طوال الثلاثين عاما الماضية كان من المعتاد والطبيعي أن تتبادل مصر وإسرائيل الرسائل والاتصالات والمشاورات علي جميع المستويات السياسية والدبلوماسية تطبيقا لمعاهدة السلام الموقعة بين الجانبين عام 1979 وهو الأمر الذي أصبح غير مستحب بعد فوز د. محمد مرسي برئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية الاخيرة نظرا للحساسية الشديدة التي يتعامل بها التيار الإسلامي المنتمي إليه الرئيس د. محمد مرسي مع إسرائيل واتفاقية السلام، ورغم ذلك شهدت الفترة الماضية بعض محاولات الاتصال بين الجانب الإسرائيلي والرئيس مرسي، ولكنها جاءت علي استحياء. ب البداية كانت برسالة تهنئة بعثها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلي الرئيس د. محمد مرسي هنأه فيها بفوزه في الانتخابات الرئاسية، وأبدي نتنياهو في هذه الرسالة التي نقلتها السفارة الإسرائلية بالقاهرة رغبته في التعاون مع النظام المصري الجديد، وأعرب عن أمله في أن تتم المحافظة علي معاهدة السلام بين البلدين لكونها مصلحة مشتركة لهما، كما تلقي د. مرسي رسالة مماثلة من الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. ب وفي أعقاب رسالة نتنياهو للرئيس مرسي نشرت وسائل الإعلام العربية والاجنبية تسريبات عن وساطة أمريكية لتنسيق مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس مرسي. ب برقية تهنئة وجاءت المحاولة الثانية عندما بعث الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز برقية تهنئة إلي الرئيس مرسي بمناسبة حلول شهر رمضان في العشرين من يوليو الماضي، وفي أعقاب ذلك أعلن مكتب الرئيس الإسرائيلي بيريز بأن مرسي أرسل برقية شكر لنظيره الإسرائيلي ردا علي تهنئته بحلول شهر رمضان تمني فيها أن يتم بذل المزيد من الجهد، من أجل إعادة المسيرة السلمية في الشرق الأوسط إلي مسارها الصحيح لتحقيق الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة، وهي الرسالة التي أثارت جدلا واسعا في مختلف الاوساط المصرية مما دفع مؤسسة الرئاسة علي لسان د. ياسر علي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إلي إنكار هذا الأمر، ونفي أن يكون الرئيس مرسي قد أرسل رسالة شكر لنظيره الإسرائيلي شيمون بيريز. ب وفي مرحلة لاحقة جاء الإعلان الإسرائيلي المسيء للرئيس مرسي، والذي يروج لبناء هيكل سليمان من جديد علي أنقاض المسجد الأقصي، ويصور الإعلان عائلة إسرائيلية علي شاطئ البحر، ويقوم الأب بقراءة خبر في جريدة إسرائيلية عن الرئيس مرسي، في حين يقوم أبناؤه ببناء الهيكل علي الرمال، وبعد نجاح الأبناء في بناء الهيكل، يرمي الأب الجريدة، فتقع تحت قدميه، وبها صورة د.مرسي، في إشارة إلي أن الرئيس المصري لن يمنع إسرائيل من بناء الهيكل، وقد أغضب هذا الإعلان مؤسسة الرئاسة المصرية الأمر الذي دفع الجانب الإسرائيلي إلي أن يوضح أن هذا الإعلان لم يذع في أي من قنوات التليفزيون الإسرائيلي الرسمي حيث جري بث الإعلان من خلال اليوتيوب علي الإنترنت بواسطة جهة غير حكومية وليس لها أي صفة رسمية. ب المحلل السياسي د.