حالة من الانزعاج الشديد اجتاحت الادارة الامريكية بعد ان طالبت ليبيا الجمعية العامة للامم المتحدة بسرعة التحرك لفتح تحقيق دولي في غزو العراق واعدام الرئيس الراحل صدام حسين. هذا الموقف الامريكي غريب لاسباب عديدة، اهمها ان الولاياتالمتحدة تصدع رءوسنا ليل نهار بالحديث عن ضرورة احترام القانون الدولي الذي اعتبرت نفسها حاميا له وحارسا عليه، ولكنها الان تخشي تطبيقه في جريمة اسفرت عن تدمير دولة وقتل وتشريد الملايين بين ابنائها. والقيمة الكبري لفتح تحقيق دولي في الغزو الامريكي للعراق واعدام صدام ليست مجرد السعي لادانة المجرمين الحقيقيين وفي مقدمتهم، بالطبع، الرئيس الامريكي السابق جورج بوش وتابعه رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير بل تصحيح وقائع التاريخ التي زورها الامريكيون حتي يبرروا جريمتهم البشعة ضد الشعب العراقي وغيره من الشعوب التي تعرقل أطماع السيطرة والهيمنة الامريكية . وفي نفس الوقت ، تخشي الولاياتالمتحدة من ان يتسع هذا التحقيق الدولي ليشمل اللغز الاكبر المتعلق بهجمات 11 سبتمبر الارهابية في نيويوركوواشنطن والتي اعتبرها بوش مبررا لشن حربه الاجرامية ضد العراق وافغانستان . واذا كانت الولاياتالمتحدة تحتفل الآن بالذكري التاسعة لهذه الهجمات، فإن آخر ما تريد رؤيته ان يتحرك العالم لازالة ما يحيط بها من غموض وتحديد المسئول الحقيقي عن هذه العملية الارهابية المروعة التي غيرت وجه العالم في ضوء حقائق عديدة تأكدت اهمها علاقة أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بوكالة المخابرات المركزية الامريكية وتأكد عدم وجود أسلحة دمار لدي العراق وانعدام اي علاقة بين صدام حسين وهجمات سبتمبر الارهابية. وقد طرح الرئيس الليبي معمر القذافي العام الماضي اسئلة خطيرة امام الجمعية العامة ويتعين ان يجيب عليها التحقيق الدولي اهمها كيف يتم غزو دولة عضو في الاممالمتحدة وتدميرها دون اي غطاء من الشرعية؟ وكيف يتم اعدام أسير حرب ورئيس دولة بواسطة عصابة ترتدي الملابس التنكرية. والغريب ان حالة القلق والانزعاج الامريكية سيطرت ايضا علي حكومة العراق الحالية بعد المطالبة بالتحقيق الدولي وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري "ان اثارة هذا الموضوع ستؤثر سلبا علي الاوضاع في العراق وستعرض استقراره للخطر"! والاكثر من ذلك ان حكومة بغداد اجرت اتصالات مكثفة مع ليبيا لاقناعها بسحب مطلبها رغم ان هذه الحكومة كان من المفروض ان تكون هي الطرف الذي يطلب هذا التحقيق قبل ان تبادر ليبيا بذلك. وفي كل الاحوال، لا يعني الانزعاج الامريكي ان واشنطن تعبأ بالمجتمع الدولي وتخشي من فضح ابعاد المؤامرة الكبري التي دبرها المحافظون الجدد ونفذها بوش وذلك لسبب بسيط هو ان فضائحها وجرائمها أكثر من ان تعد او تحصي بداية من قصف هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية وحتي مشاركتها المباشرة وغير المباشرة في جرائم اسرائيل ضد العرب والفلسطينيين مرورا بغزو فيتنام. والسبب الرئيسي لهذا الانزعاج الامريكي هو الحرص علي استمرار ابتزاز العالم بما حدث يوم 11 سبتمبر 2001 علي طريقة استثمار اسرائيل لقصة الهولوكوست بالاضافة إلي ان المؤامرة التي بدأت بهجمات نيويوركوواشنطن مازالت مستمرة.. وحتي تحقق كل اهدافها الاجرامية يجب ان يلتزم الجميع بالصمت وان يتحرك العالم كالقطيع وراء مسلسل الاكاذيب الامريكية .