بدأت مصر مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي، للحصول علي قرض تبلغ قيمته 8.4 مليار دولار... ورغم أن المبلغ كبير إلا أنه بالنظر إلي معدل استنزافنا للنقد الاجنبي منذ اندلاع الثورة والذي بلغ في المتوسط مليار دولار شهريا ليفقد الاحتياطي 16 مليار دولار في أقل من عام ونصف العام، يدفعنا للتساؤل حول جدوي استخدام هذا القرض - في حالة الموافقة عليه - في دعم احتياطي النقد الأجنبي، وكيف يمكن تعظيم الاستفادة منه؟ بداية لابد من الوقوف علي الشروط الأساسية للقرض،فبالرغم من أن المفاوضات لم تنته بعد ولم تتحدد الشروط النهائية، لكن الملامح الاساسية للشروط كما أوضح د. هشام قنديل رئيس الوزراء هي أن يكون سعر الفائدة 1،1٪ ومدة القرض 5 سنوات، بينما تصل فترة السماح إلي 39 شهرا. هذه الشروط المبدئية اعتبرها خبراء العمل المصرفي شروطا جيدة ومشجعة، نظرا لطول مدة القرض وانخفاض سعر الفائدة المطلوب، ولكنهم رفضوا تماما فكرة تدعيم احتياطي النقد الاجنبي بهذه الأموال. تقول د. فائقة الرفاعي نائب محافظ البنك المركزي إن تدعيم الاحتياطي يعني إيداع المبلغ لدي البنوك في الخارج، وتحصيل فائدة عليه، وهي لا تتجاوز 5 ٪ لندفع عنها فائدة 1.1٪ وهذا أمر مرفوض، فتعظيم الاستفادة من القرض يتطلب منا العمل علي الاستفادة من فترة السماح واستغلال القرض بما يمكننا تكوين احتياطي نقدي جديد والقدرة علي سداد القرض وفوائده، وحتي نتمكن من تحقيق ذلك تري د. فائقة أنه لابد من توجيه جزء من القرض لاقامة مشروعات استثمارية في مجالات تتمتع فيها مصر بميزة نسبية توجه للتصدير لمختلف بلاد العالم مثل صناعة المنسوجات القطنية بكل صورها بعد دراسة الاسواق الخارجية لمواكبة الاذواق بها والمنتجات التي تتناسب مع احتياجاتها. وتطالب د. فائقة بالتركيز علي المشروعات التصديرية الصناعية بدلا من الصادرات الزراعية، لان الصادرات الصناعية تكون فيها القيمة المضافة أعلي وبالتالي العائد منها أكبر، بخلاف الصادرات الزراعية التي تتسبب في حالة تضخم في أسعار السلع الغذائية وتتميز بانخفاض عائداتها، وتضيف قائلة لابد أيضا من الاهتمام بالخدمات فهي يمكن أن تكون مصدرا مهما للنقد الأجنبي إذا أحسنا استخدامها وتعطي مثالا بخدمات الموانيء وتقول لابد من تطوير الموانئ لدينا -وهي عديدة - لتقدم خدمات مثل الصيانة وتوفير الوقود وتقديم خدمات الغذاء للسفن المختلفة التي تعبر بها، وهناك أيضا خدمات الاستشارات وهذه يمكن أن نوجهها إلي الدول الأفريقية فهي بحاجة للاستشارات في مجالات تكنولوجيا المعلومات والسياسة النقدية والقوانين وغيرها مثل هذه الخدمات لابد من التحرك فيها وتنشيطها بخطط وسياسات تتبناها الحكومة ويجب ألا تترك لمحاولات أفراد أوجماعات لتكون محاولات ضعيفة ومؤقتة. يمكن أيضا توجيه جزء من هذا القرض لتطوير سيناء -والكلام علي لسان د. فائقة الرفاعي - وإنشاء قري صناعية فيها تقدم مصنوعات تقليدية مثل القرية التي تم تأسيسها من قبل في غرب سيناء، وقد بادر الرئيس محمد مرسي وأبدي عزمه التوجه للاستثمار في سيناء وبالتالي فان توجيه جزء من القرض لها وليكن 5٪ سيحدث فارقا كبيرا، في تنميتها ودمجها في النسيج الوطني بالاضافة الي تحقيق زيادة في الدخل القومي. د. هبة حندوسة عضومجلس ادارة البنك المركزي سابقا ورئيس مشروع مبادرة مصر للتنمية المتكاملة، ترفض أيضا فكرة تدعيم احتياطي النقد الاجنبي بالقرض في حالة الحصول عليه، وتقول لابد أن يضخ جزء من هذا القرض في السوق المحلي بأن يتيحه البنك المركزي للبنوك حتي تتمكن من ضخ سيولة لانقاذ العديد من المشروعات المتوقفة والتي تعاني من نقص الموارد ومهددة بالانهيار، أما الخطوة الثانية فتكون بتوجيه جزء من القرض لقطاع المشروعات الصغيرة وهوقطاع واعد سواء بالتشغيل وخلق فرص عمل أوبتقديم اضافة للناتج القومي، وتؤكد د. هبة أن الوقوف علي واقع المشروعات الصغيرة وعمل خطة استراتيجية للنهوض بها لا يتطلب البدء من الصفر فهناك تقرير شامل عنها يتضمن استراتيجية من شأنها مضاعفة العائد من المشروعات الصغيرة، وكذلك جذب واستيعاب القطاع غير الرسمي، وهوموجود لدي وزارة التعاون الدولي تحت عنوان "تقييم الموقف"، وتحذر د.هبة من استخدام أموال القرض في مساندة الجنيه والحفاظ علي قيمته أمام الدولار، مشيرة إلي أن توجيه اموال القرض للاستثمار وخاصة في المشروعات الصغيرة من شأنه أن يدعم قيمة الجنيه من خلال استعادة الاقتصاد لقوته. حسام الدين ناصر الخبير المصرفي ومستشار وزيرة التعاون الدولي سابقا، يحذر من استخدام أموال القرض لدعم الاحتياطي من النقد الأجنبي ويقول الاحتياطي أشبه ما يكون بحصالة تحتفظ فيها بأموال لا تستخدمها إلا للضرورة القصوي، ولا يعقل أن نقترض لنضيف للاحتياطي، وانما تتم زيادة الاحتياطي بتنشيط موارد النقد الاجنبي وتكوين فائض منها، ويرفض ناصر أيضا توجيه أموال القرض وانفاقها في تدبير شراء سلع استهلاكية، ويقول قد نضطر لسداد بعض المستحقات الضرورية ولكن ذلك لا يعني أن نقترض من أجل الانفاق علي سلع استهلاكية، وانما يجب توجيه أموال القرض إلي مشروعات منتجة.