قبل أن نغادر عام 2015، أصدرت دار «الشروق»، مجموعة لم تكن نشرت من أحلام نجيب محفوظ، التي كتبها بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال الإرهابية، وأطلق عليها « أحلام فترة النقاهة «، المجموعة الأخيرة تضم قرابة 300 حلم، كان محفوظ أملاها علي صديقه وسكرتيره الخاص، وهذا ما دفع بعض النقاد إلي التساؤل حولها، والتشكيك في نسبتها إلي محفوظ، غير أنني سمعت من محمد سلماوي «رئيس اتحاد الكتاب السابق»، وصديق محفوظ المقرب وموضع سره، في كثير من الأمور، أن بعض الأحلام المنشورة مؤخراً، مسجلة لديه بصوت صاحبها، حيث اعتاد أن يلقاه لسنوات طوال صباح كل سبت. الأحلام الجديدة تتعلق بوقائع وشخصيات مرت في حياة محفوظ، وتناولها في أعمال سابقة، معظم هذه الأحلام هي استرجاع لشخصيات مرت بحياته، سواء بالاحتكاك المباشر أو كانوا رموزاً ومثلاً في مسيرته، من الذين احتك بهم، أم كلثوم وعبد الوهاب وأحمد مظهر، وأساتذته الشيخ مصطفي عبد الرازق والدكتور طه حسين والعقاد، فضلاً عن بعض السيدات اللاتي مررن به في مسيرته، وتناولهن في بعض أعماله، مثل عايدة شداد التي ذكرها في الثلاثية وهنا يرمز لها بالحرف الأول «ع» ؛ ومن الشخصيات التي تعد مثلاً له سعد زغلول ومصطفي النحاس وعبد الناصر. يحتل مصطفي النحاس المكانة الأولي في هذه الأحلام، من حيث العدد، خصص له عشرة أحلام، يليه سعد زغلول وله أربعة أحلام، ثم جمال عبد الناصر، ويرد محمد علي في حلم واحد وكذلك إبراهيم باشا ثم أحمد عرابي، ولكل منهما حلم. وسادت لفترات طويلة بين السياسيين والمثقفين، حالة من المفاضلة بين الزعماء والزعامات عموماً، لكن محفوظ، في هذه الأحلام لا يفاضل، بل لديه حالة من التصالح مع الجميع، ويحاول أن يقدم كل منهم في جانبه الإيجابي، ولذا لم يكن غريباً أن نجد لديه ثلاثة أحلام، يجمع منها أكبر عدد من هؤلاء الزعماء وهي أحلام بأرقام 217 و230 و366 ؛ في الحلم الأخير يقول «هؤلاء زعماء مصر وهم بالتوالي : عمر مكرم وأحمد عرابي ومصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول ومصطفي النحاس ومكرم عبيد ومحمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات، وأنا أقوم بالخدمة فأقدم القهوة والشاي والسماء تقطر صفاء والجو غاية في الهدوء، حتي يكون له عمق وأنغام» هذه الروح من التسامح تسيطر علي الأحلام كلها، سواء منها ما يتعلق بالأشخاص الذين مروا في حياته بشكل خاص وشخصي أو الزعماء. حالة التسامح والود مع الزعماء، تبدو خاصة مع الرئيس عبد الناصر، في الحلم رقم 209، حيث يبدأ بأنه رأي نفسه يجلس مع عبد الناصر في حديقة وليس في المكتب، وقال له ناصر «لعلك تتساءل لماذا قلت مقابلاتنا، فرد عليه بالإيجاب. فقال : كلما شاورتك في أمر جاءت مشورتك بالإختلاف كلياً أو جزئياً، فخفت أن تتأثر صداقتي لك بهذا الموقف. فقلت : أما أنا فلن تتأثر صداقتي لك مهما اختلفنا»، شهادة فيها الحنو والتقدير، مع تسجيل ما يأخذه عليه في عدم تقبل الرأي المختلف. ويبدي تعاطفاً شديداً وحنواً تجاه أحمد عرابي - الحلم 450 - فقد كان في مكان ما، ولمح رجلاً في حالة صحية سيئة يتوكأ علي عصا، وتأمله فإذا هو عرابي، ويسأله عما به فيرد عليه « أنه فعل النفي الطويل، وسوء الاستقبال الذي لقيته عند العودة للوطن، فأقول له متأثراً : إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً «. ورغم كثرة الزعماء الذين توقف عندهم، يبقي سعد زغلول الحالة النموذجية، صحيح أنه ورد لديه في أربعة أحلام فقط، أي أقل من نصف الأحلام الخاصة بالنحاس باشا، لكن الإكبار والتقدير الأعلي يبدو واضحاً لزعيم الأمة سعد زغلول، وأنا أنقل هنا نص الحلم 289 «رأيتني أسير في الظلام وشبح يتحرك هنا وآخر هناك فامتلأت رعباً ولجأت إلي تمثال سعد زغلول فوثب الزعيم إلي الأرض وأيقظ الأسد الذي راح يزأر فإذا بالأشباح تختفي وإذا بالطمأنينة ترجع إلي صدري، فشكرت الزعيم الجليل وعبرت الجسر في سلام». ولا يحظي أي زعيم لديه بمثل هذا التقدير.