عاصم الدسوقي استاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة يري أن تبادل الرسائل والاتصالات والمشاورات بين مصر ممثلة في رئيسها أو وزارة الخارجية وبين إسرائيل ومؤسساتها ووزراتها المعنية أمر طبيعي وبرتوكولي تفرضه اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين منذ عام 1979 مؤكدا أنه لا يري في هذا الأمر ما يعيب مؤسسة الرئاسة المصرية في عهد رئيسها الجديد د. محمد مرسي مادامت هذه الاتصالات وتلك الرسائل والمشاروات تخدم الحقوق المصرية والعربية وبالأخص الفلسطينية. ب ويقول د. الدسوقي: علاقة مصر بصفة عامة وإسرائيل تنطلق من معاهدة السلام، وهذه المعاهدة لها قيودها المعروفة، والمتمثلة في عدم الاقتراب من تأييد القضية الفلسطينية، حيث تنص المادة الثالثة من هذه المعاهدة علي أنه لا يجوز لاحد الطرفين مصر وإسرائيل أن يؤيد أو يدعم نشاطا معاديا للطرف الآخر حتي ولو بالقول، وهو الأمر الذي يفسر موقف الإدارة المصرية في عهد النظام السابق من غزة وخاصة بعد اعتلاء حماس الحكم فيها، ومادام أن حماس ضد إسرائيل، فإن مصر تكون مخلة بمعاهدة السلام إذا وقفت إلي جانب حماس ، ومن ثم أعتقد أن الرئيس د. محمد مرسي وقع في مأزق عندما تحدث في خطابه بجامعة القاهرة بعد حلف اليمين عن القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لأن كل هذه الأمور تتعارض مع اتفاقية السلام. ب ويشير د.الدسوقي إلي أن الرئيس مرسي لا يمكنه تجاهل التشاور والاتصال بإسرائيل، وفي نفس الوقت لا يمكنه تجاهل الحقوق الفلسطينية، وبالتالي فإنه من الأفضل أن يعمل الرئيس من خلال هذه الاتصالات والمشاورات والرسائل علي خدمة حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن بشرط العمل علي الضغط علي إسرائيل لإعادة النظر في بعض مواد معاهدة السلام التي تنتقص من سيادة مصر. ب ويري د. الدسوقي أنه من الممكن أن تتخذ مصر بعض المواقف السلبية تجاه إسرائيل، مثل عدم إرسال رسائل، أو القيام بأي اتصالات أو مشاروات في بعض المناسبات علي سبيل الضغط علي القادة الإسرائيليين لتغيير مواقفهم بما يتماشي ويتناسب مع الاستراتيجية والأجندة المصرية. وعلي صعيد آخر لايجد السفير أحمد حجاج مساعد وزير الخارجية الأسبق أي غضاضة في تبادل الرسائل والاتصالات بين القادة المصريين والمسئولين في إسرائيل، ولكنه يفضل أن تكون هذه الاتصالات وتلك الرسائل بين مصر وإسرائيل في مستوي أقل من المستوي الرئاسي، بحيث تكون مقصورة علي وزارة الخارجية أو غيرها من مؤسسات الدولة المعنية بالتعامل مع إسرائيل. ويقول مساعد وزير الخارجية الأسبق: طبقا لاتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإنه من المفروض أن تكون هناك علاقات دبلوماسية بين الجانبين، ولكن من حق أي طرف أن يقطع هذه العلاقات إذا حدث حدث جليل يمثل خرقا لبنود هذه الاتفاقية، وبالتالي لا بأس من تبادل الرسائل والاتصالات بين الجانبين ولكنها لابد أن تكون في حدود معقولة، بحيث لا تكون هناك اتصالات يومية لا داعي لها. ب القضية الفلسطينية أما المفكر والسياسي الفلسطيني عبدالقادر ياسين مقيم بالقاهرة فيشير إلي أنه ليس مع وجود اتصالات ورسائل بين الرئيس.... ب د. محمد مرسي وبين القادة في إسرائيل، مشددا علي ضرورة الحد من حجم العلاقة بين مصر وإسرائيل في الوقت الراهن للضغط علي الإسرائيليين لصالح القضية الفلسطينية. ب ويطالب ياسين المسئولين في مصر بالعمل علي إعادة النظر في معاهدة السلام واتفاقية كامب ديفيد، ولاسيما بعد الاعتداء الاخير علي الجنود المصريين في رفح، حتي تستطيع مصر أن تعزز تواجدها الأمني والعسكري في سيناء، مشيرا إلي أنه يعتقد أن هذا الأمر سوف يكون علي رأس جدول أعمال رئيس الجمهورية د. محمد مرسي بعد أن ينتهي من إعادة ترتيب البيت المصري من الداخل، ولكن لابد أن يعلن عن ذلك في مرحلة لاحقة. ب