علي بلدي من اولاد بلدي كانت الدافع وراء رصد هذه الأفعال والمشاهد وتضرعت إلي الله سبحانه وتعالي بالدعاء لتختفي هذه المشاهد المؤذية وتزول وكفي مصر ما تتعرض له من مصاعب وأزمات هي في الاساس أزمات أخلاقية قبل أن تكون سياسية أو اقتصادية. المشهد الأول : مدينة الرسول صلي الله عليه وسلم لمن لا يعرفها هي مدينة الكرم والأخلاق العالية وحسن المعاملة علي مستوي الأفراد والجماعات والشرطة والجيش وهذا كله ليس بغريب عن مدينة استقبلت رسول الإنسانية بكل ترحاب، والحقيقة أن النظام داخل الحرم النبوي والجهد الخارق للقائمين علي خدمة ضيوف الرحمن يجعلك تندمج بسرعة داخل هذه المنظومة، وأنت مرتاح البال، ومطمئن القلب، وهاديء النفس، ووسط هذه المشاعر الطيبة والروحانيات العظيمة وأنت في حضرة المصطفي، تصدر من معتمر مصري ضوضاء وفوضي وكلمات ليس لها علاقة بالاستغفار والدعاء وقداسة المكان، ودار هذا الحوار بين الطرفين. - يا حاج لا تندفع ولا تزاحم وانتبه امامك شيوخ وعواجيز واصحاب احتياجات خاصة وخذ دورك في الزيارة! - رد الفعل كان بصوت مرتفع وعلي بُعد خطوة من مرقد رسول الله »ايه يا حاج هو احنا في طابور الجمعية ولا ايه! بالله عليك بلاش فتاوي وكفاية علينا المرشد الكبير اللي في مصر« انتهي المشهد ولا تعليق! المشهد الثاني :يبدو ان مسألة تعظيم المكان في الحرم المكي اصبحت عند البعض محل شك، وحتي السلام نفسه اصبح عُملة صعبة بين الاخوان المعتمرين، فلا تستغرب عندما تشاهد المشاجرات أمام الكعبة المشرفة والتلاسن بين النساء ووصل الأمر أمام عيني أن رمي حاج أخاه الحاج بزجاجة مياه فأذاه! وأظرف سب سمعته في هذا المكان صدر من رجل أفريقي لأخيه العربي الذي امسك بتلابيبه وقال له بالعربي المكسر »أنت ابليس أسود« فخرج المعتمرون من حالة الزهد والدعاء إلي حالة من الضحك والهرولة! تعظيم المكان نوع من العبادة والتقدير ويتطلب منا جميعا التسامح والصبر والرقي في التعامل ولابد من شيوخنا العظام من الأزهر الشريف أن يزيدوا من التوجيه والارشاد والوعي لدي المصريين حتي لا يتهم أحدهم ب »الابليس الأسود«. المشهد الثالث : في مكة وعند أذان المغرب يلتف المسلمون المعتمرون حول وجبة من البلح والماء، ويسعي أهل الخير والجمعيات الخيرية للفوز بإفطار صائم، ولا يحتاج الصائم أكثر من تمرة واحدة أو ثلاث تمرات مع كوب الماء حتي يتمكن من أداء صلواته التي تصل إلي 33 ركعة بعد صلاة العشاء ولكن مع النفس اللوامة والجشع غير المبرر تجد كثيرا من المعتمرين يتكالبون علي خطف- نعم خطف- الوجبات المجانية علي طريقة اخواننا في الصومال وبعدها حدث ولا حرج عن المشاجرات التي تحدث بين المعتمرين بسبب الأكل المخطوف! وكله كوم وصائد الصدقات كوم ثاني، فهناك متخصصون في جمع الصدقات وحشرها في حقائب خاصة اشبه بالمخلة، وياريت أن المسألة تنتهي عند جمع الصدقات التي تأتي لهم بالرضا وانما يتبعون اسلوب الإلحاح والتسول بشكل مقزز وعندما تهمس لأحدهم في أذنه »حرام عليكم فضحتونا.. ينظر إليك شذرا ويضرب لك الطرشة« أرحمنا يارب. المشهد الرابع : رمضان كان فرصة لشحذ الهمم، وشحن الذات، وغسل الذنوب، وإعطاء حق الله الذي قد ينساه البعض في دوامة الحياة، باختصار هو فرصة عظيمة لكل منّا لكي يتوضأ من الداخل! والسباق الي الحرمين الشريفين كان علي أشده في محاولة جادة من الأغلبية للفوز برضا الله وقبول العمرة والتوبة، وفي ظل هذا كله تخرج من الفندق وتعود إليه تجد بعض الشلل من معتمري الفنادق يجلسون أمام اللاب توب ومشغولين بالشات والرغي والحملقة في خلق الله وعندما تدخل معهم في نقاش حول تعديل مسارهم والتوجه لأداء الصلاة في الحرم لأنها بمائة ألف صلاة في أي مسجد آخر يبتسم لك المعتمر من دول ويضحك ضحكة باهتة ويقول إن شاء الله يا شيخ فالك طيب! المشهد المشرف : قمة التواضع في الشاب المصري القابع في ركن المسجد الحرام بالصفوف الأخيرة ويرافقه آخر علي شاكلته من التواضع والتعاون والإيثار.. وأنت تنظر إليهما تري النور يشع من وجهيهما، وقبل المغرب بربع ساعة تجدهما علي حركة دائبة لتحضير بعض الوجبات المساعدة وتوزيع الألبان والجبن علي كل حاج يمر أمامهما في هدوء وثبات يحسدان عليهما.. هذه النماذج المشرفة أثلجت صدري لأنها جاءت من أبناء بلدي وعرفت بعد العشر الأواخر أن الأول عضو بمجلس الشوري وأمين عام حزب النور في طنطا واسمه معتز علي عبد الخالق السايح وزميله من كبار تجار طنطا واسمه محمد عشوش . ربنا يجازيهما بالخير لما فعلاه مع المعتمرين في رمضان.